إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة هاشم العطا ... بقلم: مصطفى مدثر
نشر في سودانيل يوم 25 - 07 - 2011


()
في كتابه القيم عن الثلاثة أيام الأخيرة في حياة القائد الشيوعي عبدالخالق محجوب أومأ الدكتور حسن الجزولي لأنشطة الرائد هاشم العطا قبل وأثناء تلك الايام بكيفية لا مناص معها للمهتم أو المغروض من أن يستعين بها لتغذية إهتمامه ودوعلة أغراضه. وقد يسألني سائل نهتم بمن ونترك من عند الحديث عن حركة 19 يوليو التصحيحية فلقد تعبأ مشهد البطولة بحضور كثيف لأهلها ودعاتها وتلمظت آفاق السودان كله لفجر ماجد ثم انهار هذا كله تماماَ كشرفة سقطت بكامل وردها*.
وقرأت الكتاب مرة أخرى بتركيز على اليسير المثير مما أورد حسن الجزولي عن هذا البطل الذي لا زال دمه يغرغر** حاراَ في الذاكرة. ولقد شجعني على هذا التجاوز للشخص موضوع الكتاب في القراءة الثانية شيئان أولهما هو ولعي الغريب بالآخر، المجاور، التالي، الكان مع، الحاضر إلي آخر هذا النوع من الناس بما فيهم اولئك الذين يقفون في الصور وراء الملوك والرؤساء مزيفين كانوا أو أحسن من ذلك وثانيهما شيئ جنيريك أومتواتر ولا يخلو من طرافة وقد عبر عنه القاص الدكتور بشرى الفاضل في واحدة من قصصه إذ حكى عن أن عزرائيل أتى ليقبض روح مريضة وكان بجانبها إبنها الذي هو أيضاَ
مريض فاحتار عزرائيل لأيهما أرسلوه أو كما قال. وسأعود باقتباسات صحيحة من بشرى ومريد البرغوثي.
---------------------------------
العبارة بتصرف هي وصف الشاعر الفذ مريد البرغوثي لموت محمود درويش *
التعبير مستعار من التقديم الرائع للشاعر كمال الجزولي للاستاذ محمد ابراهيم **
نقد في أول مخاطبة جماهيرية للثاني بالميدان الشرقي لجامعة الخرطوم 1985
()
لماذا الكتابة عن هاشم العطا دون غيره؟
سأشرح. فليعينني المتابعون في حدود ما سيأتي ذكره.
تلك الايام التي فتح علينا الآخر* فيها طاقة ملتهبة نتسمع منها أساطير بلا ضفاف عن القيم السامية.
ربما باستثناء قِرى الضيف!
عشت تلك الأيام وكنت أسمع زخة رصاص والدنيا عصاري ثم يأتي من يقول لك أعدموا ود الريح، أعدموا محجوب طلقة...إلخ تلك أيام شكلت نقطة تحول هامة في حياتي وربما في آخرين كثر.
كانت جامعة الخرطوم، صيف 1971 الحار بشكل استثنائي، مغلقة (للاضطرابات) فكنا متسكعين نجوب أحياء الهاشماب والعباسية وغيرهما وكان يمر مخفوراَ في سيارة حكومية هاشم العطا فنصفق له من على عتبات دكان يماني أو من أمام منزل بلا أبواب.
كنا نعلم أن هاشم شالوه من قيادة مايو وتعاطفنا معه من موقع احساس بغدر أو مثله ليس إلا! كنا منصرفين بجد.
وجاء يوماَ صدقي كبلو إلى منزلنا لأمر له مع شقيقي ثم انتحى بي جانباَ وسألني: وين انت؟
ما قاعد تجي الجامعة مالك؟ تعال النشاط هناك شغل كويس! وكان صدقي قائداَ مرموقاَ لتنظيم الجبهة الديمقراطية هو والفقيد الخاتم عدلان.
فذهبت النشاط ومن ديك وعيك! شغل شديد!
رجعت لكتاب الجزولي بنية قراءة متأنية لأن هاشم العطا لفت نظري بكيفية مختلفة هذه المرة وفي ظني أن روي حسن الجزولي، كما قد يتوقع صائباَ القارئ، فيه دراما كافية لشخص أصلاَ محتال على الموضوع ومقاربتي للمحات هاشم العطا في الكتاب هي تلبية لرغبة قديمة في حساب كمية الطاقة
في ما قام به هاشم من ما أطلق عليه تسرع واستعجال وكمان ذهب آخرون للقول باضطرابه وخوفه
ولكن شبه لهم!
