الشائعه هي الاحاديث والاقوال والروايات والحكاوى التى يتناولها الناس دون التأكد من صحتها ومصادرها وقد يضيفون عليها بعض التفاصيل والزيادات ويتفنون فى تأوليل ذلك ببراعة ودقة حتى لا يدعوا مجالاً للمتلقي او السامع من تصديقها، والشخص الذى يروج للاشاعة يهدف لاثارة الرعب والقلق والخوف فى نفوس افراد المجتمع، وغالبًا ما يكون وراء ذلك علة او مرض او احساس بنقصان.. وتنقسم الاشاعة الى اقسام عديدة فهناك اشاعة الخوف والامل واشاعة الحقد والكراهية والتى يبنى مروجها مقصده على مواقف ومشاحنات شخصية!! واذكر اننا فى الكلية الحربية كنا ننتظر محاضرة هامة من محاضرات الامن الداخلى وكنا نحب تفاصيلها ونرتاح لسعادتو نصر الدين و لطريقته المعهودة فى الحديث والتبيلغ بقاعة باخريبا حيث النوم والتثبيت، وكان البعض يبغض محاضراته لطولها ويتململ البعض رغبةً منهم فى الانصراف، وقبل بداية المحاضرة دخل علينا المقدم آنذاك الامين عبد القادر ووجهه شاحب وقلق ليتحدث بألم وحسرة معلنًا لنا ان هناك معلومات تفيد بأن سعادتو نصرالدين وهو فى طريقه للالحاق بمحاضرتنا حدث له حادث حركة ادى لوفاته المفاجئة وهاج وماج وتعالت الهمهمات والتعليق ممن كانوا بالقاعة فمنهم من فرح لذلك بغرض الانصراف الجبرى الذى ستفرضه الوقائع والاحداث بالفقد الجلل، ومنهم من خاف من الذى سيخلفه فى تدريس المادة فقد يكون اكثر سماجة وغلظة وتطويلاً!!!! وفجأة قطع سعادتو الامين التفكير والهرج واعلن للطلاب بان المعلومة غير مؤكدة لتكون مدخلاً يشرح فيها ببراعة انواع الاشاعة ويكتب فى السبورة اسم المحاضرة بالخط العريض «الاشاعة»، ومنذ ذلك التاريخ رسخ فى زهننا تفاصيل ذلك الدرس الهام واصبحنا نتابع ونحرص على معالجة كل السلبيات التى تلازم تلك العلة تفاديا لخطورة الترويج الذى يضر بالكثيرين، وفى مجتمعنا السودانى نشاهد ونلتمس يوميًا عدة قضايا كان للاشاعة اثر سلبى فى انتشارها، والمجتمع السودانى بطبيعة الحال نجد فيه الارض الصالحة للطابور كما «يقول العساكر»، فالبيئة والفراغ ومجالسة ستات الشاى والقهاوى والضللة وعدم الوعى يجعل لتلك الآفة جوًا خصبًا فى الترويج والانتشار، حتى ان هناك بعض المسؤولين واصحاب المواقع الحساسة لا يتدققون من مصادر الاخبار وبدون اى تريث او ادراك لما يعود على ذلك بالضرر يروجون ويطلقون التصريحات وتنتشر وتتزايد تفاصيلها واقصد بذلك ما حدث ابان المحاولة الانقلابية بقيادة ود إبراهيم، فمن اطلقوا بعض التصريحات للاجهزة الاعلامية الخارجية لم تكن لديهم المرجعية او السند الرسمى لافاداتهم، فقط تلقوا بعض المعلومات من اناس لهم علاقات وارتباط بمواقع السلطة والقرار، ولعل الجميع لاينسى تلك الاسماء اللامعة آنذاك وقد طالها ضرر الشائعات المغرضة ودائمًا ما ينتهى الامر عندنا فى السودان بتراضٍ ومعلشة وطبطيب على الكتوف لتعود نفس الالسن وبما هو اعظم وافدح ضررًا، وحتى فى مجتمعاتنا العادية فقد اصابتنى دهشة وانا اجلس فى بهو ذلك الفندق بوسط الخرطوم وجاورنى بالجلوس مجموعة من الشباب فى اعمار وسطية وبدأوا يتحدثون بصوت عالٍ عما اوردته الصحف بتفاصيل زواج اسطورى شهدته العاصمة الاسبوع الماضى واقسم احد المتحدثين بأن العريس ارسل لأهل عروسته 300 رأس من الخراف فى ستة دفارات وارسل معهم 60 ضباحًا وان العريس اهدى لعروسته «عربة سنتافى كرت» آخر موديل ولأمها برادو واخوانها هواتف جلكسى 4 لكل واحد، وان العريس وزع لخالات وعمات العروس والحضور يوم سد المال 5 ملايين لكل واحدة وما اغاظنى