الأزهري أبو الوطنية وشيخ السبع رئاسات: والبلاد تستشرف الذكرى الثامنة والخمسين للاستقلال الحقيقي والذي حاولت بعض الأقلام أن تلقي عليه بعض الظلال محاولة أن تضعف من قدرات قياداته وما جابهوه في سبيل الوصول إليه وما اتخذوه من مواقف وأساليب ضد المستعمر الذي حاول تطويق الحركة الوطنية ومضايقة القيادات الوطنية من المثقفين والعمال والمزارعين ودور الأندية الرياضية والثقافية مستغلين المناسبات القومية والدينية كليالي المولد وذكرى العام الهجري والذي لا شك فيه أن الاستقلال والذي كان ولا يزال وسيظل هو العيد القومي الأول والأكبر وهو يوم انعتاق الشعب السوداني من قبضة المستعمر ونيله للحريات وبداية الحكم الوطني، فبالرغم من أن بدايات العمل لهذا الاستقلال مرت عبر مسيرة جابهتها كثير من المواقف المتباينة والأساليب المختلفة إلا أنها كانت تنصب في هدف واحد، ومن هنا كانت بعض التجمعات والتي ظهرت تتنافس لجمع القواعد حولها لتقوية شوكتها وبروزها وسط المجتمعات التي كانت تتلقف آنذاك حركة المثقفين وأخبارهم وظهرت جماعة أبروف ومنهم حسن وحسين الكد وإبراهيم يوسف سليمان وخضر حمد وغيرهم، وجماعة الهاشماب منهم أحمد يوسف هاشم ومحمد أحمد المحجوب ود. عبد الحليم محمد كأبرز حركات تجمع المثقفين، وكانت جماعة الأشقاء منهم أحمد محمد يس والشيخ علي عبد الرحمن ويحيى الفضلي وإمام المحسي وبابكر قباني وآخرون، انضم إليهم أخيراً إسماعيل الأزهري الذي اختاروه رئيساً لهم يعملون من داخل الأندية الرياضية والثقافية والاجتماعية إلى أن جاءت فكرة مؤتمر الخريجين ودخلت الجماعات في تنافس، وهنا لا بد أن نشير إلى حقيقة تاريخية وهي إن كان للطائفية دور كبير في دعم ومساندة حركة التحرر الوطني والوقوف خلف الهدف المنشود بقوة وكان لدعم مولانا السيد علي الميرغني لجماعة الختمية بقيادة شيخ الفيل والأشقاء بالشورى ومنبر صحيفته صوت السودان، كما وقف السيد عبد الرحمن المهدي خلف جماعة شوقي ومنبر جريدة النيل وكان الشريف يوسف الهندي الذي وضع منزله بأم درمان تحت تصرف الخريجين وأصبح فيما بعد دارًا للخريجين حتى يومنا هذا، وكانت هناك جماعة المستقلين فاتسمت تلك الفترة بحركة وطنية متباينة ولكن تعمل لهدف واحد، وفي ذلك الخضم لمعت أسماء لقيادات محنكة تعمل لتحقيق هدف الاستقلال داخل المجموعات المختلفة فمثلاً من الاتحاديين الزعيم إسماعيل الأزهري والشيخ علي عبد الرحمن والأستاذ مبارك زروق والسيد يحيى الفضلي والسيد حسن عوض الله وآخرون، ومن الأمة السيد الصديق عبد الرحمن المهدي والأمير عبد الله عبد الرحمن نقد الله والسيد أمين التوم ومحمد الخليفة شريف وآخرون، ومحمد نور الدين من الوحدويين، ومن الجبهة المعادية للاستعمار حسن الطاهر زروق وآخرون. وإذا رجعنا قليلاً إلى ما قبل هذه الفترة وهي بالتحديد الثلاثينيات نجد أن صور المواجهة بدأت علنًا بثورة 1924م وأعقبها إضراب طلاب كلية غردون التذكارية سنة 1931م ثم إضراب عمال شركة النور سنة 1936م ثم إضراب عمال سكك حديد السودان سنة 1947م والذي استمر لمدة «33» يوماً وآخر تلك المجابهات والوقوف بقوة بالمظاهرات والاحتجاجات ضد المجلس الاستشاري والجمعية التشريعية والتي حاول المستعمر أن يدعو التيارات الوطنية للمشاركة فيها محاولة منة في تخفيف حدة المقاومة الوطنية بالمطالبة بنيل الحرية والتحرر من قبضته والاستقلال. وهنا برزت شخصية الزعيم إسماعيل الأزهري بدهائه وحنكته وقوة شخصيته في القيادة والتفاوض وإدارة الاجتماعات وجرأته في المخاطبة إضافة إلى الثقة التي كان ينالها من مناوئيه قبل أنصاره الشيء الذي أهله أن يكون في قيادة كل تجمعات وفعاليات العمل الوطني آنذاك برئاسة