ليس وحده الذي أعنيه بهذا الخيط، هذا الرصد للركض، بل هنالك محاولة للبحث عن اسباب أخرى لركض هاشم العطا، أعلن للقارئ منذ الآن انها قد تبدو شاطحة. تبدو!
______________________
* مش كدا أحسن رغم انه فيهم طغاة وقتلة؟
()
كانت 19-22 يوليو ماراثون هاشم العطا الذي جراه.
كان هاشم اسطوانة معبأة في صيف ذلك العام الملتهب تدحرجت على مدى الماراتون (42 كيلومتر)
في 72 ساعة. فاحسب، بربك، فداحة أن يرتد خيالك في حمى انعطاب المآل. أن يرتد خيالك في فوضى الحصاد.
هل كانت هي يوسانازيا الأمل؟ وإنهم، فقط، يقتلون الجياد؟
كان هاشم يركض رافعاً شعلة في شوارع المدينة.
ولم يصطف على جانبيّ الطريق من يمتد منهم ساعد ليمضي بالشعلة للامام.
قالوا كان مضطرباً وخائفاً وأنكروا عليه الرهق والإعياء!
ولو!
فهو قد أذاع بيانه على أي حال وقال بالتصحيح. وهذي تسمية للحركة لا تتنكر للبدايات. لا تقول ببداية جديدة.
هو أسدل الستار بضربة سريعة على اطار النظام فمن يبدأ الفصل الجديد؟
ما هو راجح أن هاشم العطا لم ينم نوماً هانئاً منذ 16 11 1970 ولشهور سبقت بداية الماراثون
فقد أُقصي في ذلك التاريخ هو وإثنان من أعضاء قيادة مايو بتهمة التخابر مع عبد الخالق محجوب.
وكان واضحاً أن من أقصوهم يبيتون النية للتخلص من شريك رئيس في صناعة سودان بتوجه تقدمي
وهو الحزب الشيوعي السوداني. وسنرى أن عبدالخالق نفسه تم تغييبه عن واقع البلاد بنوايا يتعذر القول
بحسن مقاصدها. وأن وضعه رهن السلاح كان بوجهٍ ما مساومة جبانة من أجل ضمان بقاء النظام.
فهاشم شغله السؤال كيف يعود التيار الذي يمثله هو ورفاقه الى موقعه من السلطة؟ واختار هو الاجابة
التي تأكدت فيما بعد صحتها ولو لثلاثة أيام!
فلنبدأ إذاً بمسألة أهمية تهريب عبد الخالق من معتقله العسكري والتي أرى أنها كانت نقطة هامة
بالنسبة لهاشم ولكن نظري يتقاصر عن رؤية سلامة مسوغاتها.
لماذا كان هذا أمراً هاماً يستدعي تحقيقه مشاركة شخص في وزن هاشم العطا نفسه وبكيفية تنطوي
على قدر هائل من الخطورة على الحركة برمتها؟ لماذا لا يأتي تحريره بعد نجاح الحركة؟ ما حاجتهم
لعبد الخالق المدني في عملية عسكرية؟ واذا كان وارداً خطر أن يتعرض عبد الخالق في معتقله لخطر
التصفية (من خالد حسن عباس أو غيره) أو يقضي تحت نيران مقاومة للحركة فهذا يعني أن الحركة نفسها لا مسوغ لقيامها لغلبة احتمالات فشلها!
ماهي دوافع هاشم في تنفيذ خطة مخيفة كهذه. فهو لم يقم بتنفيذ تهريب عبدالخالق بقيادة سيارة التنفيذ بنفسه فحسب بل بإخفائه عبد الخالق في القصر الرئاسي!
وستكون دهشتي أكبر لو تأكد لي أنه كان، أثناء ذلك، مرتدياً الزي العسكري!
()
قلت إن مقصد هذا الخيط هو رسم بورتريه وجداني لهاشم العطا من منطلق إحساس شخصي بالإعزاز لهذا الرجل والصحيح أو الأقرب هو رسم بورتريه وجودي لأني إزاء شخص حقيقي ولا تجريد فيما أنتوي!
