قلت في الشهر المنصرم في هذه المساحة من صحيفة (الإنتباهة) إن التغيير الذي حدث على مستوى الحكومة الاتحادية ينبغي أن يشمل ولاة الولايات جميعها بلا استثناء على الأقل لمواكبة تجديد الدماء بما يحقق الحيوية المنشودة من التغيير ولا بأس من موجة (شبابية) كالتي جرت على مستوى الرئاسة والحكومة الاتحادية حتى يتسق التغيير على مستوى المركز مع التعديل المطلوب في مناصب بعض الولاة، وقلت إن التغيير في مناصب الولاة سوف يُسهم في الإصلاح الاقتصادي الذي ينشده وزير المالية الاتحادي لأن معظم القطاعات الإنتاجية والمعنية بزيادة الإنتاج فيها كالمشروعات الزراعية الكبرى توجد في الولايات، وحتى في محور تخفيض الإنفاق الحكومي قلت إنه لن يحقق مبتغاه إن لم يأتِ التغيير بولاة يدركون أهمية هذه المرحلة من عمر السودان الحديث، قلت هذا ثم قرأت أول من أمس تحقيقًا في هذه الصحيفة عن الحال المزري الذي تعيشها ولاية كسلا وللدقة في عاصمة الولاية وهي مدينة كسلا التي كانت حتى عهد قريب هي (جنة الإشراق) ولوحة الجمال التي يقصدها كل محب للحق والخير والجمال، ولكن أين كسلا الآن؟ كسلا الآن غارقة حتى أُذنيها في مشكلات مثل التهريب عبر الحدود وتجارة البشر وفوضى عارمة في أسواقها وتردٍ فظيع في صحة البيئة نتيجة لتراكم النفايات والأوساخ في كل الأمكنة بسوقها الكبير لم تنتبْني الدهشة من النتيجة التي خلص إليها تحقيق صحيفة (الإنتباهة) والذي جاء تحت عنوان (كسلا الولاية التي تتنفس وجعاً)! لم تنتبْني الدهشة من النتيجة التي خلص إليها التحقيق الصحفي، فهذه هي كسلا منذ أن تولى السيد/ محمد يوسف آدم منصب الوالي فيها، إذ أقدم في السنة الأولى لعهده على تدمير المباني والمقار الحكومية بحجة بيعها لدعم الخزينة الولائية مما فتح الباب واسعاً أمام أسئلة من شاكلة من الذي أشرف على تقييم هذه الأراضي الحكومية قبل بيعها؟ وهل تم تقييمها بواسطة لجنة (فنية) من قبل مصلحة الأراضي لتحديد سعر المتر قبل الشروع في عمليات البيع ومزادات التخلص من هذه المباني والمقار الحكومية؟ وقبل أن يذهب هذا الوالي مع رياح التغيير الشتوي ينبغي أن يجد من يسأله سواء كان السائل على مستوى الحكومة الاتحادية أو نواب الولاية بالمجلس الوطني أو نواب كسلا بمجلس الولايات أو نواب ولاية كسلا على مستوى المجلس التشريعي بالولاية، ينبغي أن يتصدى أيٌّ من المسؤولين في هذه المستويات المذكورة ومن باب المسؤولية السياسية والأخلاقية لتوجيه سؤال لهذا الوالي وهو (فيم صرف تلك الأموال؟)، ولسنا في حاجة للقول إن هذا سؤال مشروع لن يتحرج أحد من طرحه ولا نحسب أن الوالي سوف يمتنع عن الإجابة، فليته خرج على رعيته عبر مؤتمر صحفي هنا في الخرطوم أو هناك في كسلا لتوضيح حقيقة الأمر فهلا فعل!! ومن بعد موضوع تلك المباني الحكومية والتي تم بيعها هناك أمرٌ آخر نحسب أنه من الأسباب التي بسببها سوف يغادر محمد يوسف ولاية كسلا فقد ضرب هذا الرجل أسوأ الأمثلة من حيث الاستهانة بقيمة تماسك الجبهة الداخلية لولاية كسلا حين وقف (يتفرج) على الأزمة التي نشأت بين المهندس/ إبراهيم محمود حامد وزير الزراعة الوزير السابق لوزارة الداخلية والسيد/ سيد ترك ناظر عموم قبائل الهدندوة بسبب الزيارة التي قام بها الوزير لمنطقة (القاش)، مما أثار حفيظة الناظر، وهنا وقف الوالي محمد يوسف موقفًا سلبيًا من اندلاع هذه الشرارة، بل لم يكلف نفسه عناء إخمادها في مهدها وهو الوالي القيِّم على أمن الولاية والمطلوب منه الإبقاء على التماسك الأهلي لمكونات الولاية الاجتماعية بما يحقق السلام والاستقرار المنشود لجميع أهلها، ماذا لو سعى الوالي بين الرجلين وجمعهما على الصفاء والمودة؟ فالذي يجمع بين (محمود) و(ترك) هو امتداد للذي يجمع بين (البني عامر) و(الهدندوة)، بل هو أكبر من الصَّغائر وأعمق من حادثات الدهر (العابرة)، وسوف تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية ولو بعد حين!