المشاريع الزراعية المروية تهدف إلى إعادة التوازن الاقتصادي للمجتمع السوداني وتساهم كثيراً في زيادة دخل الفرد ودفع الاقتصاد القومي إذا ما تم تأهيلها والاهتمام بها، ويقول الخبراء إن بداية المشاريع المروية كانت بعد الحرب العالمية الثانية كمشاريع خاصة وتم تأميمها بالبلاد في النصف الثاني من الستينات وسميت بالإصلاح الزراعي، وفي منتصف السبعينات تحولت إلى مؤسستي النيل الأزرق والنيل الأبيض واستمرت ناجحة إلى مجيء نظام الإنقاذ وتم تحويلها بعد ذلك إلى شركات في منتصف التسعينيات ولكن لعدم الكفاءة والتأهيل فشلت التجربة بالذات في مؤسسة النيل الأزرق وقبل أن يحدث الانهيار الكامل صدر قرار بأيلولة المشاريع المروية إلى وزارة الزراعة إدارياً مع عدم حل الشركات لما عليها من ديون.. وأكد المراقبون أن عدم وجود الإدارة الفنية بالمعنى الحقيقي وعدم وجود الدراسات والتأهيل المناسب لهذه المشاريع والتعنت والعبث الإداري خاصة بعد أن صار التمويل بواسطة إتحاد المزارعين لم تحقق المشاريع النتائج المرجوة منها إلى أن تصدّت وزارة المالية لمعرفة ما يدور مالياً في أروقة المشاريع المروية في الشهور السابقة بالمراجعة لهذه المشاريع والتي من خلالها تم الكشف عن مخالفات مالية بينة أصبحت حديث مواطن ولاية سنار في جلسات الأنس والسمر والمجتمعات، معظم هذه المخالفات حوافز ومخصصات متضاعفة من غير وجه حق وبصورة مخالفة للوائح والإجراءات المالية كما يقولون. وأفادت مصادر ذات صلة بهذه المشاريع أنه تم ضبط أكثر من 700 ألف جنيه «700 مليون بالعملة القديمة» مخالفات مالية وما يفوق 300 ألف جنيه «300مليون» عبارة عن اختلاسات وأن أكثر من «70%» من جملة هذه المبالغ تم التصرف فيها على مستوى إدارة المشاريع المروية خاصة هذا الموسم الذي يمكن أن تتدنى فيه الإنتاجية للفشل الإداري الواضح ودخول الموسم بإمكانات ضعيفة.. وعبر مصدر آخر عن أسفه لسعي بعض الجهات بكل جهدٍ وطاقةٍ لوأد هذه القضية رغم التعدي الواضح على المال العام والذي أضر بالمزارعين والمشروعات المروية والإنتاج والإنتاجية و لسكوت وزارة الزراعة واتحاد المزارعين طيلة هذه الفترة في الوقت الذي عبروا فيه عن سرورهم لوزارة المالية ومدير عام الوزارة الجديد للتصدي لهذا الفساد بعد تقرير المراجع العام واعتقال عدد من المتهمين وزجهم بالسجن. مدير عام وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري الريح حسين الشريف أوضح أن الإجراءات والبلاغات ضد المتهمين قيد التحري مشيراً إلى أن تقرير المراجع العام جاء على شقين استرداد وفتح بلاغات وعلى ضوء ذلك تقدمت الوزارة بفتح بلاغ ضد ثلاثة متهمين الأسبوع الماضي من بينهم مدير عام المشاريع المروية وآخرون «محاسبين ومراقب مالي ومفتش زراعي» وارتفع العدد إلى 8 متهمين حتى الآن، وأبان أن التعدي على المال العام كان في المشاريع المروية، وكشف أن حجم المخالفات يفوق أل 600 ألف جنيه «600 مليون جنيه قديم». وأكد ل«الإنتباهة» مسؤول مالي بولاية سنار التعدي على المال العام، وقال إن الاتهام واضح بكشف التزوير والاختلاس في المشروعات المروية التي لم تراجع من قبل ومن خلال المراجعة الداخلية وتأكيدات المراجع العام تبين أن مبالغ مالية كان ينبغي أن تورّد في حساب الدولة ولكنها لم تورّد، هذا فضلاً عن الحوافز والبدلاتغير المستحقة مشيراً إلى أنه وبعد دخول المراجعة في شهرها الثامن تم الكشف عن مخالفات مالية تفوق الألف جنيه «مليار بالقديم» والمراجعة مستمرة... وأبان المصدر أن المراجعة ومنذ أواخر فبراير الماضي كانت تتم في صمت بغرض تصحيح مسار المال العام وإكمال الدورة المحاسبية والمستندية لكشف الحقائق، وأكد ذات المصدر حرصهم على إرجاع المال العام إلى خزينة الدولة أكثر من إدانة أو تجريم أي أحد أو زجّه بالسجن في الوقت الذي أكد فيه وجود مخالفات مالية أكبر بكثير مما تم كشفها لكن ستكشف الحقائق كلها بعد اكتمال الإجراءات مشيراً إلى أن قائمة المتهمين تطول وأن الإجراءات القانونية لمحاسبة هؤلاء مسؤولية النائب العام ومتى ما طلب منّا الإثبات نقدم المستندات. فيما اشتكى كثيرٌ من العاملين بوزارة الزراعة من العنجهية الزائدة والدكتاتورية المفرطة من قبل بعض المسؤولين بالوزارة والمشروعات المروية، وقال آخرون إن المشروعات المروية كانت تدار بالمزاج والعلاقات وبطريقة تتعارض تماماً مع قوانين ولوائح الخدمة المدنية وكأنها مزرعة من مزارع العبيد في أمريكا في القرون الوسطى مشيرين إلى الاستقطاعات ومجالس المحاسبة للعاملين من قبل المتقاعدين والتي غالباً ما تلبي رغبات المسؤولين عموماً «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» ونقول أخيراً إن العدل آتٍ مهما طال الظلم وإن النهار آتٍ مهما طال الظلام ومن الضروري إعادة النظر في المشروعات المروية هيكلاً ومهام وتحديد الصلاحيات وتقييم إداري ومالي عادل من شأنه أن يؤدي إلى نتائج إيجابية ولكن أن هذه القضية تحتاج إلى أن يعلو فيها صوت الحق لاسترداد حق الدولة وإلى مخلصين همهم الأول والآخر المواطن والوطن والدولة لتطهير الولاية من الفساد والمفسدين.