وقبل أن أعود لطرح الاسئلة المعمِّرة عن حركة هاشم العطا وفي صدارتها أسئلة متعلقة بنشاطه هو قبل
وأثناء الحركة أرى أن من الممكن طرح قراءات جديدة لهذا الحدث الهام في تاريخ السودان. قراءات
لا يثيرها النظر السياسي المحض لذلك الزلزال الذي عبَر طوبوغرافيا الوطن لتسكن بعده البلاد تحت جحيم الشمولية إلى يومنا هذا. أقول قراءات لا يثيرها النظر السياسي المحض لأن النظر السياسي تقاصر عن إستجلاء وإيفاء هذه الفترة من تاريخنا المعاصر حقها وذلك للطبيعة المزايدة "للسياسي" في مقابل "الانساني" أو ."الإجتماعي"
يقودني فحص مسوّغات تهريب عبدالخالق من معتقل سلاح الزخيرة لاستنتاج أن الدافع الوحيد ليس سوى إعزاز لعبد الخالق وحرص عليه كزعيم رغم أن أغلب الروايات تقول إن هاشماً بدا متهرباً فيما بعد من مقابلة لعبدالخالق واللجنة المركزية للحزب الشيوعي كان مضروباً لها موعداً يوم يوليو 19 نفسه كما إن عبد الخالق نفسه سخر وذم هاشم في ما بعد بقوله إستعجلتم أو بقوله إن الحركة عبارة عن جنازة بحر. ويضاف لهذه الاقوال غير المثبتة ذلك الحوار السيريالي الذي يشاع أنه تم بين الرجلين حيث سأل عبدالخالق هاشم في ساعات مغرب الحركة أين دباباتك؟ فرد هاشم: وأين جماهيرك؟!
في رسالة لصلاح مازري عضو اللجنة المركزية للحزب، حسب ما أورد حسن الجزولي في كتابه "عنف البادية"
كتب هاشم العطا (....وانا لاستطيع التصرف لان ناس المخابرات مضايقني شديد وأنا خائف على عبدالخالق شديد واذا كنت موجوداً في مصنع الذخيرة لن يستطيع أحد أن يمسه بسوء. أرجو أن تتصرفوا لاخراجه قبل عودة خالد حسن عباس من الخارج) فماهو التصرف الذي كان ينتظره هاشم سوى إقتناع اللجنة المركزية بالموافقة على تهريب عبدالخالق. وكان هاشم، بصحبة آخرين، قد زار عبدالخالق ربما لاكثر من مرة في معتقله العسكري مما أغضب عبدالخالق.
يزور هاشم عبدالخالق في معتقله وهو نفسه مراقب ومضايق من المخابرات. فإما أن رجال مأمون أبوزيد كانوا نائمين أو أن تنظيم الضباط الشيوعيين لم يستطع الحد من حركة هاشم أو أن هاشم أطلق العنان لجرأته الأمر الذي يبدو لي أقرب إلى الصحة لأن هاشم منذ إقالته من مجلس قيادة مايو كان كثير الحركة رغم أنه كان متابعاً متابعة لصيقة. وعلى الاقل رأيته أنا بعينيّ أكثر من مرة داخل عربية هنتر حكومية وبالزي العسكري!
رب قائل إن المسألة أبعد من وفاء لزعيم وأن هاشم كانت له أهداف شخصية ترتكز على رغبة في الانتقام من رفاق الأمس الذين طردوه من الخدمة بسبب علاقته، المعروفة لهم سلفاً، بعبد الخالق وحزبه.
لكنك لا يمكن أن تتوقع من شخص طامع في إستعادة موقعه في السلطة أن يعود لها بصفة الرجل الثاني!
فهو قد أعلن بعد أن هزم صلف نميري وصحبه وأستلم السلطة أنه الرجل الثاني في مجلس قيادة حركة التصحيح!
بل وأنه كان في وقت سابق للحركة قال لرفاقه بابكر النور وفاروق حمدالله أن يبقيا في لندن للعلاج وهو سيعمل كل شئ ثم يستدعيهما بعد ذلك!
