استمتعتُ خلال الأسبوع الماضي بقراءة كتاب أوديسا التعددية الثقافية، (سبر السياسات الدولية الجديدة في التنوع )، وهو من إصدارات سلسلة عالم المعرفة، تأليف عالم الاجتماع والفيلسوف الكندي ويل كيمليكا، قام بترجمته إلى اللغة العربية الدكتور إمام عبد الفتاح إمام. يحتوي الكتاب ستة فصول وهي (إعادة تدويل علاقة الدولة بالأقليات، السياق الدولي المتغير من حقوق الإنسان الشاملة فيما بعد الحرب إلى حقوق الأقليات بعد الحرب الباردة، فحوى التعددية الثقافية الليبرالية، أشكال التعددية الثقافية الليبرالية، أصول التعددية الثقافية الليبرالية الصادر والشروط المسبقة، وتقييم التعددية الثقافية الليبرالية من الناحية العلمية) ويقع في مأتين وواحد وثمانين ورقةً من الحجم المتوسط. ويقول مترجم الكتاب إن الكتاب من الكتب النادرة، نسبة لقِلة الكُتب المترجمة إلى العربية، ولحداثة الموضوع الذي تطرق إليه، وهو التعددية الثقافية وحقوق الأقليات. ناقش الكتاب بأسلوب شائق، ودِقة علمِيّة قضية حقوق الأقليات في الدول الغربية، من منظور ثقافي، وليس سياسي، سواء كانت أقليات أصلية في موطنها أو مهاجرة من دول أخرى. ويقول الدكتور إمام إن الكتاب، وعلى الرغم من أنه يتناول حقوق الأقليات في الدول الغربية، إلا أنه لا غني للقارئ العربي منه، والتدبر فيما قدمه من معلومات، ومفاهيم ثرة ومفيدة، وذلك لتشابه القضية في كل قارات العالم الست، ويقول العالم الجليل والباحث ويل كيمليكا إن قراءات كثيرة في الواقع الاجتماعي لدول القارات، دعته إلى تأليف هذا الكتاب، منها التقرير الذي أعدته اليونسكو بشأن الواقع اللغوي في العالم، حيث إنه يوجد في عالمنا الراهن نحو ست آلاف لغة، غير أن المفارقة الغريبة أن نحو «96%» من سكان العالم يتحدثون «4%» فقط من تلك الآلآف الستة من اللغات، وهذا يعني أن مئات من هذه اللغات آخذة في الانقراض، ويعتقد ستيوارت مل (18061873) وهو من أعظم فلاسفة السياسة في القرن التاسع عشر (أن المجموعات الثقافية الصغيرة سوف تتخلى عن ثقافاتها الموروثة، لكي تنضم إلى ثقافة الأمم الأقوى). واعتمد الكِتاب على تعريف الثقافة الشامل، الذي عرّفه سير أدوارد تايلور (1832 1917) في كتابه (بدائية الثقافة)، الذي يشير فيه إلى أن (لفظ الثقافة يعني الكيان المركب الذي ينتقل اجتماعياً من جيل إلى جيل، ويتكون من المعرفة، اللغة، المعتقدات الدينية، الفنون، الأخلاق، العادات والعُرف، التقاليد والقانون.. ألخ). أما التعددية الثقافية فيعرّفها، (على أنها وجهة النظر التي تذهب إلى أن الدولة، لا ينبغي إليها أن تساند فقط المجوعات المألوفة من الحقوق الاجتماعية والسياسية والمدنية للمواطن التي تحميها كل الليبراليات الدستورية، ولكن ينبغي لها كذلك تبني حقوق الجماعات الخاصة المختلفة، أو السياسات التي تهدف إلى الاعتراف والتكيف، والهوايات والتطلعات المتميزة للجماعات العِرقية الثقافية. ويقول الكاتب: إن ظهور المطالبة بالتعددية الثقافية وحقوق الأقليات، جاءت كرد فعل أو رفض للقومية، التي تكون ملكيةً للجماعة السائدة، التي تتبنى السياسات العامة لفرض لغة قومية، تاريخ قومي، إعلام قومي، نظام تعليم قومي، ونظام عسكري قومي، وفي بعض الحالات ديانة قومية، وشخصيات قومية، فتُقهر الأقليات وتنتفي مظاهر وجودها الثقافي، ولا تستطيع أن تعبر عن نفسها، ولا يكون لها كيان واضح، أو دور في الثقافة العامة. ويضيف أن النماذج التي سيطرت فيها الأقلية على الغالبية، تكاد تكون معدومة في العالم ما عدا حكم البيض (وهم قِلة) في جنوب إفريقيا، في ظل نظام التفرقة العنصرية، أو الصفوة المخلوطة النسب في بعض بلدان أمريكيا اللاتينية، ويؤكد استحالة أن تكون هناك دولة ذات قومية متجانسة، من أصل واحد، أو تخلو من المهاجرين، على الرغم من أن هناك بعض الدول مثل (إيسلندا، البرتغال والكوريتان) تقل فيها نسبة الأقليات، وتظهر فيها بجلاء ملامح القوميات، ولكنها ليست بنسبة مائة بالمائة. ويناقش الكتاب الصعوبات والعوائق التي تحول دون تحقيق طموح وتطلعات الأقليات المواطنة، والمهاجرة، حيث إن المنطق والعلمية يضدحان إمكانية أن تعتمد الدولة (أي دولة). كل لغات الأقليات المواطنة أو المهاجرين، في دواوينها، ومؤسساتها كلغات رسمية، وعدم إمكانية تضمين ثقافاتهم في مناهج التعليم. وهذه الصعوبات تشكل حُججاً قوية لدعاة القومية، ذات اللغة والثقافة الموحدة، كما نرى اليوم في معظم بلاد العالم، خاصة عندما يكون معظم أفراد الدولة، على ديانة واحدة مثل الإسلام الذي يتطرق إلى جميع قضايا الحياة الاجتماعية والثقافية والأخلاقية. وأقول إذا أسقطنا مفاهيم الكتاب على واقعنا السوداني، نجد أن موجة القبلية والعنصرية والجهوية والمناطيقة، والصراع الدائر بين المركز والولايات في المطالبة بالحقوق السياسية والثقافية أو ما يُعرف (بجدلية المركز والهامش)، تجسد واقعاً حياً لتلكم المفاهيم التي يتحدث عنها الكاتب، ولكن الحمد لله، أن أهل السودان وعلى الرغم من تعدد قبائلهم وتباين ثقافاتهم فإن «95%» منهم يدينون بالإسلام وبلغته العربية والوحدة. هامش: الأوديسا: هي الملحمة الثانية التي كتبها شاعر اليونان العظيم هوميروس.