ستظل خواتيم العام «2013» وعلى وجه الدقة الرابع عشر من ديسمبر هذا العام معلمًا بارزًا في تاريخ دولة جنوب السودان التي مضى على ميلادها نحو عامين وأربعة أشهر، ففي هذا التاريخ انعقد مجلس التحرير القومي للحركة الشعبية وعلى إثره انطلقت شرارة الانقلاب على الحكم وفقًا للرئيس سلفا كير ميارديت أو محاولة الانقضاض على خصومه السياسيين والتخلص منهم وفقًا لنائبه السابق رياك مشار بمحاكمتهم على جريمة مفبركة، وكان سلفا في الفترة الماضية تخلص من مناوئيه السياسيين على نحو درامتيكي، فقد بدأ بتقليص صلاحيات كل من نائبه مشار في أبريل الماضي وقصر مهامه على صلاحيات شرفية تتلخص في تمثيل الرئيس في حالة سفره خارج البلاد، كما أصدرقرارًا بثه التلفزيون الرسمي قضى بإيقاف عملية المصالحة الوطنية التي كان مشار أطلقها في أرجاء البلاد تدعو لنبذ التعصب القبلي وإنهاء النزاعات بين المكونات الاثنية المختلفة حول المراعي ومصادر المياه، وما لبث أن أقاله تمامًا من منصبه في يوليو الماضي، فالتنافس السياسي بين الرجلين صار جليًا عقب إعلان مشار عن نواياه في الترشح لرئاسة الحركة الشعبية في مؤتمرها العام تمهيدًا للترشح عن حزبه كرئيس للجمهورية في «2015»، وبمضي شهرين أي في مطلع يونيو الماضي أصدر سلفا قرارًا آخر بتجميد بعض صلاحيات الأمين العام للحركة الشعبية وكبير مفاوضي وفد الجنوب مع السودان باقان أموم ووزير خارجيته نيال دينق نيال، وبموجب القرار لا يستطيع الاثنان الانخراط في أي اجتماعات مشتركة مع أي جهة إلا بموافقة الرئيس ومجلس الوزراء، ومن قبل حوَّل كلاً من وزير رئاسة مجلس الوزراء دينق ألور ووزير المالية كوستا مانيبي إلى التحقيق بتهم فساد مالي بشأن «8» ملايين دولار، ومعروف أن ألور من القيادات البارزة لدينكا نقوك المناهضين لأي تقارب مع الخرطوم على حساب أبيي التي يسعون للذهاب بها جنوبًا لدرجة أنه وبالتعاون مع آخرين نظم استفتاء أحاديً في البلدة جاءت نتيجته للانضمام للجنوب الشيء الذي لم تعترف به حكومة الجنوب كما أنه سبق له أن غادر قاعة الاحتفالات بتوقيع اتفاق «27» سبتمبر «2012» بين الخرطوموجوبا احتجاجًا على فصل قضية أبيي عن الاتفاق، من جهته انتقد أموم بشدة خطوة سلفا واصفًا دوافعه بأنها سياسية ومضى سلفا في تصفية خصومه بعيدًا عندما أقال حاكم ولاية الوحدة تعبان دينق في مطلع الأسبوع الثاني من يوليو المعروف بصلته الوثيقة ودعمه لقطاع الشمال الذي يحارب الخرطوم في ظل سياسته الجديدة في التوافق مع الخرطوم.. تلك الإرهاصات أفصحت عن الصراع بين سلفا والتيارات التي تناوئه في حزبه لدرجة دفعت بخصومه للتوحد معًا لمواجهته، وعلى إثر ذلك برز التقارب الواضح بين أولئك الفرقاء كما انضمت إليهم زوجة زعيم الحركة الراحل جون قرنق «ربيكا قرنق» التي دافعت عن مشار بقولها إنه رجل ديمقراطي ولا يمكن أن يقود انقلابًا. فالصراع بين فرقاء جوبا سياسي حول السلطة، وإن كانت هذه الحقيقة لا تمنع من انزلاق النزاع إلى مسارات التعنصر القبلي خاصة أن بيتر قديت الذي تمرد على الجيش في الأسبوع الماضي واستطاع السيطرة على مدينة بور مسقط قرنق من أبناء النوير القبيلة التي ينتمي لها مشار وتعبان دينق، ولاحقًا سيطر قديت على مقاطعة أكوبو بولاية الوحدة، وحاليًا صرح مشار ل «بي بي سي» بأنه يسيطر على ولايتي الوحدة النفطية وجونقلي، واستعانت جوبا فجر الجمعة الفائتة بقوات يوغندية للمشاركة في المحافظة على الأمن، وقد تم نشرها وفقًا لوكالات الأنباء حول القصر الرئاسي مقر إقامة سلفا وبمقار السفارات وبمجمع الوزارات. الزمن.. عنصر هام الصراع بالجنوب يمكن أن يصل لنتائج سيئة جدًا ما لم يتم تداركه في أقصر وقت ممكن، تلك هي إفادة رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمجلس الوطني سابقًا جلال تاور، الذي فسر توقعاته تلك في حديثه