مؤسسة الشرطة من المؤسسات الحساسة في التناول الإعلامي... فقط لأن الحقل الذي تعمل فيه له علاقة قوية ومباشرة مع خصوصيات البشر... وما أصعب التعامل مع البشر السويين وغير السويين وما بينهما... خاصة أن الشرطة قدرها أنها منوط بها إنزال العدالة منزلة، ولأنها واحدة من أركان العدالة.. وبالتالي أهل الشرطة بدأوا لا يستغربون ممن يشكرونهم، وفي اليوم التالي ينبذونهم ويهاجمونهم... لأن حركة المجتمع ظلت تحملها الشرطة على أعناقها بكل مساوئها ومحاسنها... إذا فرح المجتمع تظل الشرطة مرابطة بجواره لسلامته، وإذا تنكد المجتمع تعمل الشرطة لإزالة هذا النكد بالمتابعة وحسم الأمور. والذي ينقل كل هذه الابتلاءات للشرطة وما يؤول على الشرطة من جراء هذا الابتلاء هو الإعلام... ذلكم السلاح ذو الحدين الذي يمكن أن يرفعك إلى أقصى الدرجات ثم يعود هو ذاته «فيمسح» بك الأرض. لذا أفلحت شرطة الولاية أن اختارت لهذه الإدارة رجلاً بمواصفات «عجيبة» غضبه بعيد جداً وحلمه كبير لدرجة المبالغة، ولا يمكن أن ترى فيه غير روح الإنسان المسامح.. فالعميد الدكتور هاشم عبد الرحيم لا يمكن أن يعادي إنساناً أياً كان بصورة فيها نوع من الانتقام والتشفي، وأنتم تعلمون مشكلات العمل في شرطة ولاية الخرطوم وما تتصدره الصحف من هجوم كاسح ورضاء تام في كثير منها أحياناً، ويتقلب الرأي الإعلامي حول الولاية بين هذا وذاك، ويصل بالإعلاميين مرحلة أن يتعجلوا في الهجوم على شرطة هذه الولاية، فقط ب «التعجل» والسرعة يتهمون الشرطة بالتقصير وعدم الوفاء لخدمة المواطن دون الإلمام بفنيات العملية الأمنية في أصلها... والحساسية القانونية وارتباطها بإنزال العدالة منزلة، ولمواجهة مثل هذه القصاصات الصحافية أو الصوتية المرئية الجائرة تحتاج لشخصية مثل شخصية العميد د. هاشم مديراً لإعلام شرطة الولاية، فيمكن أن يكون في غاية الغضب منك لكنه «يُعد لك إفطاراً مدنكلاً» فقط حتى ترى أن الذي هاجمت فيه كان يجب التروي والدقة فيه من شدة ذكاء هذا الرجل، ورغم خروجك حينها من الضوابط الخبرية لا يتعجل في فتح البلاغات، وبكل أدب وهدوء يناقشك في الموضوع حتى تخرج راضياً غضبان من نفسك لسرعتك في البت في الأمر دون الرجوع لمصدر المعلومة الصحيحة. الأخ الدكتور هاشم رجل ذكي يعرف كيف يتعامل مع الصحافيين، بل في كثير من الأحيان يكون لهم صديقاً يحضر مناسباتهم وأفراحهم وأتراحهم، وهو في ذات الوقت لا يريد منهم شيئاً غير أن يقولوا الحقيقة فقط... رجل بهذا الذكاء وحسن الخاطر وطول البال واحترام الآخرين جدير بأن يدير في مؤسسة كبيرة مثل هذا الملف الحساس... وأي صحافي لا يعرف العميد د. هاشم يجب أن يعرفه عن قرب، فهو رجل صادق في المفردة ولا يعرف «اللولوة» في المعلومة ويقولها لك مباشرة وبعفوية، وبأدب يطلب منك عدم نشرها لحين استيفاء مراحل النهو منها خاصة في الجرائم الحساسة، واشتهر العميد هاشم في أوساط الشرطة بخفة الدم وجمال «الكلم» وليس «وهجه»... وآخر مداعباته إبان أحداث الفيلم الشهير للجريمة اللاأخلاقية التي أطلقته شلة طائشة في سموات السودان.. «بالمناسبة وصل عدد المتهمين فيه لعشرة أشخاص والمتهمة وهي في شهرها الثامن من الحمل السابق للحادثة الأخيرة».. هاتفته للإلمام بأطراف الخبر لم يرد على اتصالي... فأرسلت له رسالة قلت له فيها لو كان هذا المتصل هو الأستاذ وذكرت له في الرسالة أحد الإعلاميين الكبار... لما تركت الهاتف يرن أكثر من رنة... فرد عليَّ بذات النبرة قائلاً... والغريبة لو كان ده الفريق أول هاشم عثمان الحسين... تلفون شنو... والرد السريع شنو... كنت في الرنة الثانية ماثلاً أمامه. هذه روح طيبة وفكاهية جعلت مجتمع الصحافة قريباً من «الهاشم» ومحبين له، لأنه لا يبخل بقول الحقيقة... لأنه كثيراً ما يقول: (أحسن يعرفها من عندي، وإلا التقطها خطأ من غيري فأضرَّ بي).. «رحم الله هاشماً حياً وميتاً».