السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    تيك توك يحذف 16.5 مليون فيديو في 5 دول عربية خلال 3 أشهر    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    وفد المعابر يقف على مواعين النقل النهري والميناء الجاف والجمارك بكوستي    الناطق الرسمي باسم قوات الشرطة يكشف عن إحصائيات بلاغات المواطنين على منصة البلاغ الالكتروني والمدونة باقسام الشرطةالجنائية    وزيرا الداخلية والعدل: معالجة قضايا المنتظرين قيد التحرى والمنتظرين قيد المحاكمة    صقور الجديان في الشان مشوار صعب وأمل كبير    الشان لا ترحم الأخطاء    والي الخرطوم يدشن أعمال إعادة تأهيل مقار واجهزة الإدارة العامة للدفاع المدني    الإسبان يستعينون ب"الأقزام السبعة" للانتقام من يامال    تكية الفاشر تواصل تقديم خدماتها الإنسانية للنازحين بمراكز الايواء    مصالح الشعب السوداني.. يا لشقاء المصطلحات!    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    دبابيس ودالشريف    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوغندا.. أوكار الأفاعي وعبقرية التآمر
نشر في الانتباهة يوم 01 - 02 - 2014

ربما ليس ثمة هنالك دولة تعجّ بأوكار الأفاعي، والمافيا المحليَّة والدولية المرتبطة بصفوة عِرقية سياسية، مثل يوغندا. فهذه الدولة، ومنذ مجيء يويري كاقوتا موسفيني إلى السُّلطة في عام 1986م، أضحت تنزلق وتسقط في جُبِّ الجرائم العابرة للحدود تحت غطاء التدخُّلات العسكرية «المشروعة» في دول الجوار.
وقد شملت تلك التدخُّلات إيصال بول كاقامي، ضابط استخبارات موسفيني السابق ورئيس رواندا الحالي، إلى السُّلطة عقب ما عُرِفت بمجازر الإبادة الجماعية في رواندا.
والتدخُّلات في جمهورية الكنغو الديمقراطية، إفريقيا الوسطى وإرسال قوَّات إلى الصومال في محاكاة لدور نيجريا «العُظمى» في تجارة عمليات حفظ السلام الأممية المربحة. والآن بين أيدينا الحقيقة الماثلة والمعضلة الشائكة المفتوحة على كل الاحتمالات، والمتمثِّلة في نشر قوَّات الدفاع اليوغندية في جنوب السودان. وقد أتت الموافقة على نشرها من التشريعيين اليوغنديين بأثرٍ رجعي، أي بعد تدخُّل تلك القوَّات من دون تفويض قانوني.
وبالنظر إلى طبيعة تفكير موسفيني وعشيرته البلالو التوتسي، وخاصَّةً أخيه كاليب أكاندوا ناهو المعروف باسمه الحركي سالم صالح والراحل الجنرال جيمس كازيني والضبَّاط النافذين من التوتسي، فإن الحرب في جنوب السودان فرصةٌ ذهبية أتى بها القدر ولا بُدّ من اهتبالها.
فموسفيني له طموح في أن يصل نفوذه إلى الحدود السودانية ويتخطَّاها إلى تخوم الدول العربية مثل ليبيا ومصر. وقد كانت الجغرافيا هي العقبة الكأداء أمام تقدُّمه شمالاً، ويبدو أنه وحسب حساباته، التي ربما تثبت الأيام أنها خاطئة، فإن وجود قوَّاته في جنوب السودان يعني أنه يدنو أكثر من الحدود السودانية. فقد حاول كازيني من قبل الوصول إلى دارفور عن طريق قاعدة الجيش اليوغندي في أمبومو العليا في جمهورية إفريقيا الوسطى، وإسناد الحركات المسلَّحة لاجتياح دارفور، وبالتالي يصل نفوذ يوغندا إلى الحدود الليبية.
تطوير نمط تدخُّلات فريد
إن الطريقة التي اجتاحت بها قوَّات التوتسي اليوغندية الرواندية جمهورية الكنغو الديمقراطية، تكشف مدى هلامية المنظَّمة الأُممية، فهي تدفع بقوَّات كبيرة إلى الدول التي تحتدم فيها النزاعات، ومن ثم تصبح قوَّاتها عبئاً ثقيلاً على ميزانية المنظَّمة والمانحين، ولا تُعنَى كثيراً بحل النزاع نفسه كما هو الأمر في دارفور.
