مرسي نحبه ونعشقه لأنه أول رئيس منتخب في أرض الكنانة منذ إقامة دولة فيها، وللعلم حينما فتحها سيدنا عمر بن الخطاب من خلال سيدنا عمرو بن العاص، كانت ولاية تابعة لدولة المسلمين ودولة الرسالة الخاتمة المحمدية. أكثر من ألف واربعمائة عام هل جاءت بعدها رسالة؟!. وهل بين رسالة وأخرى نازلة من السماء هذه القرون؟! إذن هي نهاية التاريخ السياسي والاقتصادي والحضاري والاجتماعي والثقافي والفني. وولاية مصر الإسلامية وسعها سيدنا عثمان بن عفان ذو النورين بضم أرض النوبة. عمر وعثمان كانا الرئيسين المنتخبين في المدينةالمنورة اللذين كانت تتبع لدولتهما ولاية مصر، فهي حينما كانت ولاية إسلامية كانت تحت حكم منتخب وسيادة بيعة وليس حكمًا انقلابيًا أو اجتياحيًا أو احتلاليًا يخدم فيه الاحتلال الامبراطوريات الأوروبية الصليبية. وكانت دنقلا تابعة لحكومة المدينةالمنورة ولو كانت الآن حلايب تابعة لعاصمة دولة موحدة للمسلمين لا غضاضة لأن الحاكم واحد، لكن الآن المجتمعات الإسلامية يحكمها أكثر من خمسة وخمسين حاكماً فلماذا لا تعود «حلايب» للسودان كما عادت دنقلا وسواكن؟!. هل القاهرة الآن هي عاصمة دولة موحدة للمسلمين حتى نقول بأن محاولات استرداد حلايب تهدر الوقت والطاقات كما تفضل أحد كتاب «النبت الإنقاذي» في عهد البشير مقروناً بالترابي؟! إن القاهرة الآن عاصمة مصر وحدها وليست كما كانت المدينةالمنورة والكوفة ودمشق وبغداد واستانبول. فليس هناك ما يبرر السكوت عن احتلالها من قبل دولة ليست لكل المسلمين وإنما لأقل من عشرة بالمائة من الأمة الإسلامية. ولسنا الآن في عهد الحكم الثنائي حتى نزهد في منطقة مأهولة بالمواطنين السودانيين مثل حلايب ونحولهم إلى مهاجرين على أرضهم من وطن إلى آخر ينطبق عليهم قول الشاعر:«موتورون في المنفى ومغتربون في البلد»؟! فهل يُخلي سكان حلايب المنطقة أم يتحولوا إلى جالية في وطن آخر؟ هذا هو السؤال الذي نطرحه على من يسوقون لمصالحهم سواء المادية أو الأدبية من خلال محاولة توفير التبريرات لاحتلال أرض وطنهم. ثم لماذا نحتقر موقف رئيس الوزراء «المنتخب» السيد عبدالله خليل من قضية استرداد حلايب؟! إن عبد الله خليل زهد في منصبه وسلّمه لغيره لكن لم يهن عليه أن يزهد في حلايب وقد استعد لقتال عبد الناصر إلا أن الأخير سحب قوات الاحتلال المصرية من المنطقة السودانية، ولو كانت المنطقة بالفعل مصرية مثل بورسعيد «وسيناء» لما سحب قواته. وقد كان اعتذاره آنذاك مبطناً في كلمات عاطفية حيث قال:«لن نوجه البندقية نحو صدر جندي سوداني». لكن إذا كانت المنطقة هي أسوان رغم أنها تاريخياً منطقة نوبية هل كانت ستصدر منه هذه الكلمات الودودات بحق الجندي السوداني الذي كان مستعداً لاسترداد منطقة سودانية تسكنها مجموعات سودانية؟! إن حدود مصر «البيضاء» تقف شمال أسوان بمئات الكيلومترات. وأرض النوبة تمتد من شمال دنقلا من مناطق أكدَّ وحفير مشو إلى شمال أسوان والنوبة شعب أسمر مثل سكان حلايب، فمن الذي احتل أرض الآخر إذن؟! إنه الجيش الذي أعدم الديمقراطية التي هبت نسائمها لأول مرة في ما تعرف بالدولة المصرية؟! ثم إن السودان الذي يراد منه التنازل عن أرض يقال إنها غنية باليورانيوم. يراد منه أيضاً أن يعارض قيام سد النهضة الذي يقدم له معالجات مهمة مثل امتصاص الاطماء وامكانية إنارة القرى السودانية المتاخمة للحدود مع إثيوبيا، وأكثر من ذلك ضمان استمرار حسن علاقات الجوار مع دولة كانت في يوم من الأيام منطلقاً لأنشطة التمرد ضد الخرطوم. ثم إن اثيوبيا ليست ناهبة لمياه النيل الأزرق وإنما التفتت أخيراً للاستفادة من حصتها المستحقة المهدَرة. وإن كان هناك من لا يريد إهدار الوقت والطاقات في الحديث مجرد الحديث داخل حرم الجامعات السودانية عن ضرورة عودة «حلايب». فإن أديس أبابا لماذا يراد لها إهدار مياهها في حوض نهر النيل الأزرق؟! بأي معايير ومنطق وحنكة يكون تبرير استمرار احتلال أرض الوطن الحبيب؟! و«صرخة يا وطني الحبيب».