لماذا كان هاشم العطا واثقاً من نجاح فعل الإنقلاب لهذه الدرجة؟
()
لفت نظري في تقصي ودراسة تلك الجوانب المتاحة من شخصية البطل الشهيد هاشم العطا أنه كان شخصاً عاطفياً يبذل الهم والنصب تجاه الآخرين من حوله. ودوننا حالة القلق الواضح من جانبه تجاه مصير عبد الخالق في معتقله العسكري. كما وأن مواقف أخرى تظهر تحليه بالشهامة والمروءة. وهناك صفات أخرى توفر على دراستها أحد مسئولي مكتب المصالح الامريكية بالخرطوم. فالسيد كيرتس موور وصف هاشم بأنه ذكي ولكنه غامض وزلق! ولعل هذه الصفات الأخيرة هي ما يفسر نجاح تحركاته من بعد وضعه في الاقامة الجبرية وحتى نجاح خطته في 19 يوليو. وعلينا أن نتأمل مقدار الضغط النفسي الذي أحدثته عليه مسارات الاحداث اللاحقة لإقالته ورفاقه من قيادة مايو وعلى رأس هذه الضعوط يبرز النقد الحاد الذي تعرض له من بعض قادة الحزب في أنهم، أي هاشم ورفاقه، لم يحركوا ساكناً بعد إقالتهم ولم يصدروا بياناً لتوضيح حقيقة إنقلاب 16 نوفمبر الذي أطاح بهم. مع إن ما تطلب التناول هو المشهد السياسي بأكمله قبل وبعد إقالة ضباط الجبهة الوطنية الديمقراطية.
إن الصدور عن نفس جياشة مضافاً إليه الصفات الابجابية الأخرى توفر عند صاحبها ما يكفي من المقدامية والمضي لكي يقتحم الآفاق والمغالق متى ما توفرت محرضات من مثل ما أوردنا.
يتضح على مستوى التخطيط للحركة أن هاشماً إستبق رفاقه بابكر وفاروق، على الأقل في جزئية ساعة الصفر، وكان قد إتفق معهما على أن لا يقوم بشئ في عيابهما. كما وأن عضواً آخر هاماً في تنظيم الضباط الشيوعيين في القوات المسلحة وهو المرحوم محمد محجوب عثمان ذكر في كتابه أن هاشماً قال له وهو يودعه قبل سفر الأول إلى المانيا: أرجو أن لا تضطرنا الظروف للتحرك في غيابكم.
إذاً هاشم تخطى أهم أشخاص في تنظيمه من حيث الوزن السياسي! فلا بد أنه كان واثقاً من نجاح حركته!
إن أسئلة الدوافع لا تني ترفرف عند كل منعطف لإنقلاب هاشم العطا. وإن هذه التسمية إنقلاب هاشم العطا تبدو لي الآن ولأول مرة
منزهة من كل ذم وقدح. تبدو كفعل لصيق بفاعله!
و......
كان اليوم التاسع عشر ،
دقات الساعة أنَت أربع مرات ..
الزمن الأول ..
الزمن الثانى ..
الزمن الثالث..
والزمن الرابع ..
الزمن الوهج .. الزمن
المازوت!
الزمن الغائر بعد الظهر
الزمن النسر
اندفع الى الأضلاع ، الى الأعراق ، الى الحدقات
لمّا جلجل ساحُ القصر
وانهمر الصحو يرش
الفرح المجهد
فى الطرقات ..
هذا فجر العيد تدلى فى ..
فى الآفاق مشانق ،
الباشق حلق فى اثر الباشق ،
وتهاوى النجم رواشق!
كمال الجزولي
_________________
بينما كان هاشم يبدل ملابسه المدنية بتلك العسكرية في إحدى حجرات القصر الجمهوري الذي دخله هذه المرة في وضح النهار وليس كما فعل حين أحضر عبد الخالق تحت جنح الظلام قبل حوالي العشرين يوماً. بينما كان يبدل هو ملابسه كان المقدم عثمان أبو شيبة قائد الحرس الجمهوري يشرح للجنود مهماتهم في الانقلاب وذلك بعد أن بشرهم بأن قائد الإنقلاب هو الرائد هاشم العطا. ويقول بعض من عاشوا تلك الأيام أنهم اطمئنوا لنجاح العملية كون قائدها معدوداَ بين ضباط التكتيك المهرة.