أن تصل متأخِّراً
بحُكْم أن كابيلا الأب كان ضمن مجموعات الشيوعيين واليساريين الذين وصلوا إلى السُّلطة بعد أفول نجم المعسكر الاشتراكي، فقد استعان برفاقه المتمرِّدين من لدن موسفيني وكاقامي لدحر معارضيه. وقد تدفَّقت القوَّات اليوغندية والرواندية وناصرت كابيلا، بيد أنها بدأت تعيث فساداً في أرض تلك الجمهورية، وتستغل الموارد المعدنية وتنهب كل شيء، بما في ذلك قوت المواطنين من الغلال. وأوجد اليوغنديون، بقيادة الجنرال الراحل كازيني، سُلطةً بلغت بها الجرأة، وبمباركة قائد حركة تحرير الكنغو الذي جرت محاكمته في لاهاي، جان بيير بيمبا، أن بدأوا بطباعة العملة الكنغولية من فئة المائة فرنك، وقد اتَّهم تقرير الأُمم المتَّحدة الموسوم: «لجنة خبراء الأُمم المتَّحدة حول الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية وأشكال الثروات الأُخرى في جمهورية الكنغو الديمقراطية»، اتَّهم سالم صالح بأنه وراء عمليات التزوير تلك.
وقد كوَّن الأمين العام السابق للأُمم المتَّحدة، كوفي عنان، لجنة الخبراء تلك بعد أن أصبحت منطقة البحيرات تنضح بجرائم جيش يوغندا وربيبتها رواندا.
صدر تقرير الأُمم المتَّحدة المذكور آنفاً في عام 2001م فيما يزيد على 250 صفحة، قُسِّمت إلى أربعة عشر باباً شملت الملخَّص وإطار عمل منهجي والفاعلين الرئيسيين، بما في ذلك الشركات عابرة القومية(transnational corporations) المرتبطة بمافيا السُّلطة في كلٍّ من يوغندا ورواندا.
فإضافة إلى إلقائه الضوء على الجرائم التي اقترفها جنرالات الحرب اليوغنديون والروانديون، ألقى التقرير كذلك الضوء على الشركات الأوربية وغيرها التي قامت بشراء المعادن المنهوبة من الكنغو، وأهمّ تلك المعادن الكولتان المعروف بالتانتلايت الذي يدخل في الصناعات الإلكترونية ولا تنتج رواندا ذرَّةً منه، بيد أنها تصدِّره.
ومن ضمن الشركات التي اشترت الكولتان وخام القصدير المنهوبين من الكونغو، أورد التقرير أسماء تسع وثلاثين شركة غربية، آسيوية وإفريقية.
وكان نصيب الأسد للشركات البلجيكية، إذ بلغت ثلاث عشرة، تلتها ألمانيا بخمس شركات، وتوزَّعت الشركات الأخرى بين شركات إقليمية: كينية، رواندية وتنزانية، وآسيوية: ماليزية، هندية وباكستانية، وأخرى غربية: أمريكية، بريطانية وروسية.
ماذا فعلت يوغندا
يمكننا تتبُّع ما اقترفته يوغندا من خلال سيرتَي كلٍّ من الأخ غير الشقيق لموسفيني، سالم صالح، وقريبهما الراحل جيمس كازيني.
سالم صالح
يبلغ سالم صالح من العمر 54 عاماً. وهو الأخ غير الشقيق لموسفيني. وقد شغل منصب وزير الدولة للتمويل الأصغر، ثم مستشاراً اقتصادياً وعسكرياً لأخيه.
وقد ورد اسمه في تقرير الأُمم المتَّحدة آنف الذكر. وتورَّط في قضايا فساد مثيرة للجدل على مدى العقدين الماضيين، وشملت اختلاس أموال الجيش، ونهب موارد الكنغو وعمليات قتل الهوتو في إيتوري بشرق الكونغو.
ولم يكمل سالم صالح تعليمه، إذ ترك مقاعد الدراسة في عام 1976م وانضمّ إلى المعارضة اليسارية المتمثِّلة في «جبهة الإنقاذ الوطني» التي اتَّخذت من تنزانيا مقرَّاً لها، ومن ثم تلقَّى تدريباً عسكرياً مع جبهة فرليمو (جبهة تحرير موزمبيق) بقيادة سمورا ميشيل ربيب الاتِّحاد السوفيتي السابق.
وعقب إطاحة عيدي أمين وإجراء الانتخابات التشريعية، انشقّ موسفيني بسبب أن غلّته من تلك الانتخابات كانت قليلة، وتمرَّد، فانضم إليه سالم صالح وجيمس كازيني فيما عُرِف بحرب الأدغال Bush War، وقادا الهجوم على كمبالا وأطاحا بحكومة تيتو أوكيلو في عام 1986م.
