تحدث الأخ إسحاق احمد فضل الله عن مفاصلة الاسلاميين على أنها خدعة سياسية ومسرحية كتب سيناريوهاتها البشير وعلي عثمان والترابي، والغرض منها تفادي الخطر الذي يقترب باندفاع عنيف. ما ترتب عن هذه الخدعة المزعومة أمور عظام كان لها عظيم الأثر والخطر على وجود ذات السودان.. ومن نتائج هذه الخدعة انفصال الجنوب واشتعال الحرب في دارفور وبروز قضية المناطق الثلاث التي يعرف تلميذ الابتدائية أنها مناطق سودانية تؤكدها حدود ستة وخمسين المعترف بها عالمياً، وقد حسمت مشاكوس هذه المسألة بصورة قاطعة وعادت مرة أخرى بعد نيفاشا. وبعد انفصال الجنوب أصبح للسودان جنوب جديد وغرب وشرق.. وكل هذا يحتاج إلى تطبيق أنموذج نيفاشا عليه كما أعلن ياسر عرمان يوم توقيع البروتكولات الستة!! والخدعة التي خدع بها الإسلاميون الشعب والمخابرات التي لا تنخدع «فهي التي تخدع» خدعة ترحب بها مخابرات الغرب أيما ترحيب، طالما حققت انفصال الجنوب وألهبت الغرب والشرق وجعلت المناطق الثلاثة تغلي. يمكن أن نصدق أن الذي دار وكان يدور خلال خمسة عشر عاماً بأنه خدعة، لو اتضح لنا أن نيفاشا خدعة أيضاً، وأن ما يدور في دارفور أيضاً خدعة، وتململ الشرق أيضاً خدعة، والمناطق الثلاث خدعة، وكل ما صرف من دم ومال وأرواح أيضاً خدعة. وبهذا المنطق يمكن اعتبار الحالة الاقتصادية المتردية خدعة، والفساد خدعة، وسوء الخدمات أيضاً خدعة، وكل هذه الخدع ترتبت أو انبثقت من الخدعة الكبرى التي اطلقها الأخ إسحاق. وللحقيقة والتاريخ ولأول مرة أبوح بهذا الحديث لتوضيح الحقائق.. أذكر أنني ذات يوم ذهبت لزيارة الشيخ الترابي الذي أزوره كثيراً رغم أنني لا أنتمي لحزبه ولا للوطني.. وكان هذا اللقاء قبل عدة أعوام وكنت ساعتها أحد أعضاء منبر السلام العادل وأحد مؤسسيه، والذي ضم الكثير من السياسيين من مختلف الأحزاب بما فيها الوطني، وكي أوضح للقراء فإن منبر السلام العادل هو منبر سياسي حر ولا علاقة له بحزب منبر السلام العادل الذي يقوده الأخ الطيب مصطفى ورغم تطابق الاسم إلا أن الاثنين مختلفان تماماً. في ذلك اليوم ذهبت إلى منزل الشيخ حسن الترابي وكان ذلك في الساعة السابعة مساءً، وكنا وحدنا، فسألني الشيخ: ماذا تظن كيف ستجري الأمور، فقلت له: إن الأمور تقود إلى تفتيت السودان، وكان هذا الحديث قبل انفصال الجنوب بسنوات عديدة. قال الشيخ سائلاً: وكيف يمكن العلاج؟ أجبت أن العلاج يبدأ بك أنت أول ما يبدأ.. وقال: كيف ذلك؟! أجبت: إن بداية العلاج تبدأ بأن تمد يدك للبشير. تعجب الرجل وسأل: لماذا؟! أجبته بأن البشير هو الوحيد الذي له شرعية في هذا البلد، وأن الذين من حول الرئيس استمدوا شرعيتهم من شرعية الرئيس، وأنت في حاجة إلى تلك الشرعية التي لن تتأتى إلا بأن تمد يدك للبشير، حينها ستتساقط شرعية الكثيرين ممن حول البشير.. اقتنع الشيخ بهذا الحديث، وسألني: وكيف يمكن ايصال الرسالة للرئيس، فاقترحت الأخ الطيب مصطفى «وهو الآن موجود يمكن التأكد منه»، واتصلت به تليفونياً بعد موافقة الترابي على الطيب مصطفى، وكان يومها في القاهرة، وقد ورد عليَّ وقال إنه سوف يحضر في اليوم التالي، فطلبت منه الاتصال ساعة حضوره لأمر مهم وخطير.. وفعلاً في اليوم التالي اتصل الاخ الطيب وشرحت له الأمر، ولم أجد الرجل متحمساً لأمر كما تحمس لهذا الأمر، وذهبنا سوياً إلى الترابي وجلسنا حتى ساعة متأخرة من الليل، وكان الأخ الطيب في حالة من الفرح لم أشهدها فيه من قبل. وللحقيقة والتاريخ أقول إن الطيب مصطفى قد بذل كل ما في وسعه ولكنه لم يوفق في اقناع الطرف الآخر. وبعد أكثر من عام على هذه الواقعة وكان اليوم عيد الفطر، كنت والأخ الصديق د. الصادق الفقيه في زيارات معايدة، كان منزل الشيخ الترابي أحدها، وعلى مائدة العشاء تحدث الشيخ للمرة الثانية عن ذات الموضوع، ود. الفقيه يسمع باهتمام بالغ، وعندما خرجنا شدد د. الفقيه عليَّ أن أبذل قصارى جهدي، وقال لي إن الرجل جاد في ما يقول وعليك مواصلة الأمر، والأمر جد مهم وخطير، وإن التاريخ سيذكر لك هذا الصنيع. وبالفعل اتصلت مرة أخرى بالأخ الطيب وحضرنا إلى منزل الترابي.. وكان حديثاً طويلاً امتد حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وخرجنا وما رأيت الأخ الطيب فرحاً بمثل فرحته في ذلك اليوم.. ولكن النتيجة للأسف كانت سلبية. عدت للشيخ وكان رده الله المستعان، ولكني لم أيأس، وقلت له إن لي محاولة أخرى سأقوم بها. أعلم تمام العلم أن علاقة السيد الرئيس بالمرحوم يس عمر علاقة قوية وهو يحترمه غاية الاحترام، وأنا أعرف المرحوم منذ أكثر من ستين عاماً، فقد كان أخاً للمرحوم والدي، كما ترتبط عائلاتنا بصلة رحم. كان المرحوم يس في تلك الأيام مريضاً وهو طريح الفراش بالمنزل، فذهبت إليه وقلت له بالأمر، وزدت أن قلت إن الأمر مسؤولية أمام الله، وعلينا أن نبرئ ذمتنا، فنحن مسؤولون بذات الدرجة أمام الله، فوافقني المرحوم الرأي واتصل تليفونياً كما أخبرني بالشخص الذي يربطه بالرئيس، وطلب منه أن يبلغ الرئيس بالتكرم بزيارته، وشاء القدر أن الرئيس لم يزر المرحوم في تلك الفترة على غير عادته، فقد كنت كثيراً ما أجده في زيارة المرحوم يس..!! أقول هذا الحديث والحمد لله أن شهوده أحياء ما عدا المرحوم يس عمر رضي الله عنه وارضاه واسكنه فسيح جناته. من هذه القصة الحقيقية يبدو أن الأمر لم يكن فيه خداع ولا تورية، ولي أن أسأل ماذا كسب السودان من هذه الخدعة المزعومة. أرجو أن أجد الإجابة المقنعة.