()
تحركوا بقوة قليلة العدد بسيطة التسليح والتفوا على صعاب توقيف الاسلحة العتيدة قي نواحي العاصمة
المثلثة برشاقة وبثقة مصدرها قادة ميامين، أحبوا وأحبهم جنودهم. إعتمدوا على عنصر المباغتة والسرعة
التي أخفت ضعف أساسهم العسكري فهم لم يكونوا أكثر من حرس للقصر الجمهوري استقوى بذكاء قائده
الفذ العقيد عثمان أبو شيبة الذي استطاع أن يستجلب لحوزتهم عدداً من الدبابات وأن يلم تحت قيادته
مهام حراسة اعضاء قيادة مايو! ولكن دعنا من ذكاء أبو شيبة الذي لا يخفى على متأمل لتلك الأحداث.
دعنا نعود لمشهده هو نفسه وهو يعد جنوده للحركة ويعلن لهم أن قائد الحركة هو الرائد هاشم العطا.
أي أن القائد برتبة أقل برتبتين من رتبته! هذا أمر لا يفهمه المدنيون لما عرفوه من صرامة العسكريين
في مسائل الترتيب والرتب. ويمكن لهذا الاندهاش أن يتعاظم عندما نتذكر أن قادة آخرين برتبة العقيد والمقدم قد رضوا، بل وماتوا جراء هذا الرضا، أن يقودهم من هو أقل رتبة منهم. نذكر هنا بكثير إعزاز المقدم محمد أحمد الزين الذي قضى متمترساً خلف سلاحه دون أن يستسلم حين دارت الدوائر.
هؤلاء الرجال ماذا كان يعني هاشم بالنسبة لهم؟ وإن لم يكن هاشم نفسه فأي إيمان هذا الذي قادهم نحو حتومهم بشجاعة وبهاء يعلق أبداً في الذواكر؟
عند دخوله القيادة العامة أمر هاشم جنوده أن يأخذوا رئيس هيئة الاركان، وكان في آخر ساعات دوامه العادي، إلى منزله لخوفه أن تعترض الرجل نقاط التفتيش التي نصبها هو ورجاله. وهنا مهلاً قارئي فالرجل الذي حرص هاشم على سلامة وصوله لمنزله هو رئيس هيئة أركان الجيش!
ثم تابع هاشم ركضه في نفس تلك العصرية الملتهبة التي وصفها الشاعر كمال الجزولي أعلاه بما خططت أنا تحته. ركض هاشم نفس ركضه القديم الذي تأنسه مهجة ُالمتأسي ويغدو مع تسارع الأحداث ضمانة الإثارة المكينة!
ركضَ هاشمٌ يبحث عن من يقول في المقام الذي انشأه المقال الذي يليق ويترك له هو حرارة الفعل. وفي الحقيقة كل هؤلاء الضباط فعلوا ما عليهم بحنكة وجدارة ولم يكن لهم مقال في ما تلى من ساعات وحتى أفولهم.
بدا ركض هاشم كأنه إيقاع تستخزي أمامه تكتكات الساعة.
قال عبدالخالق: العسكريين ديل عملوها وعايزين يحملونا الباقي!
وقال الشفيع لمن بعثه له هاشم: قول ليهو إنت لو ما عارف تكتب بيان عامل إنقلاب ليه؟!!
إنتقل هاشم في تلك العصرية من 19 يوليو في عدة مواقع من العاصمة وبعث من يعينه في الحصول على
ساسة الواقع الجديد! طال ركضه وشوهد في أكثر من مكان. دلف لدواخل بيوت يعرفها فهالهم زيه الرسمي لكنه أعلنها لهم بهدوء أنه استلم السلطة!
كانت أحداث يوم 19 يوليو أكثر من ما يمكن أن يحتمله جسد آدمي. فبجانب فعل الانقلاب كان على هاشم أن يمثل أمام اللجنة المركزية في إجتماع مضروب له نفس هذا اليوم والغرض منه أن يشرح هاشم خطته في تغيير السلطة. وهنا ينهض سؤال. اللجنة المركزية تريد أن تجتمع بهاشم وهاشم وحده. ألا يبدو أن هناك شيئاً غير عادي في هذا الأمر. هب أن ذلك الاجتماع كان ممكناً فكيف يبدو حجم التكليف المناط بهاشم كفرد؟
فهو عضو في تنظيم كان أهم ثلاثة أشخاص فيه، كونهم حلّقوا في المشهد السياسي، خارج السودان.