كما عمل سالم على إخماد تمرُّد رفاقه السابقين من منسوبي «جيش التحرير الوطني اليوغندي»، وقد كان برغماتياً في احتوائهم باتِّفاقيات سلام.
وعندما أصبح قائداً للجيش اليوغندي عام 1987م 1989م اتُّهِم بالفساد، فأقاله أخوه موسفيني، ومن ثمّ عيَّنه مستشاراً لشؤون الدفاع والأمن وقائداً لجيش الاحتياط، كما أنه كان مسؤولاً عن تسوية شؤون المتقاعدين الذين شاركوا في «حرب الأدغال».
وقد ورد في تقرير الأُمم المتحدة حول الاستغلال غير القانوني لموارد الكنغو الديمقراطية، ارتباط الجنرال سالم صالح وزوجته جوفيا وجيمس كازيني بالجرائم التي ارتكبها جان بيير بيمبا قائد «حركة تحرير الكنغو»، والذي تمّ تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية.
وقد وصف التقرير سالم صالح وزوجته كعناصر أساسية في استغلال موارد الكنغو الطبيعية يليهما جيمس كازيني. وقال كوفي عنان في التقرير الذي قدَّمه لمجلس الأمن في 12 أبريل 2001م إن سالم صالح وعقيلته جوفيا كانا في «لُبِّ» الاستغلال غير القانوني للموارد الطبيعية في المناطق التي تسيطر عليها يوغندا.
كما ألقى التقرير الضوء على «مجموعة فكتوريا» الشركة التي يمتلك سالم صالح معظم أسهمها. فقد تورَّطت في طباعة الفرنكات الكنغولية المزيَّفة من فئة المائة.
وقد استُخدِمت تلك الفرنكات بصورة رئيسة لشراء المحاصيل وبالدرجة الأولى محصول البن.
وبنهاية عام 1999م، تمّ إغراق محافظة الإستوائية الكنغولية بالفرنكات المزوَّرة من فئة المائة. وقد اضطر جان بيير بيمبا، الذي أمر بطباعة الفرنكات، اضطر إلى تعليق العمل بها حتى يلجم جماح التضخُّم في المناطق التي كانت تحت سيطرته.
واتَّهم التقرير بيمبا باستخدام عمالة الأطفال لاستخراج الذهب، الماس والكولتان. كما تمّ تجنيد الأطفال بموافقة السُّلطات اليوغندية التي قامت بتدريبهم.
ويشير التقرير إلى شركة ايرنافيت Air Navette التي كانت تستخدم طائرات الأنتونف لنقل المعادن المنهوبة من قيادوليت، جمينا، كاسنقاني وغيرها إلى عنتيبي.
لقد قدَّمت جمهورية الكنغو الديمقراطية شكاوى لمحكمة العدل الدولية ضد يوغندا لما اقترفته من جرائم على أراضيها، وقد حكمت المحكمة لصالح الكنغو، على أن تُقدِّم لها يوغندا تعويضاً يبلغ عشرة مليار دولار أمريكي.
ووجدت المحكمة يوغندا مذنبة في جرائم تشمل تدمير القرى والمباني المدنية، والفشل في التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية وحماية المدنيين. وقالت المحكمة إن يوغندا جنَّدت أطفالاً وحرَّضت على النزاعات الإثنية، وفشلت في وضع الترتيبات لإنهاء النزاع.
سالم صالح شخصية غير انفعالية، تختبئ أفعالها ونواياها خلف الهدوء والعقلانية، ويخطِّط جيِّداً لما يفعله، ويبقى بعيداً عن الأضواء عند تنفيذ مخطَّطاته. كما أنه يسيطر على وسائل الإعلام بعدَّة سُبُل لا يُستثنى منها شراء الصحفيين. وهو مطَّلع على كل الملفات المرتبطة بالعمليات الخارجية للجيش اليوغندي، مثل قاعدته في أنزارا بغرب الإستوائية، وخطوط الاتِّصال إلى مقاطعة إيزو وصولاً إلى قاعدة الجيش اليوغندي في إفريقيا الوسطى في أمبومو العليا حيث يزعم قادته مطاردة جيش الرَّب.
الجنرال جيمس كازيني
كانت حياة كازيني مثيرة وكان يمتاز بالجرأة والإقدام والتورط في نهب ثروات الكنغو وعمليات الاتجار بالعقارات والتحالفات مع رأس ماليين مشبوهين والتورط في الأسماء الوهمية بكشوفات مرتبات الجنود. وقد مثل عدة مرات أمام المحاكم. آخرها في أبريل 2009م أي قبل مقتله الغامض في نوفمبر من نفس العام على يد عشيقته المتهمة ليديا درارو.
