قال الكاتب: «قوله » ولذ به في كل مرتجى»، كلها ترجع إلى ما ذكره العلامة من أن ذلك يوم القيامة حيث يستغيث به الخلق كلهم كما يأتي بيانه. وقوله تبلى السرائر هو يوم القيامة بلا شك». قلتُ: حاول الكاتب أن يقصر ما ذكرتُه عن البوصيري في بردته وما أوردته عن البكري والبرعي من أبيات فيها الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام وصرف العبادة له.. حاول أن يقصر معانيها على ما يكون في يوم القيامة من شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام في المقام المحمود.. !! والكاتب الذي حمّل نفسه مهمة الدفاع عن الصوفية وعقائدهم بتقليد أدخله أنفاقاً مظلمة صعب عليه خروجه منها، إذ وقع في نقل أحاديث بينت أن بعضها موضوع مختلق مكذوب وأخرى ضعيفة، كما أوقعه تقليده في نسبة كلام لبعض العلماء هم منه براء كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام.. وفي النقل أعلاه نجد أن الكاتب حاول أن يبرئ ما أتيتُ به من نماذج للغلو في النبي عليه الصلاة والسلام وقول البوصيري «مالي من ألوذ به سواك» وغيره، حاول تبرئتها من الغلو ومن الشرك بالله.. فأنكر ما لا توافقه الصوفية على إنكاره، وقصر اللجوء إلى المخلوقين من دون الله في موقف واحد !! وهذا يناقض دعوة عامة المتصوفة.. فإن الصوفية ترتبط بالأضرحة واللجوء إلى الشيوخ الأحياء والأموات ودعائهم من دون الله وادعاء أن لشيوخهم التصرف في الكون وغير ذلك مما أراد الكاتب إنكاره، وهو بذلك يخالف ما عليه الصوفية.. ولا أدري هل الكاتب يجهل حقيقة التصوف؟! أم أنه يسير على شاكلة المثل «عنز وإن طارت» في إنكار الحقائق المؤكدة لمجرد الإنكار أو للخروج من المؤاخذة.. وحتى يبرئ ساحة التصوف.. ومن المؤكد أننا نتمنى ألا يلجأ أحد لغير الله في ما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه ونفرح بذلك.. لكننا أمام واقع مؤسف ومحزن نجتهد لتغييره بالحسنى محبة للخير للناس وإبراءً للذمة. وما ذكره الكاتب هو ما يجتهد السلفيون إليه أي ألا يدعى ميت ولا يدعى حي في ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فالدعاء هو العبادة، وصرفه لغير الله شرك ونصوص الكتاب والسنة واضحة في ذلك.. ولطالما أورد الكاتب كلامه أعلاه بل كرره عدة مرات، فإني ولأجل المبالغة في النصح له ولغيره، أورد ما يدحض ما جاء به من كتب المتصوفة، ونماذج ذلك من المنظوم والمنثور كثير جداً، وأمامي في مكتبتي كتاب «يستنبئونك» للبروفيسور حسن الفاتح قريب الله، فأورد لإثبات أن اللجوء عند القوم لغير الله في الدنيا وفي ما لا يقدر عليه إلا الله وأنه لجوءٌ إلى عامة الشيوخ وليس قاصراً على النبي عليه الصلاة والسلام!! فمن أمثلة ذلك من الكتاب المذكور ما يلي: جاء في كتاب «يستنبئونك» للبروفيسور حسن الفاتح ص «183» أن الولي يخرج من قبره ليقضي حوائج الناس، حيث قال: «هل في إمكان الولي أن يخرج بنفسه من القبر ليقضي للناس حوائجهم؟» ثم أجاب بقوله: «بما أن الفاعل الحقيقي في حياة الولي هو لله تعالى عملاً بقوله «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي»، فإن ذات الفاعل قادر على فعل ما يشاء حتى بعد وفاة الولي سواء أكان ذلك منه بإسناد قضاء الحوائج إلى ملك أو إلى صورة تنشأ من همة الولي، أو إلى الولي نفسه حيث أن للأولياء الإطلاق في البرزخ والسراح لأرواحهم، وبها يخرجون لقضاء الحوائج». وفي ص «103» أورد البروفيسور حسن الفاتح وادّعى أن الوقوف بين يدي المشايخ أحياءً كانوا أو أمواتاً مقدار «حلب شاة» أو «شوي بيضة» أفضل من عبادة الله تعالى !!! حيث قال: «علام يستند البعض في دعواهم بأن وقوفهم بين يدي المشايخ أحياء أو أمواتاً أفضل من العبادة؟» ثم أجاب بقوله: «كان ولا يزال سند من يدعون أن وقوفهم بين يدي المشايخ أفضل من العبادة، هو ما ورد عن أبي علي الدقاق، أو الفقيه محمد الحسين البجلي حيث قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: وقوفك بين يدي ولي كحلب شاة أو كشي بيضة، خير لك من أن تعبد الله حتى تتقطع إرباً إرباً، فقلت له: حياً كان أو ميتاً؟ فقال: حياً كان أو ميتاً». قلتُ : أرجو ممن لا يصدّق هذا الكلام أن يراجع الكتاب المذكور برقم الصفحة التي ذكرتها، ليرى هذه الخرافات والخزعبلات، وتقديم الوقوف بين يدي الشيخ في حياته أو بعد مماته على عبادة الله تعالى الذي خلق الخلق لعبادته، وأرجو أن ينتبه كل من يتبع هؤلاء القوم بجهل أن هذه من مصادر التشريع عندهم، أن يخبرهم شخص بأنه رأى في المنام رؤيا للنبي عليه الصلاة والسلام وقال افعلوا واتركوا ... وبمثل هذه الرؤى تُبَدّلُ الشريعة، ورؤيا الدقاق المذكورة شبيهة برؤيا صاحب الفيديو الذي علقت عليه بمقال نشر بهذه الصحيفة قبل أيام والفيديو للشخص المسمى شيخ خليفة الذي قال شيّخني الرسول عليه الصلاة والسلام وقال لي: اضمن بضمانتي !! وهذه المنامات وجعلها مصدراً للعقائد والأحكام من أسباب الانحراف الذي يقع عند أتباع الطريقة. وقال البروفيسور حسن الفاتح في كتابه «يستنبئونك» والذي طبع عدة طبعات واقتنيته في معرض كتاب دولي خارج البلاد قال في ص «156» ونقل ناشراً في الآفاق إن الشيخ «السماني» يأتي لمن عملوا بعهده في الحال. فإن كانوا في الشرق وهو في الغرب رأوه أمامهم جهاراً في الحال، وأجاب طلباتهم وأمرهم!! وهو خلاف ما ذكره الكاتب أبو عبيدة الذي كتب بكل سذاجة أن اللوذ بالنبي والاستغاثة به الواردة في كلام البوصيري والبكري والبرعي هي في الآخرة فقط !! حيث قال حسن الفاتح: «جاء في كتاب البصائر ما نصه «تواتر عن كثير من الأولياء أنهم ينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم» ثم قال: «ذكر سيدي السماني في رسالته «كشف الأستار عن اسمه تعالى القهار» ما نصه: «إن أخذتم يا أولادي عندي وعملتم بوصيتي سمعتم كلامي ولو كان أحدكم بالمشرق وأنا بالمغرب رأيتم شخصي، ومهما أشكل عليكم أمر من ورادات سركم وأردتم تستخيرون ربكم في شيء أو قصدكم أحد بأذية فوجهوا وجهكم وصفوا سركم وأطبقوا عين حسكم وافتحوا عين قلبكم فإنكم تروني جهاراً فاستشيروني حينئذٍ في جميع أموركم واطلبوا مني حوائجكم فما قلته