كثفت الخرطوم على غير العادة هذه المرة من تحركاتها الفاضحة للمواقف العدائية غير المخفية ليوغندا ضد السودان، و شكل احتضانها للمجموعات المسلحة و الفصائل المعارضة الموقعة على وثيقة الفجر الجديد أحد أبرز الأجندة و الملفات التى تناولها كبار المسؤولين فى الدولة فى كل تحركاتهم و لقاءاتهم, بل و مشاركاتهم فى المؤتمرات فى الآونة الأخيرة و عضدت الخرطوم امتعاضها الرسمي من التدخلات اليوغندية فى الشأن الداخلى للسودان بالدفع بجملة من الشكاوى الفاضحة للمسعى اليوغندي لعدد من المنظمات و التجمعات التي يشكل السودان حضورا مميزا فيها، كالاتحاد الافريقى ،الاممالمتحدة و منظمة المؤتمر الإسلامي .لكن المتتبع لمسلسل هبوط و صعود التوترات بين الخرطوم و كمبالا يمكنه أن يؤكد بما لا يدع مجالا للشك من أن العداء وتبادل الاتهمات بين البلدين يعد قديما و منذ فترة طويلة. و قد أشارت بعض المعلومات الموثقة الى أن يوغندا قد لعبت دورا فاعلا فى تقديم أوائل قيادات حركات التمرد الجنوبية و تعريفهم بالكيان الصهيوني وعلى رأسهم جوزيف لاقو . عداء تاريخي : مراقبون يرجعون الموقف اليوغندى الحالى تجاه الخرطوم، إلى عوامل تاريخية ارتبطت ببدايات بروز تمرد جيش الرب بقيادة جوزيف كوني فى شمال يوغندا، خصوصاً فى مرحلته الثانية بعد فشل عملية السلام اليوغندي/ اليوغندي، وتجدد الصراع فى العام 1994م، وسعي الحكومة فى السودان لتوظيف التمرد باستضافته فى 6 فبراير 1994م ، مقابل العمل معاً على استهداف مقاتلي الحركة الشعبية إبان حرب الجنوب.. من جانبها، الخرطوم في حقبة التسعينات لم تخف دعمها للتمرد اليوغندي على نظام يوري موسفيني ، وأعلنت أن الدعم السوداني رد على الدعم اليوغندي للمتمردين فى جيش الحركة الشعبية، ليبلغ واقع العداء العسكري حد اعتراف وزير الدفاع اليوغندي بحسب تقارير نشرت عام 2003م، بأن جيشه كاد يحتل جوبا بعد توغله عام 1997 بالجنوب حتى 39 كيلومتراً خارج جوبا.. تركة العداء المتبادل تلك، تم ترحيلها فى سيناريو العاصمتين الى العداء السياسي السافر، وبلغ ذروته فى أبريل الماضي إبان أزمة هجليج العام الماضى ، فبادرت يوغندا بإعلانها الوقوف الى جانب جوبا حال دخلت فى حرب مع الخرطوم، وقبل ذلك كانت الإثارة فى أن كمبالا ظلت الدولة الأفريقية الوحيدة المؤيدة لقرار الجنائية والداعمة بشكل أكبر لانفصال جنوب السودان.. وتحليلات الخرطوم وتفسيراتها لعداء كمبالا السافر وترحيبها فى وقت سابق بما يضر السودان واستمرار دعمها للخارجين على حكم الإنقاذ، لم تخرج عن أن ثمة مطامع إقليمية ليوغندا فى الجنوب، وأن الخرطوم كانت تقف حجر عثرة فى طريق تمريرها، وأن الانفصال كان خطاً يوغندياً استراتيجياً لجهة أن الجنوب الوليد لن يصمد أمام تكتيكات التذويب والضم والاحتواء اليوغندية.. والفرضية وجدت حظها من التسيد برغم ما يحيط بها من مفهوم وصاية، إلا أن فرضيات اخرى تذهب الى أن ثمة مصالح أجنبية تعد المحرك الأول والأكبر للعلاقة بين الخرطوم وكمبالا، لجهة ما أثاره وصول الإسلاميين فى المنطقة من توتر لدى العديد من الدوائر الغربية بحسب الاسلاميين أنفسهم ، وأن يوغندا تقوم بالوكالة بمحاولة تقويض اركان الخرطوم الإسلامية منعاً لتصدير النموذج، وهو الأمر الذى يؤكده بروفيسور حسن مكي فى حديث سابق ل(الرأي العام) بقوله(العديد من القيادات والرموز فى منطقة البحيرات وصلت للسلطة فى أوقات متقاربة، تربت فى أحضان النموذج الغربى عامة والامريكي خاصةً، ما يجعل قيم الولاء تتجه