ولد جيمس كازيني في مقاطعة كاسيسي غرب يوغندا وهو من التوتسي ويمت بصلة قرابة إلى الرئيس موسفيني. لم يحصل كازيني على تعليم نظامي بيد أنه انضم إلى عدة حركات متمردة وانتهى به المطاف إلى الانضمام كجندي في قوات الجيش الوطني للمقاومة الذي يقوده قريبه. موسفيني وترقى إلى أن أصبح قائداً عاماً للجيش اليوغندي وذلك بفضل جرأته وقرابته للرئيس. فهو الذي قاد مع سالم صالح الجيش الذي احتل كمبالا في عام 1986م كما أسلفنا.
وبرز نجمه عندما عين قائدًا للمدرعات بالجيش اليوغندي. ثم أرسله موسفيني لإخماد ثورة غرب النيل المعروفة بجبهة إنقاذ غرب النيل بقيادة علي بموزي.
أشتهر كازيني باستخدام القوة المفرطة ضد خصومه وعدم التورع في إلحاق الاذي بهم بأي وسيلة . وهو ما فعله مع جماعة الدعوة الاسلامية في التسعينات عندما قام بقمعهم وبدمويه غير مسبوقة وادخل الرعب في قلوب عامة المسلمين بأساليب الترهيب وزرع الجواسيس بينهم .
عندما تمت ترقيته في عام 1996م إلى رتبة العقيد أصبح قائد الفرقة الرابعة بالإنابة وتلك الفرقة تتمركز في قولو حاضرة الاشولي الذين ينحدر منهم جوزيف كوني قائد جيش الرب للمقاومة وعمل كازيني على إزاحة قائده. ونجح في ذلك فأصبح قائد الفرقة الرابعة الآمر الناهي. وعندما ترقى إلى رتبة العميد قاد عملية «الملاذ الآمن» في شرق الكنغو الديموقراطية.
في تلك الفترة كانت له صلات بالاتجار في المعادن المنهوبة والأسماء الوهمية في الجيش اليوغندي كما أنه دخل في معارك على الغنائم مع بعض قادة حلفائه الروانديين.
وبدأت أشياء كثيرة تطفو إلى السطح حول فساد كازيني ونشاطه غير القانوني واتهمته الأمم المتحدة صراحة باستغلال موارد الكنغو. وحدا ذلك بموسفيني إلى استدعائه وجعله يمثل أمام لجنة تحقيق رسمية. لم يحترمها كازيني ولم يأبه في مرات كثيرة بالمثول أمامها في المواعيد المطلوبة، ورد على الاتهامات بأنه أعطى امتيازات وتسهيلات لجهات مشبوهة لاستغلال معادن الكنغو، رد على ذلك بالقول إنه كان «مرناً». واتهمه القضاة بالكذب. بيد أنه خرج من تلك المحاكمة مثل الشعرة من العجين. وأرسل إلى نيجريا لتلقي المزيد من العلوم العسكرية. في عملية «القبضة الحديدية» التي قادها كازيني ضد جيش الرب بين عامي 2002 2004م تم اختلاس مبالغ كبيرة من خزينة الدولة بدعوى أنها ذهبت لدعم المجهود الحربي للقبض على جوزيف كوني. فقد أرسل موسفيني مبالغ كبيرة إلى قريبه كازيني وذهبت جل تلك الأموال إلى جيوب الجنرالات الذين أثروا ثراءً فاحشاً. ومن المفارقة أن الحكومة السودانية سمحت لهم بملاحقة جيش الرب داخل الأراضي السودانية وقضوا معظم الوقت في قطع خشب التيك والمهوقني. واستولوا على ثروات غابية كبيرة من جنوب السودان مما زاد أطماعهم في ثروات الإقليم.
استمرت قضية أسماء الجنود الوهمية حتى مقتل كازيني في أوائل نوفمبر من العام 2009م ولكن الرجل استثمر ما جناه من مال في مجال العقارات ورعاية نادي كرة قدم واحد على الأقل والدخول في مجال البناء وثمة شركة بناء كبيرة تملك فرعاً في جوبا يقال إنه يتقاسم ملكيتها مع متنفذين في حكومة جنوب السودان.
