قال أحد المعلقين: «يظهر من رحلة الرئيس البشير للجنوب، إن الخرطوموجوبا معنيتان بالنفط إضافة إلى السيطرة على الحدود، واستعادة تدفق النفط الجنوبي، الذي من المرجح أنهما الاثنان من أولويات الخرطوم».. هذه أبرز التعليقات التي صاحبت الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس عمر البشير إلى جوبا في السادس من هذا الشهر.. فأبعاد زيارة البشير لجوبا ولقائه الرئيس سلفا كير ميارديت حملت عدة تنبؤات منها ما يصب في اتجاه التعبير عن متانة العلاقات بين البلدين إضافة لدعم الموقف التفاوضي لحكومة الجنوب بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا غير واضحة المعالم حتى الآن، فقد ظل السودان بعد انفصال دولة جنوب السودان في العام 2011م على صلة شبه دائمة بالأوضاع في جوبا، خاصة حينما أقال الرئيس سلفا كير نائبه مشار وبعض القيادات التنفيذية في الحكومة وحزب الحركة الشعبية التي قابلتها الخرطوم بالإعجاب لحسابات تحسبها الحكومة السودانية لصالحها وحزبها الحاكم، بافتراض أن القيادات التي أطاح بها سلفا كير كانت تقف حجر عثرة في تقدم العلاقات الثنائية بين البلدين لمواقفهم التي يعتبرونها متشددة بعض الشيء لا سيما كبير مفاوضي جوبا حينها باقان أموم أكيج الأمين العام للحركة الشعبية. أهداف خفية إلا أن بعض المراقبين يرون أن الزيارة تقف وراءها أهداف خفية غير معلنة، تندرج تحت الأجندة الخفية للزيارة باعتبار أن هنالك تدخلات إقليمية تمت بعد التقارب الكبير بين كمبالا وجوبا في ظل العداء المعروف بين حكومة الرئيس اليوغندي يوري موسفيني والحكومة السودانية، بعض التقارير التي كانت تنفيها حكومة الجنوب بعدم مشاركة الجيش اليوغندي في الصراع الجنوب سوداني، وبعد التهديد الذي أعلنه البشير لطرف الصراع الثاني «مشار» وإعلانه الحرب إلى جانب سلفا كير في حال عدم التزام مشار بمقررات قمة الإيقاد الطارئة بنيروبي. بينما عزا مراقبون زيارة البشير لجوبا إلى المصالح السودانية مع دولة الجنوب، منها ما يختص بالبترول والحدود ووجود المعارضة السودانية في إشارة إلى الجبهة الثورية التي تقاتل الخرطوم، إضافة إلى العلاقات الخاصة لحكومة السودان بسلفا كير واتصالها للاطمئنان على الأوضاع الأمنية بالجنوب. انتفاء الشرعية هذه الزيارة جعلت المراقب العسكري العميد حسن بيومي في حديثه للصحيفة يشير إلى أن الصراع كان متوقعاً أن ينقلب إلى حرب أهلية قبل الانفصال وبعده، وهو ليس بمفاجئ ولكن تدخل السودان لحله أتى متأخراً لعدم تحديده لموقفه هل يقف إلى جانب مشار أم سلفا كير؟ واستدرك بقوله إن المعادلة مختلة لأن السياسة والثروة كانت بأيدي الدينكا، والآن الصراع حولهما بعد أن أصبحت السلطة بيد الدينكا والثروة بأرض النوير، وموقف السودان فيه حساسية عالية وعليه أن يحدد طول المساحة الفاصلة بين الطرفين المتنازعين، مؤكداً أن الزيارة قراءتها تصب في إطار وقوفه إلى جانب سلفا وحكومته على الرغم من أنه يدعي وقوفه إلى جانب الشرعية التي انتفت بهذه الزيارة. تصريحات مربكة ونجد أن التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية السوداني علي كرتي وجدت ردود فعل واسعة تنتقد الهدف من الزيارة، وذلك بتصريحاته عن أن السودان ودولة الجنوب تشاورا حول نشر قوة مشتركة لحماية حقول النفط في الجنوب، وهي الخطوة التي وصفها المحلل السياسي فيصل محمد صالح بقوله إنها أربكت الموقف والتي إن حدثت ستكون أكبر خطأ وستجر السودان إلى ساحة القتال وتوريطه في النزاع القائم، ولكن والحديث لفيصل ما قامت به الخارجية السودانية أدرك اشتعال الموقف، منبهاً إلى ضرورة الحذر في خطابات القادة السياسيين تحت الظروف الراهنة. وفي رده على السؤال: هل موقف السودان تجاه الأزمة الجنوبية متوازناً؟ أشار بالتأكيد على هذا، وأنه بني على قراءات صحيحة وإستراتيجية بعيدة المدى لمصلحة السودان بعدم الانحياز لأي طرف من الأطراف، وإنما مصلحته في حرصه على وقف إطلاق الرصاص والجلوس للحوار بين مكونات الصراع للوصول إلى اتفاق سياسي خاصة وأن السودان طرف في مبادرة الإيقاد، وعضو في اللجنة السياسية التي تدير الحوار. وأكد فيصل أن زيارة البشير ستعيد ثقة الحكومة الجنوبية والأطراف السياسية المختلفة، وأيضاً الشعب الجنوبي في السودان عامة. مصالح إستراتيجية أيضاً نجد أن الصراع الذي يدور في دولة الجنوب جذب اهتماماً عالياً من جميع أنحاء العالم، ومتابعة العديد من القادة في كل المناحي للأزمة المستفحلة، وهي ما حدت بالخبير الإستراتيجي د. محمد حسين أبو صالح إلى أن يرجع قراءات بعض التصريحات لبعض القادة الجنوبيين والمحللين الأمريكيين لها لعدة دلالات، منها ارتكاز حسابات الإخوة في الجنوب على مؤشرات جديدة منها أن الانفصال تم دون استعداد كافٍ للمرحلة ما قبله والذي قد يكون حدث لصالح أجندة خارجية أكثر من الأجندة الداخلية، ولذلك تصبح الزيارة بعداً جديداً لاستقرار متوقع. ورهن أبو صالح خلال حديثه استقرار دولة الجنوب بالتوافق الإستراتيجي ما بينها والسودان، وأكد أن علم السودان بتفاصيل الجنوب ودرايته به هي التي دفعته للتحرك في القضية، خاصة وأن أمريكا لم تستطع أن تفهم طبيعة دولة الجنوب، وبالتالي لم يتوقعوا الوضع السياسي والنظام القبلي والإداري الهش الموجود الآن، وهي ظروف تحتاج لحسابات دقيقة منها. كل الإشارات تؤكد أن أياً من الطرفين لا يمكن أن يقبل خسراناً في الإيرادات النفطية، فكلاهما يعتمد على مدخلات النفط، وبشكل أساسي، وهو ما يفسر سعي البلدين للتفاوض، كما أن تعاطف الخرطوم مع سلفا كير لن يستمر طويلاً بسبب الظروف التي فرضتها التغييرات الميدانية في دولة الجنوب، بعد الدعم العسكري الذي قدمته يوغندا لسلفا كير وبعد التطمينات التي تلقاها البشير من ريك مشار قائد المتمردين في الجنوب فيما يختص بمناطق البترول والتماس، ما دفع السودان إلى الوقوف المحايد في الفترة الأخيرة. بينما اعتبرت مصادر دبلوماسية مقربة من الوساطة الإفريقية أن زيارة الرئيس البشير تأتي في إطار مساعي منظمة «إيقاد» لدفع المفاوضات وإنهاء الصراع المسلح في دولة الجنوب وإخطار الخرطوم للإيقاد بإمكانية استخدام نفوذها وعلاقاتها مع طرفي الصراع للوصول إلى حل سياسي. رهانات عالية الرهانات العالية التي وُضعت على السودان لحل الصراع بدولة الجنوب، تعكس اهتماماً إقليمياً واسعاً للعمل على تحقيق استقرار الدولة الوليدة، فزيارة الرئيس البشير سبقتها زيارات كل من الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين إلى جوبا أواخر ديسمبر الماضي للضغط من أجل السلام، كما فعل الرئيس يوري موسفيني رئيس يوغندا في زيارة منفصلة والذي هدد باستخدام القوة لدحر المتمردين الشهر الماضي. والعرض الذي قدمه السودان لحكومة الجنوب، مثَّل بالنسبة للرئيس سلفا كير غوثاً كبيراً، وذلك بعد النظر إلى السودان الذي كان حليفاً داعماً لنائبه «المقال» رياك مشار، خلال الحرب الأهلية ضد الحكومة في الخرطوم.