أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألاّ تأتي... حكمة رائعة فيها كثيرٌ من أدب التماس العذر لمن يقصِّر سواء في الحضور في الموعد المضروب أو في إنجاز ما كان ينبغي أن يُنجزه في وقته المحدَّد. أقول هذا بين يدي قرار عودة برنامج «في ساحات الفداء» ثم قرار استنفار قوات الدفاع الشعبي في ولاية جنوب كردفان التي جمعت أربع كتائب قبل يومين في منطقة كالوقي وأكّدت جاهزيتها لحسم تمرد الحلو وتحرير الآلاف من المواطنين بمن فيهم النساء والأطفال المحتجَزون من قِبل قوات الجيش الشعبي والمستخدَمون كدروع بشرية. لو استمعوا إلينا منذ أن حذّرنا من نيفاشا قبل توقيعها ولو أنصتوا إلينا عندما كنا نقدِّم النصائح المجانية طوال الفترة الانتقالية التي عانى فيها الشمال من كيد وتربُّص الحركة الشعبية التي كانت تقود المعارضة من داخل مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء والبرلمان بالرغم من أنها كانت الشريك الأكبر المتمرِّغ في نعيم السلطة.. لو فعلوا ذلك لتجنَّبنا كثيراً من المعاناة ولوفَّرنا على الشمال الكثير من الوقت والجهد والمال، وكان مما بُحّت به حلوقنا حديثنا المتواصل بلا انقطاع عن ضرورة استنفار الدفاع الشعبي وبعث روح الجهاد من جديد وإعادة برنامج «في ساحات الفداء».. ذلك البرنامج الذي أسهم بنصيب الأسد في إشعال جذوة الجهاد في نفوس الأمّة التي أبدعت أدباً جهادياً قلَّ نظيرُه في التاريخ، وما من برنامج كان يشاهدُه غير السودانيين خارج السودان ويترقبونه ويتفاعلون معه غيره، ولعل الناس يذكرون قصة الشاعر صلاح أحمد إبراهيم رحمه الله والذي حكى كيف قضى تلك الليلة التي شاهد فيها حلقة الشهيد وداعة الله إبراهيم.. كيف قضاها باكياً يتقلَّب في فراشه حتى الصباح ثم ما لبث أن عاد إلى السودان. من أسفٍ أُحيل ذلك البرنامج العظيم الذي أيقظ الأمة إلى التقاعد وباءت كل محاولات بعثه من جديد بالفشل وشُرِّد مبدعوه وها هو يعود من جديد بعد أن هرمنا في انتظاره وبعد أن خرج الشيوعيون وبنو علمان من جحورهم وملكوا من الجُرأة ما جعلهم يتندّرون ويتهكّمون من قصص الشهداء التي كنا نوقن بصحتها ويوقن كل المؤمنين بالغيب ممّن يُمسكون هذه الأيام بخطام التاريخ ليعيدوه سيرته الأولى بعد أن تنكّب الطريق طويلاً جرّاء تطاول بني علمان من الطغاة والجبابرة الذي أذلّوا الأمة وانحدروا بها إلى القاع. إذن فقد عاد الجهاد من جديد وعاد برنامج المجاهدين فابشروا بنصر وشيك يُجلى به الخَوَنَة والمارقون ويُخزى به عرمان والحلو وعقار وعبد الواحد محمد نور. اقرأوا بالله عليكم هذا الخبر فقد اجتمع عرمان وعبد الواحد في مقر الأخير في العاصمة اليوغندية كمبالا وما أدراك ما كمبالا حيث ناقشا تفعيل تحالف كاودا والتنسيق بشأن العمليات العسكرية في كلٍّ من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، كما ناقشا مقترح هيكل القيادة العسكرية والسياسية لما يسمى «الجبهة الثورية للسودان الجديد» وذلك بحضور تعبان دينق القيادي بالحركة الشعبية بجنوب السودان وقال عرمان إن الحركة باتت لا تعوِّل على الأحزاب التقليدية لأنها أصبحت مُخترَقة بالكامل من الحكومة السودانية مضيفاً أن الوقت قد حان لتوحد الحركات المسلحة في دارفور مع قطاع الشمال لإحداث التغيير من خلال العمل المسلح. الشيوعي القديم عبد الواحد محمد نور ويا للعجب اشترط لتفعيل العمل السياسي والعسكري مع بقية الحركات الدارفورية الاتفاق على إقرار نظام علماني يتم فيه الفصل الكامل بين الدين والدولة!! إذن فإن القضية واضحة ولا تحتاج إلى بيان فما الذي جاهدت له القوات المسلحة قديماً أيام صيف العبور والميل أربعين بمختلفٍ عمّا تقاتل من أجله اليوم، وما تصدّى الدبابون قديماً للجيش الشعبي وأنزلوا به الهزائم الماحقة لغير ما حُشدوا له اليوم وأُعيد بسببه برنامج «في ساحات الفداء»، فالقوم هم القوم كأنهم قريش وأهدافهم هي ذات الأهداف القديمة... إقامة الدولة العلمانية الشركية التي تفصل بين الدين والدولة بهدف إقامة مشروع السودان الجديد الذي نذر له قرنق وأولاده بمن فيهم الرويبضة عرمان حياتهم، فهلاّ شحذ إسحق فضل الله وسيف الدين حسن وموسى طه أقلامهم وكاميراتهم لكشف ما ينطوي عليه الرويبضة وعبد الواحد محمد نور وغيرهما من أعداء الإسلام؟! لستُ في حاجة إلى التذكير بأن خطاب سلفا كير تضمّن يوم مولد دولة جنوب السودان كلاً من دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي، وهي ذات المناطق التي سمّاها عرمان في خطابه أمام الكونغرس بالجنوب الجديد الذي أرادوه منصة انطلاق لإقامة مشروع السودان الجديد. بقي لي أن أذكر من واقع تجربتي في التلفزيون أن برنامج «في ساحات الفداء» كان يُحشد له السودان جميعه وكنا نجمع جميع تلفزيونات الولايات في برامج وأوقات محدّدة من بينها ذلك البرنامج التعبوي فهلاّ أعدتم التجربة بعد أن تفرّق المشاهدون أيدي سبأ بين القنوات الفضائية!!