وقد أشارت تحقيقات مقتله بأصابع الاتهام إلى جنوب السودان ولكن لم يتم تسمية أي شخص، بيد أن العربة التي كان يستقلها حينما استدعته عشيقته ليديا درارو قاتلته المزعومة، صبيحة يوم مقتله، كانت تحمل لوحة عليها NS (ان أس) أي New Sudan «السودان الجديد» كانت تتبع لمكتب اتصال جنوب السودان في كمبالا كما أوردت الصحف اليوغندية يومئذ.
علام اختلف اللصان؟
تصارعت القوَّات اليوغندية والرواندية في مدينة كاسنقاني حيث مناجم الماس، فقد اختلفت القوتان على الدينار والدرهم. ووصف البروفيسور جيرار برونييه ما حدث في كاسنقاني بأنه «نهب واسع النطاق يستدعي صور حروب القرون الوسطى من حصار واجتياح ونهب، وأن الفرق الوحيد بين نمطَي النهب هو أن الضباط الروانديين ملزمون بقوَّة بتسليم جزء مما اغتنموه إلى وزارة الدفاع، التي لديها مكتب خاص يُعنَى بمثل هذه الأمور. والأمر ليس كذلك في يوغندا، حيث يظل ما نُهِب في أيادٍ ربما مائة ضابط نافذ وأصدقائهم من المدنيين وأُسَرهم». تقاتلت القوَّات اليوغندية والرواندية في كاسنقاني التي قُسِّمت بينهما، واستمرَّت المعارك لمدَّة ستة أيام فيما أطلق عليه مواطنو المدينة «الأيام الستة لتدمير كاسنقاني».
وقد بدأت المعارك في 5 يونيو 2000م في مدينة يدَّعي الجيشان تحريرها. وخلَّفت المعارك مائتي قتيل من الجانبين وما يقارب الألفَي جريح. وقد هُزِمت القوَّات اليوغندية بقيادة كازيني هزيمة نكراء، وهذا ناتج من أن القوَّات اليوغندية غير محترفة وسيئة التدريب ولا تسيطر قيادتها على سلوكها، فقد ترك كازيني جثث جنوده في شوارع المدينة المدمَّرة ليطولها التحلُّل والعفن.
ما هي المآلات المتوقَّعة لتدخُّل موسفيني في جنوب السودان؟
ثمَّة عدَّة احتمالات لمآل تدخُّل يوغندا في جنوب السودان، فربما تنتصر هذه القوَّات إذا ما تمّ دعمها إقليمياً من قِبَل الإيقاد، وتم قطع الإمدادات عن مشار فى حال طال أمد الحرب.
بيد أنه ثمَّة احتمالات بهزيمة سلفا كير والقوَّات اليوغندية بالنظر إلى تاريخها في القتال، فالقوَّات التي قوامها الدينكا ليست هي القوَّات التي كانت نواة الجيش الشعبي التي ضمَّت أكثر من اثني عشر ألفاً من أبناء النوبة وكتائب من أبناء المساليت وقادة مثل عبد العزيز الحلو. فقد تمّ تفكيك ذلك الجيش بانتهاء «النفير»، وخلت الساحة لأدعياء النضال الذين دائماً ما يفضِّلون الفرار يوم الزحف فيُطعَنوا في الأعجاز والظهور.
وأما الجيش اليوغندي، فلم يواجه جيشاً منظَّماً وقوياً يوماً ما، كما أنه جيش غير محترف، ويواجه عدوَّاً مشحوناً ببرمجيات من لدن «وُلِدنا لنحكم»، أو أن التوراة والإنجيل ذكرا شعب النوير الذي سينطلق من الأرض التي خرَّبتها الأنهار على قوارب ويتحدَّث لغة غريبة ويعذِّب الله بهم كوش، حيث يِترك الكوشيون جزر السباع في الشتاء وللجوارح في الصيف، ويصفِّد الأسرى العُراة منهم كما ورد في سفر أشعياء. وكوش تجدها الحبشة في طبعة والسودان في طبعات حديثة.
وفي حال هُزِمت قوَّات موسفيني، فإن تغييراً كبيراً سيحدث في المنطقة، وربما يطيح بإمبراطورية التوتسي في منطقة البحيرات.
بيد أن موسفيني ربما يلجأ إلى وسيلة محاصرة مشار ومحاولة اغتياله في معقله في أدغال ولاية جونقلي كما حاول فِعل ذلك د. جون قرنق عقب مجزرة بور في عام 1991م بيد أن مشار نفذ بجلده. وفي حال انتصر موسفيني، فسيطول بقاؤه في جنوب السودان وتكرر قواته تجربتها في الكنغو ومنطقة البحيرات، ويبدأ بالزحف شمالاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.