مجموعة صغيرة الحجم عالية الصوت من واقع ما تحدثه من تشويش وارباك في مرحلة ما، ظلت تقود الحملات العدائية والدعاية الرخيصة التي ظلوا يدشنونها باتجاه الشمال وقادته، هم بضعة أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، تعارف الناس على تسميتهم بأبناء قرنق، لكنها لم تكن بنوة فكر ومبادىء كما كان زعيمهم، ولم يكونوا من مشاهير القادة المتنفذين في هرم الحركة الشعبية، ولا من أولئك الذين نبغوا أكاديمياً وحازوا على الشهادات العليا!. ولا هم من السياسيين الذين يشار إليهم بالبنان في دنيا السياسة وعوالمها مما تصنعه الأيام والوقائع، ولا يُعرف لهم تاريخ مشرف كما هو الحال في من تدفع بهم قدراتهم ومواهبهم، ولكنهم برزوا وسطع نجمهم من العقم الطبيعي لرحم منبتهم ووحي الخواء الذي ظل يلف قيادة الحركة طوال عقدين منذ نشأتها رغم وجود أمثال الدكتور منصور خالد!. معظمهم من عطلة المواهب والفاقد التربوي من عشّاق النجومية، اشتهروا بأنهم أبواق للحرب والدمار وخراب الأنفس والعلائق بين مواطني البلد الواحد، وسماسرة لسفك الدماء يقتاتون على الجماجم والأشلاء!. علا سهمهم بدقهم لطبول الحرب ونشر الكراهية والأحقاد والنعرات العرقية والجهويات التي أجادوا الترويج لها وأوصلتهم إلى قيادة الغفلة حتى غدا باقان وزيرًا لمجلس الوزراء في سودان اتفاقية السلام ووزيرًا للسلام رغم أنه داعية حرب جهير!. كبروا في إعلامنا وأحزابنا وصاروا أعلاماً بتسلقهم لماكينة اليسار بكل أطيافه وكراهيتهم للشريعة وكل ما هو إسلامي، وسارت بسيرتهم الركبان عندما أضحى الرويبضة عرمان رئيساً للكتلة البرلمانية لنواب الحركة الشعبية، وأنعم بها من نيابة التعيين يوم أن كسد سوق التشريع والقوانين!!، وهو قاتل وعميل مأجور وهارب من العدالة، بل وطمح في الرئاسة التي شهد الناس كيف سقط من على منصتها بحجم طبيعي!. بعضهم ارتبط بأبيي وصعد من فوق هرمها وخصوصيتها من أمثال لينو، ولكن سرعان ما عصفت به شطحاته عندما خُيِّل إليه أنه الحاكم الفاتح لأبيي عبر فوهة السلاح والحريق، فطار كما الرماد المتناثر وبقيت أبيي شمالية وعصية على كل محاولات الحركة الشعبية، تحميها القوات المسلحة وأبناؤها الخُلّص!. وبرز ألور في سماء الخارجية وعواصف التحديات تجتاح السودان، فصعب عليه أن يوازن بين طموحاته الشخصية وحركته، وشراكة الإنقاذ التي تقف على فوهة المواجهة مع الغرب وأمريكا بمنهجها المعروف، فاحتمى بالجنائية الدولية كي يرقى وإذا به يتبخر ويتوارى حتى في احتفال ميلاد دولة الجنوب لأن مقدم البرنامج كان أموم ويا له من مذيع مدهش!! وقليل منهم مضى إلى ربه وهو حسيبهم ويكفي، لا نريد نبش قبورهم، ولكن ما يجمع بينهم هو الخيانة للأوطان والعمالة للأجنبي وهم قد رضعوا من ثديه، وتربوا في كنفه وشبوا عن طوعه ولا يزالون يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه!. تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، نهلوا