استميحكم عذراً إذ أنني سأعرج على موضوع ظل يشغل هاتفي طيلة الأيام الماضية. لقد تحدثت في محاضرة عن أثر الدخان المنبعث من عوادم السيارات وذكرت عرضاً موضوع دخان الطلح الذي ارتبط عند البعض بذهنية معينة فيما يبدو، إذ أنهم أمطروني باستفهامات وتساؤلات عما ذكرته عن قصيدة الشاعر محمد ود الرضي «الطابق البوخة » وأود أن أوضح تفسيري ل «نام من الدوخة». فأنا عندي موقف علمي من ذلك النوع الذي عناه الشاعر العبقري وهو يصفه بأنه «نام من الدوخة.. وإيدو عاقباهو» وطبعاً سينام من الدوخة حتى إنه لا يدري أين وضع يده. لأنه «طبق البوخة» وهذا يعني أنه قد استنشق من الدخان مرتين كمية من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي ذاب في سوائل الرئة وتحول إلي حامض الكربونيك CARBONIC ACID وهذا ينتقل مع الدم فيصل إلى المخ ويقلل من كمية الأكسجين فيصاب الشخص بالدوخة وفي هذه الحالة هو لا يدري أين وضع يده فربما تكون «عاقباهو». وتلك حالة أشار لها الشاعر في قصيدته التي أصبحت «رمية» تتقدم أغنية الحقيبة. والشاعر طبعاً لا يدري سبب تلك الدوخة ويظنها عافية و«نصاح».. عكس القصيدة التي يصف بها بنتاً صغيرة خرجت عليهم تنادي ذات يوم والشعراء مجتمعون فرجعت إلى داخل المنزل خجلى بينما «تبوم» الشعراء أمثال العبادي وعبيد عبد الرحمن وأبو صلاح والعمرابي وسيد عبد العزيز ووجموا وهنا قال ود الرضي: نادت ونادي قلوبنا صاح واتبكم الناس الفصاح الجن نصح وجنو النصاح الجاهلة مي جاهلة نصاح إذاً أقول إنني عندما ذكرت ما يسببه الدخان من دوخة كنت على حق وإن رجال الإطفاء في الدفاع المدني يعرفون أن بعضهم قد يلاقي حتفه من مجرد استنشاق كمية كبيرة من الدخان دون أن يكون قد أحرقته النيران. إن أقل مشوار من مشاوير الضياع والتبعثر والاختناقات في مدينة الخرطوم لا يقل عن ساعة كاملة، فتصور أنت في خلال هذه الساعة كم تستنشق من دخان مخلوط بأبخرة كثير منها سام. ولهذا عندما يصل الناس إلى منازلهم يقعون من الإعياء ويصابون بفتور منهك. بعضهم يعزو ذلك إلى ضغط الدم والسكري ولكن الواقع يقول إن معظم ذلك الإنهاك هو من الدخاخين التي يستنشقها الفرد منا يومياً من حركة المرور. إن لتلك الدخاخين مقادير تراكمية إلى أن تصل إلى الحجم الذي تسبب فيه فشلاً كلوياً أو تحفز خلايا سرطانية وقاكم الله. ولهذا أشرت في مقالات سابقة إنه ينبغي أن يزود رجال المرور بكمامات وهم وقوف يمررون «الحركة» ويضبطون انسيابها لأنهم أكثر الناس تعرضاً لذلك التلوث كما يجب على إدارتهم أن تخضعهم لكشف طبي شهري على صدورهم حتى تقيهم مبكراً شرور الإصابات في الصدر بأمراض التنفس. وقبل سنوات استجابت إدارة المرور على أيام الدكتور اللواء الطيب عبدالجليل إلا أنها توقفت عن ذلك هذه الأيام ولا أدري لماذا. أما دخان الطلح فأرجو أن تخفف منه أخواتنا وألا يزدن معدل المحلبية فذلك أقوم لهن وأطيب.