الحمد للَّه كتب على عباده الفناء، سبحانه تفرد بالبقاء، وقال في كتابه العزيز (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور). وقال: (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقال: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن اللَّه كتاباً مؤجلا) وقال لحبيبه ونبيه وصفيه: (إنك ميت وإنهم ميتون) الموت باب كل الناس داخله والموت كأس وكل الناس شاربه والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من قعد عن العمل وتمنى على اللَّه الأماني. أما بعد: هذه تقدمه أو مقدمة وقد علمت بوفاة أخٍ عزيزٍ وصادق ومتجرد ومخلص ومتفانٍ ونقابي عريق وعتيق ومخضرم، والذي لا إله إلا هو ما علمت بوفاته وانتقاله للدار الآخرة إلا خلال سويعات من كتابة هذه السطور ألا وهو الأخ العزيز الفاضل بأخلاقه الكريمة وكرمه الفياض الأخ المجاهد/ صلاح شريف عضو اللجنة المركزية للنقابة العامة للسكة الحديد والنقل النهري والمرطبات، كان هذا هو اسم النقابة العريقة وهي أقدم نقابة في إفريقيا، ولقد خرج منها بعد الإضراب الأخير في عام (1981م) النقل النهري والمرطبات، كما خرجت من قبل المواني البحرية. لقد كان صلاح الشريف شعلة من الحركة والنشاط والحيوية المتدفقة، وكان متفانياً في خدمة إخوانه عمال السكة حديد، وكان ممثلاً ومندوباً عن قسم الترزية بالسكة الحديد، ما كلفناه بمهمة إلا أداها على أحسن وجه، وكان دوماً باسم الثغر منطلق الوجه حلو المعشر صادق اللهجة، وكان صديقًا عزيزًا لشخصي بل صحبني للقاهرة في عام (1979م) لإجراء عملية إزالة الحصوة وتوسيع الحالب، وكان لي بمثابة الأخ الشقيق وربما أخٍ لم تلده أمك، وكان معاصراً لي في هذه المحنة ولم يفارقني حتى عدنا معاً رغم طلبي له بالعودة لأهله ولإخوته ولكنه كان وفياً، ومن صدق علاقته بي الشخصية عندما ولد له مولود أسماه عباس، وهذه دلالة على تقدير خاص كان يحمله الأخ الكريم الراحل صلاح الدين شريف، وبعد الإضراب الشهير في عهد حكم نميري في عام (1981م) قد غادر إلى المملكة العربية السعودية مغترباً ومكث بها طويلاً وكانت الرسائل بيننا ثم عاد للوطن العزيز الذي أحبه ويحبه مدينة عطبرة العملاقة وأهلها الصادقين رغم أنه دنقلاوي قُح ولكنه من أبناء عطبرة البررة، وكان صادق الانتماء لهذه المدينة الباسلة، وإني أعتبرها موطني الثاني الذي نهلت من خلاله الكثير من العلوم والمعارف على أيدي شيوخ فضلاء وأساتذة أجلاء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ الفكي العوض شيخ القرآن، الشيخ ماهر إسماعيل العالم العلامة، والشيخ ميرغني مختار، والشيخ بابكر عبد اللَّه، والشيخ الطيب ود قرشي، والشيخ جاويش محمد الطيب، والشيخ الطاهر حجر، والأستاذ ونسي محمد خير، والأستاذ حسن فضل اللَّه، والأستاذ الشيخ محمد نور، وانتقال الأخ صلاح شريف ذكرني بثلة كريمة من إخوتنا من أعضاء اللجنة المركزية للنقابة العامة للسكة حديد والنقل النهري الذين انتقلوا للدار الآخرة قبل انتقال صلاح منهم على سبيل المثال: عبد اللَّه البشير الرجل الشجاع والصادق الوفي رغم الإغراءات التي تعرض لها إبان الإضراب الشهير (1981م)، وكان يشغل منصب نائب رئيس النقابة العامة. والأخ الخلوق حسن أحمد متى أمين خزانة النقابة، والأخ سر الختم وراق السكرتير العام، والأخ محمد عثمان الضيف مساعد السكرتير العام، والأخ عبد الرحيم أحمد الحسن، الشاب الودود الذي كان أصغر عضوٍ بالمركزية، والأخ الكريم صادق اللهجة المناضل عبد بيّن، والأخ محمد الحسن عبد الرحمن، الذي يمتاز بالرضا والصبر. انتقال الأخ صلاح شريف أثار في نفسي ذكريات عميقة بأهل عطبرة عامة وورشها العتيقة وعمالها الأوفياء الذين قدموا الكثير والكثير لأهل السودان قاطبة في غير منٍ ولا أذى، عطبرة الصامدة والصابرة على مر الدهور والأيام منذ قيام هيئة شؤون العمال في عام (1947م). وكان قادتها الكرام الكبار سليمان موسى، الطيب حسن الطيب، قاسم أمين. بعد عودة الأخ صلاح شريف إلى السودان زارني بالخرطوم وطافت بنا الذكريات وكان بيني وبينه الهاتف النقال وهو بعطبرة حديثاً ورسائل إلى عهد قريب كان يحادثني، وكذلك ابنه عباس، أكرر وأقول والذي لا إله إلا هو ما علمت بوفاته إلا قبل سويعات، ثم أخذت القلم وسطرت هذه السطور لتكون بمثابة عزاء ومواساة لأبنائه وإخوته وزوجه وأهله عموماً وأصهاره بالزيداب وعصبته بدنقلا وعطبرة، وقد صليت عليه صلاة الغائب وفاء لحقه وأكثرت له من الدعاء وقرأت له القرآن ووهبته إلى روحه الطاهرة إن شاء اللَّه. اللَّه أسأل أن ينزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. (إنا للَّه وإنا إليه راجعون) اللهم اغفر لأخي صلاح الدين أنت غني عن عذابه وهو فقير لرحمتك فارحمه برحمتك الواسعة وأنت أرحم الراحمين. ثم عزائي لأهل عطبرة قاطبة لهذا الفقد الجلل، وأهل عطبرة تربطني بهم علاقات حسية ومعنوية، وكنت إمام وخطيب الجامع الكبير وإمام صلاة العيد العامة بعطبرة إلى أن انتقلت منها إلى الخرطوم في عام (1995م)، لهم مني العزاء في فقيدنا صلاح الدين شريف، ولهم مني الرضاء وصالح الدعاء. اللهم ارحم صلاح الدين شريف } رئيس النقابة العامة لعمال السكة حديد والنقل النهري والمرطبات الأسبق