من مدرسة التمرُّد وتقلّبوا في دهاليز العمالة الخارجية التي فرّختهم في الغرب والشرق، بعضهم أدعياء الحريات والتحول الديمقراطي والقسمة العادلة للثروة والسلطة وهم أعداء لهذه المعاني فيما أحاط بهم من تاريخ يوم أن آلت إليهم!! اتسموا بالتهوُّر والعنتريات الزائفة لتغلغل الطمع وطبائع الغدر المتجذرة في نفوسهم وحبهم للريادة والصدارة والقفز وطي المسافات!. أتاح لهم تواجدهم حول قرنق وصحبتهم له واطلاعهم على الكثير من خصوصياته هذه المكانة التي بدأت بموته وانتهت بقيادتهم لحلم لا يدركون معناه ولا كننه أو الآليات الموصلة إليه اسمه «السودان الجديد» وانتهى بهم قطار السلام إلى دولة الجنوب التي كانت أبرز معالمها أن يكون باقان الشيوعي نجم احتفالها وأول المغادرين لموكب حكومتها الوليدة استقال أم أقيل كيفما كانت الرواية، فالنتيجة واحدة لله الفضل والمنّة والثناء الحسن!!؟؟. هكذا تضاربت الأنباء حوله بفعاله وطيشه وطموحه الجامح كي يرث عرش الحكم في الجنوب وهو يزايد حتى على قائده سلفا وقد كان أحد أفراد حمايته الخاصة يوماً ما في أن يكون الأحق برفع علم الجنوب!. قاده خياله المريض بأن يتصور أنه خليفة لقرنق لم يستفد من تجارب سلفه وهو يغالي في حجمه ووزنه جراء ما منحته له بعض الدوائر الأمريكية والغربية من هالة، فظن أنه على مقربة من عربة القيادة إلى أن كان الدرس القاسي يوم الاحتفال وهو يعمد إلى تهميش وإهانة الرئيس البشير وحزبه وينسى أنهم من بعد فضل الله هم من أوصلوا قادة الجنوب في الحركة إلى يوم التاسع من يوليو!. تداولت بعض وسائل الإعلام المحلية أخبار استقالته من منصبيه كأمين عام للحركة الشعبية لتحرير السودان وكوزير مكلف لاتفاقية السلام الشامل وتنفيذها بحكومة جمهورية جنوب السودان. فجاء بيان مكتبه مؤكدًا استقالته كوزير للسلام ومثبتاً لبقائه في الأمانة العامة لحكومة الجنوب بتبريرات تشبه نهمه للسلطة!. وقد سبق وأن احتجب لفترة على غير عادته عن الأنظار والإعلام بحجة المرض واختفى بين يوغندا وأستراليا، والشاهد أنه كان على تباين مع سلفا وتنافس مع مشار، وهو كان يتهيأ لتدبير مؤامرة لنسف احتفال استقلال الجنوب إن لم يكن هو النجم بلا منازع!. وسرعان ما عاد هو ليقول بلسانه إن استقالته من الحكومة والأمانة العامة جاءت مدفوعة بدوافع نابعة من قيمه الثورية القائمة على القناعات الشخصية والكل يعلم أنه ملفوظ ومنبوذ.!. الرفيق باقان سارع بالاستقالة لأنه أدرك أنه مُقال لا محالة، كيف لا وهو الذي سهر على دق الأسافين والمتاريس أمام أي تقارب بين الشمال والجنوب، ومكّن للعصبيات التي قادت تيار الانفصال ارضاءً لأربابه!. باقان عرف بتهوره وجنوحه لإثارة الترهات واصطناع الأزمات على عهد الشراكة المزعومة وخصص لنفسه مقعدًا ومكانة شهد عليها كل أهل السودان أنها لخلق البلبلة وإلقاء التهم جزافاً، ولم يكن بمقدور أي حادب على استقرار الجنوب في المرحلة المقبلة أن يقبل بوجوده داخل الصف الأول!. كل الذين عهدوا تجربة التفاوض مع الحركة على أيامه شهدوا عصبيته والأجندة التي ظل يحملها والمطالب التي ينادي بها بعيدًا عن مصالح مواطن الجنوب الذي يصعب عليه أن يعيش محجوباً عن إخوة الشمال وجواره إلا باقان!.