نتيجة الانتخابات التونسية واحتفالات ليبيا بإطاحة بالدكتاتور معمّر القذافي كانت أنباء سيئة، حيث أفسدت عطلة الأسبوع للمتزمّتين في الغرب، ولعل النبرة الإسلامية للاحتفالات الليبية، مقترنة بفوز الإسلاميين في انتخابات تونس، استحضرت استعارة عن تساقط أحجار الدومينو من حقبة الحرب الفيتنامية، ولعل الانتخابات التونسية أسفرت عن فوز لاعب رئيسي جديد في الحياة السياسية في تونس لمرحلة ما بعد بن علي، إلا أن التحدي الأكبر هو كيف ستدير النهضة المرحلة القادمة؟ ومع من؟ خاصة أن التحدي الأكبر الذي يواجه النهضة هو الاقتصاد، ويقول مراقبون إن حزب النهضة يمكنه فرض تصوره الخاص لقيادة البلاد التي راكمت على مدى عشرات العقود تجربة انفراد حزب واحد بالسلطة بالمنهج العلماني، لكنه أيضاً في حاجة لشركاء لتحمل أعباء المرحلة القادمة، لذلك ترك الباب مفتوحاً أمام كل ألوان الطيف الحزبي دون استثناء، كما أن التونسيين ليسوا على استعداد للعودة إلى الوراء، لذا نجد أن حزب النهضة مد يده للشركاء السياسيين الذين رفضوها سريعاً، في مقدمتهم الحزب الديمقراطي التقدمي «يسار وسط» الذي يتزعمه أحمد نجيب الشابي، وأكدت أمينته العامة مي الجريبي رفضها التحالف مع النهضة معتبرة أن مكان الحزب الطبيعي هو المعارضة، وشاركها في الرفض كذلك حزب التجديد «يسار» الذي يتزعمه أحمد إبراهيم، لكن رغم ذلك أبدى كل من المعارض السياسي السابق منصف المرزوقي زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية «يسار قومي» ومصطفى بن جعفر زعيم حزب التكتل «يسار»، رغبتهما في التحالف مع حزب النهضة، حيث شدد المرزوقي على ضرورة المشاركة في حكومة وحدة وطنية التي سبق أن أبدى استعداده للمشاركة فيها قبل الانتخابات، ومن شأن مشاركة الأحزاب الديمقراطية في حكومة يقودها حزب النهضة، أن تمنح ضمانة قوية تحافظ على الحريات الأساسية في تونس. وبدوره اعتبر المحلل السياسي الفرنسي جيل كيبيل الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في باريس والمتخصص في الأحزاب الإسلامية، فوز حركة النهضة في تونس تعبيراً مشروعاً من الشعب التونسي عبر صناديق الاقتراع، مضيفاً أن الأحزاب الإسلامية تحتل اليوم الواجهة في الثورات العربية، مشيراً للقوة الانتخابية للإخوان المسلمين في مصر، والتمركز المعبر للمجموعات القريبة من الإسلام السياسي بليبيا يدل على أن هذه الحركة نجحت في تجسيد البديل عن الدكتاتوريات التي كان أكبر ذنبها في نظر الشعوب أنها كانت مرتبطة بالغرب وأوروبا، لذلك فإن الإسلاميين حققوا نجاحاً تلقائياً على حساب الأحزاب العلمانية في تونس، رغم أنها أيضاً عانت في عهد النظام السابق ولم تستطع القيام بدور ملموس في حياة المواطن التونسي كما كان حزب النهضة الإسلامي يفعل. ويقول المحلل الفرنسي إنه متيقن أن حزب النهضة يخطط لحزب يقود الحكم، ويقتضي الأمر تحقيق الازدهار في المجتمع التونسي، وبالتالي لا يجب التخوف من أن تحقق الحركات الإسلامية انتصاراً في الانتخابات في تونس أو في دول غيرها.