ل«الإنتباهة» بأن الحرب تشتمل على جوانب سياسية وقبلية واقتصادية، لذا لا بد من تدارك الموقف وتدخل دول الجوار مثل كينيا ويوغندا وإثيوبيا بأسرع ما يكون وحاليًا هناك تحرك ل «الإيقاد» عبر وزراء خارجيتها، كما أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عبر دول الإيقاد لديه اهتمام خاص بالاستقرار في الجنوب لأن اضطرابه يعني عدم استقرار كل دول الجوار، ذلك أن الجنوبين إبان حربهم ما قبل نيفاشا كانوا لاجئين في إثيوبيا وكينيا وأوغندا، وفي حال استمرار هذه الحرب فإن لجوءهم لتلك الدول سيتجدد مرة أخرى باستصحاب صراعاتهم الداخلية، وبسؤاله عن التناقض ما بين تصريحات سلفا التي تدعو للحوار مقابل اشتراط مشار بأنه لن يتفاوض إلا على مغادرة سلفا، أشار تاور إلى أن مهمة الوسطاء هي التأثير على الطرفين لحل هذه المشكلة، وعن دور السودان أوضح أن دوره في حل الأزمة وارد بيد أنه تطرق لخلافاته مع بعض الأطراف في الجنوب مضيفًا أنه من المتعذر على دولة واحدة حل الأزمة، ولا بد من مجموعة من الدول، وحول توقعاته للأزمة قال إنه ما لم تجرَ عملية تصالح في الأيام القادمة فإن الأزمة ستمتد لسنين لأن أيًا من أطراف النزاع سيستعين بجهة أو أخرى كما أن توفر السلاح للطرفين يغري بذلك. احتمالات تشرذم الجنوب رئيس لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان سابقًا اللواء معاش محمد مركزو كوكو قال إن الصراع بين مجموعة سلفا وأولاد قرنق وفي مقدمتهم باقان أموم ودينق ألور الذين يدعمون مشار، وذهب إلى أن الصراع سيتجه إلى مناطق النفط الحساسة في ولاية الوحدة، فالانقلاب الذي لم يحقق أهدافه في تغيير النظام بجوبا انتقل إلى ولايات أخرى خاصة تلك التي تحتضن النفط، وأوضح في حديثه ل«الإنتباهة» أنه وبما أن الجنوب يمر بضائقة اقتصادية فإن المجتمع الدولي لديه رغبة في ألّا تتسع رقعة الحرب بالجنوب لتصبح حربًا أهلية بين القبائل، وكان تقرير منشور لمجموعة الأزمات الدولية ذهب إلى أن الجنوب على أعتاب حرب أهلية، وحول مآلات الصراع توقع مركزو أن تتم تسوية سياسية ويتوصل الفرقاء لمحاصصة في الحكم والاتفاق على سياسات كلية أو أن يستمر الصراع ليصبح حربًا أهلية كلٌّ يستنصر بقبيلته مما يؤدي إلى تشرذم الجنوب وتفتيته إلى عدة كيانات صغيرة يلحق بعضها ببعض دول الجوار، ولكنه عاد ليرجح أن ينجح المجتمع الدولي والولايات المتحدةالأمريكية في إيجاد تسوية ترضي كل الأطراف المتصارعة مشيرًا إلى دور إيجابي يلعبه السودان لتقريب وجهات النظرين بين الأطراف وعن انعكاس الصراع على دول الجوار أفاد بأنها تتأثر به على نحو مباشر نظرًا للتداخل السكاني بين تلك الدول: «كينيا وإثيوبيا وأوغندا» والجنوب إضافة لتضرر المصالح المشتركة فيما بينها لذا فإن الأخبار تتحدث أن يوغندا دفعت بقوات لتأمين مصالحها في الجنوب وإذا لم يتم تدارك هذا الصراع فإن عواقبه ستكون وخيمة على دول الجوار، أما السودان فإنه يتضرر مباشرة في مسألة النفط لأن رسوم مرور نفط الجنوب عبر السودان جزء من الموازنة العامة للعام القادم، ومن الناحية الأمنية فإن الأضرار التي تلحق بالخرطوم تتمثل في أن الجنوب وبعد أن اتجه أخيرًا لعدم إيواء الحركات المسلحة ضد الخرطوم «قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة» فإن استمرار الصراع قد يوجد مجموعات جنوبية تدعم تلك الحركات فيتيسر لها الإمداد العسكري مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الشريط الحدودي بين دولتي السودان. «يا فرحة ما تمت» ربما كانت هذه العبارة هي لسان حال حكومة الخرطوم التي احتملت مماطلات جوبا طويلاً حتى رست سفينة البلدين على شاطئ التوافق على المصالح المشتركة بينهما، وقبل أن يهنأ البلدان بهذا التوافق اندلعت حرب الجنوب التي لا يدري أحد كيف ستكون مآلاتها على المدى القريب والبعيد على الجميع.