«رب ضارة نافعة» عبارة أطلقها عدد من قيادات أبو كرشولا بولاية جنوب كردفان في اشارة لما تعرضت له المنطقة من هجوم غادر من قبل الجبهة الثورية والحركة الشعبية في نهاية أبريل من العام الماضي، قبل أن تستردها القوات المسلحة وتفرض سيطرتها عليها، وبالرغم من الخسائر التي أحدثها ذاك الهجوم والتي عمت الأنفس والحرث والضرع والممتلكات ومازالت آثارها باقية، إلا أن بداية جديدة تبشر بعودة أبو كرشولا لسابقها، ولعل اولى فوائد ما جنته أبو كرشولا من الحرب هو إعلان والي جنوب كردفان المهندس آدم الفكي ترفيع ابو كرشولا إلى محلية ضمن محليات الولاية، إلى جانب اختيار الأستاذ غريق كمبال معتمداً لها، وهو القرار الذي وجد ارتياحاً وسط قيادات ومواطني المنطقة، ولعل اختيار غريق لقيادة دفة الأمور في المحلية يبدو أمراً بالغ التعقيد، لجهة أنها محلية خرجت من رحم المعاناة تتجاذبها ملفات تتزاحم عندها الاولوية، لكن يبدو أن غريق أمسك بأخطر الملفات وأهمها، وهو ملف التصالحات بحسب مراقبين هناك، وذلك بوضعه خريطة طريق يحاول معها رتق النسيج الاجتماعي والعمل على إصلاح ذات البين بين مكونات مجتمع ابو كرشولا وما أحدثته الحرب من شرخ لهذا النسيج لخلق أرضية صالحة ينفذ عبرها برنامج التنمية والإعمار وبقية مشروعات التنمية، فبعد تدشين المحلية الجديدة عبر احتفال حاشد تقدمه والي الولاية وعدد من الوزراء الذين أمنوا على دعم المحلية ومساندتها، تواصل التفاعل والحراك وانطلقت مسيرة البناء والاعمار مع قيام المؤتمر الاول للتصالح، وكانت ضربة البداية بمؤتمر الأسرة، وهى احد فروع قبيلة الحوازمة الحلفاء بحضور ومشاركة اعيان القبيلة وقيادات الادارة الاهلية بالجبال الشرقية من مناطق ابو جبيهة والفيض وام برمبيطة وخور الدليب وام بركة، وذلك في الفترة من 22 الى 23 يناير الجاري، وقدمت خلال المؤتمر اربع ورقات ابتدرت بورقة حول وسائل درء النزاع في الإسلام قدمها قدمها الشيخ عبد المطلب عثمان أرجع خلالها اسباب الصراع الى تضارب المصالح والتنافس على الموارد واختلاف الافكار والمعتقدات، واشار إلى وسائل نزع هذه الصراعات من ضمنها السلام الذي قال انه جوهر القضية، الى جانب بناء الثقة، فضلاً عن اهمية عمليات التصاهر بين مكونات المجتمع، فيما قدم الاستاذ محمد إدريس ورقة بعنوان «الرؤية المستقبلية» لقبيلة الاسرة، ادارها د. علي حمودة. واستعرض ادريس تاريخ القبيلة ووجودها في عدد من مناطق الولاية المختلفة، وأشار الى دورها الوطني والجهادي منذ الثورة المهدية مروراً بالاستقلال والمشاركة في قوات الدفاع الشعبي حماية للدين والأرض، وأبان إدريس أن القبيلة متعايشة مع مكونات المجتمع وترفض بشدة سياسة الإقصاء بسبب العرق أو القبيلة، ودلل على ذلك بحدوث تصاهر بينهم وبين القبائل الاخرى، وعزا أسباب الصراع في المحلية الى حدوث نزاع في بادئ الامر بين راعٍ ومزارع في منطقة هجيليجة، وتحول بعد ذلك الى صراع قبلي بسبب إذكاء نيران العصبية، وأسهمت الحركة الشعبية حين استغلت الظرف في توسع هوة الخلاف مستعينة بحركات دارفور المتمردة، مما أدى تدمير وخراب أواصر المنطقة الى هذا الحد، وأعلن مقدم الورقة انهم يمدون أياديهم بيضاء رغم ما وصفها بالمرارات. ويشار إلى أن هذه الورقة وجدت حظها من التداول والإشادة من القيادات الاهلية الذين ابدوا ارتياحهم لموقف الاسرة تجاه قضية الصلح وتمسكهم به. وأعقب ذلك تقديم ورقة عن الخسائر التي تعرضت لها ابو كرشولا جراء الاعتداء، وقدرت خسائر الغرفة التجارية في مجال المحاصيل وغيرها بمبلغ «4.489.000» جنيه، اضافة الى خسائر الغرفة الزراعية والثروة الحيوانية والبساتين والأحياء والفرقان التي وصلت إلى «42.974.000» جنيه، وأعقبت ذلك تلاوة توصيات المؤتمر التي طالبت الحكومة بدفع ديات الشهداء ورعاية اسرهم وتعويض الجرحى، إلى جانب التعويض المجزي لما لحق بالمواطنين من خسائر مادية، وشدد المؤتمر على إنفاذ برنامج العودة الطوعية مع إعادة تأهيل المؤسسات الخدمية، وطالب المؤتمر ببسط هيبة الدولة إلى جانب تقوية الإدارة الأهلية مع التأكيد بعدم قيام أية عمودية لإدارة الأسرة إلا في حال الرجوع إليهم، وأعلن المؤتمر المساهمة في دعم صندوق نهضة محلية أبو كرشولا. ومع ختام جلسات المؤتمر اشاد معتمد محلية أبو كرشولا الأستاذ غريق كمبال بالمؤتمرين وقيادات الإدارة الأهلية المشاركين في المؤتمر، والذين لعبوا دوراً في إنجاحه، إضافة إلى جهود منظمة أبو كرشولا للسلام والتنمية التي قال إن المحلية تنتظر منها الكثير، مبيناً أن المؤتمر سيكون فاتحة لمؤتمرات مماثلة مع بقية المكونات، إضافة إلى مؤتمر للشباب، وقال إننا نسعى لتوفير الخدمات للمحلية، وأكد كمبال التزام الحكومة بتنفيذ ما جاء في توصيات المؤتمر، مبيناً أنها تمثل خريطة طريق لإعادة بناء وتعمير المحلية. وتعهد غريق كمبال آدم بحسم كل أوجه التفلتات الأمنية بالمحلية وضبط انتشار الأسلحة وسط قوات الدفاع الشعبي التي قال إنها تحتاج إلى ترتيب وتأهيل وتدريب يؤهلها لأداء مهامها المنوطة بها في المنطقة، ودعا غريق إلى تناسي ما وصفها بالمرارات والأحقاد بين مكونات مجتمع المحلية، مبيناً أن المحلية ينتظرها الكثير من جهود أبنائها حتى تعود لأمجادها بتحقيق التنمية في كل الأصعدة، ويبقى القول أن المؤتمر شكل حراكاً لم تشهده أبو كرشولا مع ميلادها محليةً، الأمر الذي جعل كثيراً من المراقبين يبدون تفاؤلهم تجاه العملية السلمية ورتق النسيج الاجمتاعي بالمحلية.