ذلك القسم المغلظ للراوى بأنه صرف شيك المهر لابو العروس من البنك الذى يعمل فيه موظفًا واقسم ان الشيك بمبلغ 500 مليون جنيه بالقديم مهرًا لها!!! وفى تلك اللحظة لم اتمالك نفسى من الغيظ والغضب ووجدت نفسى بدون اى مقدمات اعتدل فى المواجهة واخاطبهم بنفس حار، يا شباب خافوا الله البنت دى بنت اختى!! وما تتحدثون عنه غير صحيح وفعلاً ان العروس فى الحساب هى ابنة اختى ووالدها ابن عمنا، وما اذيع عن تلك الزيجة لم يكن صحيحًا والشائعات التى اطلقها البعض غير مكتملة الاركان، نعم ان العريس من اسرة معروفة وذو سعة فى المال والرزق واستند فى ما قدم على «فأما بنعمة ربك فحدث» وما قام به العريس بكرى واخوانه لم يكن كما روج له من شائعات فالاسرة كبيرة وتفاصيلها ممتدة فى مناطق شندى والعالياب ومعارفهم الرسمية وارتباطهم بفئة معينة من تجار ذلك الصنف المثمر حتم عليهم مقابلة تلك الجموع التى شاهدتها بذلك الكرم وهذا الصرف، اما ما تم تداوله من تفاصيل سخيفة فأنا اتحدث بصدق عن ان المروج له زيد وبالغ الناس فيه وتضرر منه البعض، فالمتحدثون قال احدهم بحرقة «والله ديل كرهونا العرس»، وهناك من وصل لحد اليأس فى ولوج ذلك العالم الجميل، وانا اعتقد ان الشائعات وطريقه تداولها فى السودان كما حدث فى تلك الزيجة له مدلول على ان الناس تعيش حالة من عدم التوازن الفكري، فإن قدرنا ان احدهم اقسم زورًا وبهتانًا بأن العريس ارسل هذا العدد الغريب من الخراف فكيف للمتلقى ان يصدق عدم المنطق فى ذلك، فليفكر بعقل كل من يقرأ مقالى هذا.. تخيل معى منظر 6 دفارات وبداخلها 300 رأس وحتى منظر الضباحين ال«60»!!! ألا نجد غرابة فى ذلك، فيجب علينا ان نتوخى الصدق وألا نجاري تلك الشائعات وتلك الحكاوى والقصص غير الواقعية فما يروج له يمحق البركة ويتضرر منه اصحاب النعم بالحسد والبغضاء والكراهية التى تزرعها الفوارق والاحساس بالدونية عند البعض، وقد ندب الاسلام الى الصدق وحذر من الكذب وثبت عن ابن مسعود رضى الله عنه ان رسول الله «ص» قال: «ان الصدق يهدى الى البر، والبر يهدى الى الجنة وان الفجور يهدى الى النار»، والشائعات من اخطر انواع الكذب الذى يستخدمه اعداؤنا لتدمير كل القيم والمورثات والثروات وما حدث لمصنع الشفاء من ضرر بسبب تلك الشائعات ليس ببعيد فقد اشيع عنه ما لم يكن فى البال حتى طالته يد المعتدي بدمار شامل، وأؤكد اننى قريب من تلك الاسرة التى تتحدث الشائعات عن اسطورية ما تم فأقول بتجرد ان العريس واهل العروس من اميز الاسر واكثرها قربًا من الدين والقيم وما اشيع وانتشر لم يكن دقيقًا وانا اعتبره نوعًا من انواع الشائعات المبالغ فيها، فالعريس صاحب مال ونعم كثيرة ولا يد حكومية فى الذى صرف او قدم، والارقام التى روج لها كانت مبالغًا فيها لحد الغباء، واحذر ان من اطلاق الشائعات فهى فعل من لا اخلاق له رغم انها من الافات المجتمعية القديمة وابرزها شائعة اهل مكة لما هاجر المسلمون الى الحبشة وشائعة مقتل النبى يوم احد وشائعة الافك المشهورة، فتلك مضار وسلبيات الشائعات وآثارها السلبية التى يترتب عليها من ضرر معنوي ونفسي للفرد والمجتمع، وهذا ما ذهبت اليه فى حديثى بمداولات هؤلاء الشباب فى ما تمت اضافته من مبالغات فى تلك الزيجة واحساسهم بأن مواكبة الواقع قد تكون شبه مستحيلة لمثل الذى اشيع وانتشر بسبب تلك الشائعات المغرضة وقد نهى رسولنا الكريم «ص» عن القيل والقال وذكر ان الذى يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبيت ولا تدبير ولا تبين فهو آثم.