لم يحضروا أصلاً! بابكر وفاروق ومحمد محجوب! وكان هناك عقداء ومقدمين أعضاء في نفس تنظيم هاشم ولكن كان على هاشم وحده أن يشرح للجنة المركزية ما ينوي فعله. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن قيام الانقلاب في نفس اليوم الذي كانت ستُناقش فيه جدواه هو من ألغاز ذلك الحدث الجلل.
لم يدر أحد من أين أتى هاشم ببيانه الذي تلاه على الملأ متأخراً جداً.
قال الشفيع هناك تعابير تشبه تعابير عبد الخالق.الشفيع لم يكن يدري من كتب بيان الانقلاب ومع ذلك سيق إلى المشنقة!
وعبدالخالق الذي سخر من العملية كلها وقال لهاشم لماذا استعجلتم سيق هو الآخر للمشنقة بعد محاكمة أبلى فيها بلاء الابطال أصحاب الرؤية والبصيرة.
ومع سطوع حقيقة الذهول الذي أحدثه هاشم في نفس قادة حزبه كمعضد لبراءتهم من ما اتهموا واعدموا بسببه تقف أفعاله هو أسطع من أن يتخطاها المرء عند إعادة قراءة تلك الاحداث. لكأنه كان يبحث عن من يتعرف على جهده ومنجزه!
ما أذكره عن اليوم الثاني للانقلاب يقع، حتماً، أسفل قائمة طويلة يتعين على رجل إستلم السلطة لتوه أن ينفذها!
فلقد دلف هاشم على مكاتب جريدة القوات المسلحة يتفقد المواد التي ستنشرها الجريدة في أعدادها القادمة!
فبحق السماء ما الذي يمكن أن يفعله قائد إنقلاب في مكاتب جريدة في اليوم الثاني لانقلابه. وطوافه الصحابي هذا بمكاتب الجريدة ذكرني بما حكاه عنه أحد الاصدقاء من أن هاشماً دخل عليهم يوماً في دار الحزب ببيت المال وكانوا ساعتها يخطون اللافتات لمناسبة ما فأثنى على جهدهم وتركهم فاغري الافواه. قال لي ذلك الصديق لم أتوقع أن يقترب مني عضو مجلس ثورة ويشيد بما أفعله! كان ذلك قبل تنحيته من قيادة مايو.
الشئ الثاتي الذي إقتطع له هاشم عددا معتبراً من ساعاته الإثنتين وسبعين هو أنه طاف على أسر المعتقلين من خصومه العسكريين يطمئنهم أن لا مكروه سيحدث لهم. ويأتي، بعد ذلك، من يتهمه بأنه أصدر الأمر بقتل نفس هؤلاء المعتقلين بعد ساعات. والزمن بين الحدثين لا يكفي لأن يفكر المرء في أن يفعل نقيض ما يعتقد ناهيك من أن ينفذ هذا التفكير.
هكذا أعدد مآتر الرجل وهو يُزَفُ عريساً للتضحية والثبات. فلقد خطا هاشم وهو في آخر ساعاته ووقته سيف وليس كالسيف من مأثرة لأخرى.
استفسره ضابط كان محالاً للمعاش ورغب في المشاركة في الانقلاب عن الرتبة التي يرتديها فسأله هاشم عن الرتبة التي أحيل بها للمعاش منذ سنوات فقال له ملازم فقال هاشم إلبس إذاً ملازم!
عرض عليه بعض رفاقه أن يستخدموا الطائرات لوقف زحف الدبابات المضادة لهم فرفص هاشم وقال لهم الطيران سلاح منطقة لا يفرق بين مدني وعسكري فلا مجال لاستخدامه وعلينا أن نتحمل مسئوليتنا!
وقد كان.
بعد عقدين أو ثلاث من استشهاده قالت هند هاشم العطا عن تلك الايام التي كانت فيها طفلة صغيرة:
(الحياة قطار يتحرك على نحو قدري بالأحداث الجسام في حياة الشعوب، فمن الحكمة والمنطق والعدالة العمل على تدوين وتصوير دوران ماكينة التاريخ في المسار الذي يخدم الحقائق ويصحح الملابسات.)
وكلي ثقة في أننا بكتابة المناقب وإقتفاء المآثر سنقع على أهم ملامح الشخصية السودانية ونقف بما تزوّدنا به المناقب في وجه ما يستهدف محو تلك الملامح.
انتهى
mustafa mudathir abuelgasim [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.