كان يخاف من الكلاب التي لا تنبح، والجرح الذي لا يؤلم ، والعيار الذي لا يصيب، ومن ذكر البعوض الذي لا يقرص لكنه يحرض أنثاه على القرص. كان يخاف من الأكفان البلاستيكية والكهرباء المختبئة داخل الجدران، ولهذا ظل منزوياً، مبتعداً عن كل شيء. عندما ادركته المنية، كان سبب وفاته أقرب شيء إلى قلبه... انسداد في الشرايين التاجية التي تغذي القلب. عسل غريب أمر هؤلاء... لقد قضيت وقتاً طويلاً وأهدرت مالاً لبداً وأخيراً تحصلت على أجود أنواع العسل الحقيقي، جلبته لأعرضه للبيع لأبناء أمتي الذين يؤمنون بأن فيه شفاء للناس. ومكثت زمناً طويلاً وأنا انتظر أن يتدافع الناس بالمناكب زرافات ووحداناً ويصطفون أما متجري للحصول على حصتهم من العسل الحقيقي غير المغشوش، ولكن شيئاً من هذا لم يحصل. ظل المكان أمام متجري فارغاً، حتى ست الشاي حملت عدتها بعيداً واستقرت بالقرب من رجل يبيع عسلاً مغشوشاً ليست له علاقة بما تنتجه أمة النحل، ولكن برغم ذلك احتشد الناس ألوفاً أمام متجره يشترون ذلك العسل المغشوش. عجبي! ولكن عجبي زال عندما قال لي حكيم قريتنا: مشكلتك أنك لم تفهم إستراتيجيات السوق والتسوق. العسل المغشوش يا صديقي يحتاج لآلاف الجمل المعسولة لكي يبُاع، والناس يشترون الكلام المعسول ولا يشترون العسل الحقيقي. بغلة عندما تفوه قائلاً إن البغلة في الإبريق. ارتفعت حواجب كثيرة من الدهشة وانعقدت اجتماعات طارئة لمناقشة ذلك التصريح الطارئ وانبثقت لجنة لتقصي الحقائق رفعت تقريراً ينادي بمثوله أمام لجنة تحقيق كبرى. العسس الذين بعثتهم اللجنة نظروا في جميع أنحاء الإبريق لم يجدوا بغلة تذكر.. وهكذا سيق للمحاكمة بتهمة إشانة سمعة البغلة والبهتان الضار. موت جاءني في المنام ليقول لي: ماذا تعرف عن الموت؟ قلت: هو الشيء الذي نظن أنه يصيب الآخرين ونستبعد أن يصيبنا. قال: إذاً جربه. قلت: كيف أجربه؟ قال: أن ترى ولا ترى. أن تقوم فتقعد، أن تتكلم «ساكت» فلا تسمع إلا صوتك، أن يكون صديقك كلب. وعندها أدركت أننا ميتون منذ زمن بعيد.