وفد الاتفاقية ومروراً برئاسة الأشقاء ثم مؤتمر الخريجين فرئاسة الوطني الاتحادي ثم مجلس الوزراء وبعد ذلك الاتحادي الديمقراطي وأخيراً مجلس السيادة حتى قيام مايو، فبهذه الرئاسات السبع كان لزاماً أن نطلق عليه بعد ذلك كلمة أبو الوطنية. مما تقدم سرده للأحداث والمواقف التي اكتظت بها الساحة السياسية من كل الفعاليات كان لا بد من وجود قائد ملهم مسلح بالعلم وقوة الشخصية تلتف حوله القيادات الواعية وتؤيده الجماهير المتعطشة لنيل الحرية، فكان الأزهري بإجماع غالبية الشعب السوداني بقياداته ولا شك أنه اختيار صادف أهله وكان عند حسن ظن الجماهير واستطاع بهم أن يحوز على الأغلبية البرلمانية مما أكسبه مزيداً من الثقة مكَّنته من اتخاذ قرار إعلان الاستقلال التام من داخل البرلمان في الجلسة المشهورة في 19/12/1955م، ليتعانق النواب في القاعة داخل البرلمان وتخرج جماهير الشعب السوداني في مواكب ومظاهرات صاخبة داخل العاصمة وفي الأقاليم واكتملت الفرحة في 1/1/1956م حينما اصطحب السيد محمد أحمد المحجوب من الطرف الآخر لإنزال العلم البريطاني المصري ورفع علم السودان في القصر الجمهوري مؤكداً وحدة وطهارة وتوجه أشواق الشعب السوداني بكل قياداته للاستقلال والحرية بين صيحات الجماهير والدموع تذرف والهتافات المدوِّية «عاش السودان حراً مستقلاً». الأزهري في سطور: وُلد إسماعيل الأزهري بمدينة أم درمان في عام 1900م وتلقى تعليمه الأولي بها ثم التحق بكلية غردون قسم المعلمين وتخرج فيها في عام 1921م ليعمل بالتدريس وكانت أولى محطات عمله مدينة عطبرة المدرسة الأولية وفي عام 1924م رجع وعمل مدرساً بمدرسة أم درمان الوسطى، وفي هذه الفترة كان عضوًا في نادي الخريجين مهتماً بالثقافة والأدب وخلق صلات وعلاقات واسعة حتى عام «1927م» حين تم اختياره للسفر للجامعة الأمريكية ببيروت لتلقي دراسات عليا وقضى ثلاث سنوات نال بعدها درجة البكالريوس في الأدب ليعود عام «1930م» ليعمل مدرساً للرياضيات، وظل يعمل بها مهتماً بالأنشطة الثقافية والأدبية داخل وخارج الكلية بعيداً عن السياسة وامتد نشاطه إلى داخل نادي الخريجين وبرز نشاطه بصورة أهلته لأن يتولى منصب سكرتير النادي عام 1931م مما أخذ جزءاً من وقته وانشغل بالعمل العام والثقافي مما لفت نظر المسؤولين بالكلية بأنه رغم كفاءته ومواظبته بالعمل كمدرس إلا أن انشغاله بالعمل داخل النادي أزعج القائمين عبأمر إدارة الكلية، وفطن الأزهري لذلك. وفي عام 1943م قبل أن تُتخذ معه أي إجراءات قام بتقديم استقالته من الكلية والتفرغ للعمل بالسياسة مع المثقفين من داخل مؤتمر الخريجين. ينتمي الأزهرى إلى أسرة عريقة وكبيرة معروفة في مدينة أم درمان وهو من أحفاد السيد إسماعيل الولي مؤسس الطريقة الإسماعيلية والمتفرعة من الطريقة الختمية، وأخذ جده الطريقة من السيد محمد عثمان الأكبر، وتنتمي أسرة الأزهري بذلك إلى الطريقة الختمية، إلا أن الحقيقة التي لا يعرفها الكثيرون أن إسماعيل الأزهري لم يكن ختميًا بل التقى بمولانا علي الميرغني لمصلحة البلاد وقوة التأثير للطريقة الختمية بقوة قياداتها وجماهيرها. بقي بعد ذلك كله أن نترحم على كل القيادات الوطنية التي أسهمت في مسيرة الاستقلال، ونسأل الله أن يديم الصحة والعافية لمن بقي على قيد الحياة. وهنا لا بد أن نسأل لماذا لا تهتم الحكومات المتعاقبة وخاصة العسكرية بعظمة وجلال الاستقلال كما ينبغي بتخليد ذكرى صُناعه لتمجيد أدوارهم النبيلة وكفاحهم الطويل وتضحياتهم الجسام ودعم الذين عاشوا في أواسط الجماهير في منازل متواضعة في الأحياء الشعبية؟ عاشت ذكرى الاستقلال وعاش السودان موحداً مستقلاً بجهد وتضحيات رجاله الأوفياء.