إن الذى تحدثه نفسه بارتياد ساحات السياسة، عليه أن يكون جاهزاً، والجاهزية تقتضي التضحية والموقف الثابت والرأي مهما كانت التبعات. وسياسو الزمان الماضي، كانوا يعتقدون أن السياسة في السودان هي من قبيل اللعب على الحبال، وتبني أفكار المكر والدهاء، وأخذ المال حتى من الشيطان. ولقد عرف التاريخ السياسي السودان، أنظمة ارتمت بكاملها في أحضان دول واتبعت أفكار أمة وفلاسفة ليسوا على دين وعقيدة مودة لله، فكان واقع تلك الأنظمة واقعاً مصادماً للاتجاه العام والمزاج الشعبي، فحدثت لتلك الأنظمة النتائج الخاسرة والمصائر التى حكمت بزاولها، وإرسال اللعنات عليها إلى أن تحولت إلى غيب بعد عيب وتاريخ لم تحفظ حتى ملفاته، لكنها حرقت بنيران الغاضبين، وثورات الناقمين. ومازالت لدينا في الساحة السياسية، بقايا من ذلك النمط القديم، خاصة الذين تعشعش في أمخاخهم الأفكار القديمة بضرورة طلب التمويل من الأجانب والسفارات، لتغيير الواقع الذى عجزوا عن مواجهته بالرأي السديد، والفكر الأصيل، وسرحوا بخيال مريض أغراهم بأن التغيير لا يتم الإ بقبض الأموال والاستقواء بالغريب على القريب، وهؤلاء لا يعلمون أن العمالة والارتزاق واللجوء للسفارات والمنظمات، ستبقى عورة غليظة، وسقطة أخلاقية تتنافى مع أخلاق السياسة والرشد في الحال الراهن، حسب قواعد العلوم والمعارف التي نشأ على معرفة أصولها هذا الجيل الجديد. والخور في العمل السياسي يحيل الشخصيات السياسية إلى واجهات للتندر، ومسرحيات تكشف أن الذي يتبنى فكرة سياسية ولا يجرؤ على المدافعة عنها والاستبسال في سبيلها، كالذى يعرض البضاعة الكاسدة في سوق لا يكتب الرواج فيه الإ للنوعيات الجيدة، والخامات المعروفة من قبل الكافة بالجودة والمتانة، لا التي تتمزق وتتُلف من أول محاولة للاستعمال وتجربة الاستهلاك. والضعفاء في هذا الزمان ،لا يستطيعون أقناع أحد باتباعهم، ذلك لأن العصر أصبح عصراً، يلزم بأن تكون الفكرة قوية، والشخصية التى تدعو لها هي كذلك قوية من حيث التاريخ والسيرة الذاتية، لأن الذى لا إرث له لا يمكن أن يكون له حاضرٌ أو يكتب لحياته مستقبل، مادام يقف على أرضية هشة منذ أن بدأ ممارسة السياسة في زمان كان فيه بالإمكان أن يلعب على الذقون ويتم التسلق على الرقاب والجدران، كما تفعل الضفادع ويدب القمل وتهرول الجرذان. والخور في مجال العمل السياسي، قد كشفت الأيام أنه أصبح يتخذ من السفارات والمنظمات ستاراً يتخفى وراءه، وهو قمة السقوط الأخلاقى الذي سيصبح مسرحية سيضحك عليها كثيراً المشاهدون.