لأمريكا بأكثر من مصالح دولهم أو جيرانهم، وظلوا بمثابة أداة طيعة لتمرير استراتيجيات واشنطون فى القارة) ، ويذهب البروفيسور الى ان موقف يوغندا من دعم الحركة سابقاً وحالياً يرتبط لحد كبير بالعلاقة الشخصية بين جون قرنق وبين موسفيني قبل أن تتدخل العوامل الأخرى. تحليلات الخبراء:. مكي وطبقاً لدراسات سابقة انتجها حول الامر، أشار الى أن الازمات الحقيقية بدأت بشكل مكتوم بين العاصمتين منذ طلب موسفيني من الإدارة الأميركية إنشاء منطقة عازلة بين السودان ويوغندا، الامر الذى فسرته الخرطوم كمخطط يوغندي لدعم إنشاء دولة في جنوب السودان منذ وقت مبكر، بيد أن الراجح أن يوغندا تنظر لجوبا فى الحد الادنى حالياً وبحسب الكثير من الاقتصاديين والسياسيين والمهتمين كسوق كبير يعد نوعياً وكمياً أفضل من دول أخرى أكثر تخلفاً تجاور يوغندا، ويدللون على ذلك بكثافة الوجود التجاري اليوغندي برغم باهظية الضرائب وعدم استقرار المجتمع.. عامل آخر كشف عنه عضو مجلس التحرير الثوري بحركة التحرير والعدالة د. عبد الناصر سلم لدى إقامته بكمبالا فى وقت سابق قبل توقيع الدوحة ، تمثل فى أن مسؤول محاربة الارهاب فى القارة الإفريقية المعتمد من قبل الإدارة الامريكية هو موسفينى نفسه، الذي يعمل على المضى قدماً فى حياته السياسية بدعم مباشر من واشنطون وقال( حرص موسفينى على تمثيل وتبني مصالح واشنطون فى القارة قاد كمبالا لخلافات مع كل دول المنطقة وعلى رأسها السودان) ،وأضاف(طيلة فترة اقامتنا كانت البدهيات أن الاقتصاد اليوغندي يعتمد على الجنوب سواء كان دولة أو إقليماً).. عموماً وثيقة الفجر الجديد ، بدت كشرارة اشعلت كل غضب الخرطوم وأعادت انتاج المواقف السلبية القديمة لكمبالا تجاه السودان، وشحذت همم المفوهين لتوصيف تصرفها فى استضافة الاجتماع، وأعتبر خبير أمني و عسكري أن الدور اليوغندي غير مرتبط بأي حالة سودانية سواء كانت عدائية أو سلمية تجاهها أن بل مرتبطة بأجندة قديمة متجددة. وقال الخبير فى حديثه ل(الرأي العام): (الصراع فى أصله بمحفزات اسرائيلية لإكمال مشروع قديم هو مشروع الحزام الكنسي المرسوم من اسرائيل بقيادة نيريري وضم تنزانيا ويوغندا وأريتريا وإثيوبيا وجنوب السودان وكينيا واصطدم بعقبتين أساسيتين، وجود جنوب السودان وأريتريا ضمن دول اخرى، إضافة لوجود عيدى أمين المسلم فى يوغندا، ليغزو نيريري يوغندا لإسقاط نظام أمين، وانتظرت إسرئيل كل تلك المدة لاكمال مشروعها بوجود دولتى اريتريا والجنوب). ورهن الخبير إغلاق ملف يوغندا وقطع الطريق على استهداف الخرطوم بحسم كل القضايا العالقة مع الجنوب ، لجهة أن الجنوب بشكل غير مباشر تحت الحماية الأمريكية ومشروعات ضغط الخرطوم أمريكية بالتالى الوصول لحلول سريعة مع الجنوب سيقلل من الضغوط الامريكية ويفتح الباب لإعادة العلاقات بين واشنطون والخرطوم ، ما يعني رفع اليد اليوغندية عن استهداف الخرطوم .اذاً تحركات المسئولين فى الحكومة المشفوعة بجملة شكاوى ضد الحكومة اليوغندية بشأن السلوك العدائي غير المرغوب و غير المنتهي من قبل كمبالا تجاه الخرطوم، لن يحقق المرتجى منه و إنما يبقى الأصل في تحسن العلاقات بين البلدين و تجاوزها مرحلة العداء و الاتهامات المتكررة، رهيناً بتسوية شاملة للملفات العالقة بين الخرطوموجوبا, و في حد ذاتها تشكل حاليا أحد أبرز القضايا الأساسية التي تقلق مضاجع الحكومة و تحظى بالأولوية فى ايجاد التسوية السريعة و الحاسمة لها ، و بالتالي إغلاق الطريق أمام منافذ كمبالا للخرطوم .