لكم فاقبلوه وامتثلوه». وفي ص «154» تحت عنوان: «من يقول إن الميت لا يقضي الحوائج ويفرق بين الولي الحي والولي الميت في ذلك فهو: مُشْرِك فَاسِدُ العقيدة!!».. يقول البروفيسور حسن الفاتح: «الشيخ قد يكرمه المولى أثناء حياته فيقضي للناس حوائجهم إذا ما توسلوا إليه به أو بعمله، وقد ينيله ذات الفضل أثناء مماته إذا ما توسلوا به كذلك أو بعمله». وهذا من ضرورات التصوف، ولا أدري كيف تجرأ الكاتب المقلد لإنكار ذلك!! ومما ورد في هذا الكتاب ص «163» دعوى حسن الفاتح أنه قد شوهدت الكعبة المشرفة تطوف بجماعة من الأولياء!! بل يدعي مؤلف كتاب «يستنبئونك» البروف السماني أن الأولياء يتصرفون في الكون في عالم الغيب والشهادة والبرزخ والملكوت والجبروت، فأورد في ص «183» أنه وبالبخورات فإن علماء الباطن يتصرفون في «عالم الغيب والملكوت» ورجال الحد: يتصرفون في «عالم الجبروت» ورجال الظاهر: يتصرفون في «عالم الشهادة» ورجال المطلع: يتصرفون في «الأسماء الإلهية»!!! ثم بيّن من هم رجال الظاهر، والباطن، ورجال الحد، ورجال المطلع بقوله: 1/ رجال الظاهر، وهم من «صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، وهؤلاء لهم التصرف في عالم الملك والشهادة. 2/رجال الباطن، وهم من «لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله»، وهؤلاء لهم التصرف في عالم الغيب والملكوت، فيستنزلون الأرواح العلوية بهممهم في ما يريدونه مستعينين على ذلك بالبخورات وما أشبهها.. علماً بأن الأرواح المستنزلة هي أرواح الكواكب لا ذوات الكواكب، بل ولا أرواح الملائكة من حيث أن الأولى قد جعل الله تعالى المطالع شعاعاتها في عالم الكون والفساد تأثيرات معتادة عند العارفين بها؛ أما الأخيرة «أعني أرواح الملائكة» فهي لا تتنزل إلا بأمر الله عملاً بقوله تعالى: «وما نتنزل إلا بأمر ربك». 3/ رجال الأعراف أو رجال الحد، وهؤلاء هم أهل الشم والتمييز والسراح عن الأوصاف حيث لا صفة لهم، ممن خصوا بالتصرف في عالم الأرواح النارية «عالم البرزخ والجبروت» فيستنزلون أرواح الشهب والثواقب.. إنهم رجال الرحمة التي وسعت كل شيء، ورجال الحد الفاصل بين دار السعداء ودار الأشقياء ومن ثم فلهم في كل حضرة دخول واستشراق. 4/ رجال المطلع أو الملامتية، وهؤلاء لهم التصرف في الأسماء الإلهية فيستنزلون بها كل ما هو تحت تصريف الرجال الثلاثة السابقين. قلتُ: هذا شيء من الاعتقاد الصوفي الذي حاول الكاتب أن يخفيه، وقد أتاح لي الكاتب بما كتب بهذه الصحيفة وانتقل هذه الأيام ليعيده ويكرره في صحيفة «آخر لحظه» أتاح لي فرصة مناسبة لمزيد من التعريف بالتصوف والصوفية والذَّبِّ عن السلف والسلفية، ولبذل المزيد من التوضيح وتمليك جزء يسير من الحقائق الكثيرة التي لدينا والتي تخفى على كثيرين، فإنه بما نشر وادّعى وافترى كان تعقبه ولو بهذا الموجز واجباً رغم امتداد الحلقات وتأخير الكتابة في موضوعات ملحة، ولعله يكون من باب: «وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً». وأواصل في الحلقة القادمة إن شاء الله.