بالرغم من أن دول الإيقاد التي ألزمت مجموعات الدكتور رياك مشار قائد التمرد في جوبا وزعيمه السياسي بإيقاف إطلاق النار وتوعدته بالمحاسبة إذا لم ينصع لتوجيهات دول شرق ووسط إفريقيا، إلا أن الرئيس اليوغندي يوري موسفيني قد أطلق تصريحات تهديدية للمتمرد مشار، وكأنما دولة جنوب السودان واحد من الأقاليم اليوغندية.. أو كأن جنوب السودان يربطها اتحاد كونفدرالي بكمبالا التي طالما دعمت التمرد بقيادة قرنق ضد جارتها الخرطوم، والآن تفعل العكس حيث تدعم الحكومة في جوبا ضد المتمردين عليها. إن مهلة دول الإيقاد انتهت يوم أمس الأول، وإذا كان مشار قد وسعه أن يستجيب لنداء دول المنطقة، فمن المفترض أن يكون قد فاء إلى توجيهاتها منذ يوم أمس، لكن إذا خرجت وسائل الإعلام بأخبار تحمل تعنته وعدم استجابته سواء كرد فعل للتهديد اليوغندي أو لحسابات يراها تجد مجالاً دولياً دون المساس من دول الإيقاد، فإن هذا يعني مزيداً من معاناة المواطنين. ورغم أن القوى الدولية ممثلة في الولاياتالمتحدةالأمريكية تبقى هي مربط الفرس في إجراءات رفع المعاناة من الشعب الجنوبي وإعادة الاستقرار السياسي إلى المربع الأول وإن كان أيضاً سيئاً لكنه أقل سوءً، إلا أنها لم تطلق حتى الآن بوادر تدخل «حميد» كما يحلو للصادق المهدي وصفه. وربما هذا يعود للعادة السياسية الأمريكية، فواشنطن إذا آنست في نفسها القدرة على إيقاف أوضاع أمنية كارثية لا تتدخل سريعاً بل تتأخر بعد «خراب سوبا شرق».. وكأنها تحسد الشعوب على أبسط النعمات. وقد حدث منها هذا في رواندا والبوسنة والهرسك وكوسوفو والآن يحدث منها في سوريا. وكأنها تريد أن تنقذ فقط ربع الشعب السوري الذي سيكون أغلبه حينذاك من الطائفة العلوية التي يحمي مصالحها الآن نظام حزب البعث العربي الاشتراكي. إن واشنطن تريد أن تحاكم فقط، هذا ما يهمها لأنه تتولد منه الضغوط باتجاه جلب ونهب المصالح للدولة الأمريكية على أرض الهنود الحمر والدولة اليهودية على أرض العرب الفلسطينيين. ولكن المواطن في دول مطامعها ليس هو محور الاهتمام. وهذا تفهمه الحركة الشعبية جيداً، لكن «مشار» حتى أبناء قبيلته ليسوا همّه، لأنه يعرّضهم الآن للبطش سواء المحلي بواسطة الجيش الشعبي أو اليوغندي السابق والقادم. أما يوغندا فهي الآن تتعرّى تماماً من الثياب الشفافة التي كانت تغطي بها مطامعها وأهدافها في الجنوب، وهي فكرة مشروع اختمرت في ذهن يوري موسفيني منذ أن تسلم السلطة. لقد وعده قرنق بانفصال جنوب السودان واتباعه للمحور اليوغندي في المنطقة، وبعد استخراج البترول الذي تولد من رحمه توأمان مختلفان هما «إيقاف الحرب» و«انفصال الجنوب» كان التحمّس اليوغندي لجلوس قرنق للتفاوض، لكن المرة الأخيرة كانت في نيروبي. ويوغندا تحتل منطقة قولو التابعة لدولة جنوب السودان، وقد كانت محتلة من قبل لعقود، وهي منطقة سودانية. وقد كفى الله الخرطوم القتال لاستردادها هي ومعها مثلث أليمي الذي تحتله كينيا. ويحمي احتلال هذين المنطقتين الآن دعم كمبالا لسفا كير قبل وبعد التطورات الأخيرة والغزل الكيني لجوبا بإمكانية تصدير النفط عبر الميناء الكيني. ثم إن الرئيس اليوغندي يسوؤه جداً أن تستفيد الخرطوم من أية تطورات تحول دون دعم متمردي الجبهة الثورية، ولو كان هذا الرجل يحكم إفريقيا الوسطى لاستعاضت بها الجبهة الثورية عن جنوب السودان بعد تمرد الجيش الشعبي على الجيش الشعبي. ولم تكن تصريحات موسفيني من اللياقة في شيء، فهي من شأنها أن تضر بعلاقة بلاده لاحقاً مع جوبا، وقد تأتي المفاجآت التي أتت من قبل وغيرت الخريطة السياسية والنهج الدبلوماسي للجنوب بعد وفاة قرنق. وإذا كان قرنق قد مات وهو قادم من ضيافة موسفيني نفسه، فقد تجد «كريت» من «القرض» ما فعلته فيه، والمثل السوداني يقول: «التسوي كريت في القرض تلقى في جلدها». موسفيني عدو للسودان من خلال سلوكه الذي تتعامل به بلاده مع المتمردين.. فهل حرصه على سلفا كير الآن من باب كونه عدواً للسودان؟!