وكل الذين عرفوه وقفوا على سطحيته عندما ينادي بإغلاق ضخ البترول وتحويله من الانسياب عبر الشمال وهو بلا إلمام بهكذا خطوات تعجز حركته عن فعلها حتى وإن ملكت كل متطلبات هذا العمل لجهة المعدات والخطوط والمصافي وطلمبات الضخ وكان الغرب وأمريكا إلى جوارها!. هكذا ظل هذا الدعي يتمثل الأدوار الكبيرة ويطلق التهديد والوعيد وهو صانع الإثنين الأسود ومحاولة الفوضى في الخرطوم ونصير تمرد العدل والمساواة ومجموعة عبد الواحد نور وصاحب فكرة زعزعة الأمن والاستقرار حتى وإن انفصل الجنوب!. يظل باقان يحلم بمشروع السودان الجديد الذي خلق له جسماً وهمياً أسماه قطاع الشمال وجعل عليه أحد أصدقائه من أبواق اليسار عرمان ليشرف على برامج إرباك الشمال والتشويش عليه سياسياً عبر الحملات المأجورة وتسويق مشاريع الأجنبي، وإفساد روح الحياة عبر التطبيل لاتفاق أديس أبابا الأخير الذي نسفه رئيس الجمهورية ورفضه لأي وجود لهؤلاء العملاء والمأجورين من أمثال الحلو ومن ينتسبون إلى بنوة قرنق بعد الانفصال!. هذا الخائن يتقمّص شخصية لزعيم وديع به من التواضع والزهد في السلطة، تتسربلها حكمة لم تكن في يوم من الأيام جزءًا من شخصيته التي رسمها في الإعلام والحياة العامة، وهي وداعة موقوتة سرعان ما يعود بعدها إلى طبيعته التي تحمل الفتن والموبقات وهو عنصري تلفه الأحقاد وتكاد تفتك بقلبه الأسود!. هذا الحالم يقول إنه يريد أن يتفرّغ لتدريب شباب الحركة ويا له من تدريب ونفسه ملأى بالكراهية يحاول أن يضرب إسفينا في التعامل بين البلدين ومستقبل التعايش فيما بينهما، والكل يعرف كيف نسف قيام الدورة المدرسية وأبناء السودان من طلاب المدارس كانوا يرابضون بواو ساعتها ويحلمون بالتواصل والتماذج وتلاقح الثقافات فيما بينهم، ولكن عبقرية باقان تدرك أن في هذا نذير شؤم على الانفصال الذي ظل يعمل لأجله!. الذي لا يعرف هذا الرجل عليه أن يذهب ليسأل عن أمواله والدعة التي يعيشها أبناؤه وزوجته بالخارج والحسابات التي امتلأت بها أوداجه، وهو الذي ظل يوهمنا بالحديث عن الفساد والمفسدين وفشل الدولة، كيف يهرب عند تكوين دولة الجنوب وهو يعرف أنها غارقة في الفشل والفساد والمحسوبية، ومتدحرجة نحو الهاوية يظن أن بمنجىً عن المهالك التي تحيط بها وهو من جرّ بها إلى أتون الصراعات والأوحال بتياره الإقصائي!. كل مجالس المدينةبالجنوب تعلم استيلاء الرفيق على ثلاثة ملايين دولار من أموال مشغل الاتصالات «فيفا سيل» بعد أن باع رخصتها لشركة لبنانية؟!. استقال باقان أم أُقيل، لكن يعبر عن أسفه لخطوته عندما يرى أن الاستفزازات يمكن أن تجعله يفكر في إعادة النظر في قراره وبالأمس يقول إنه رجل مبادىء ومواقف، وطبيعته لا تعرف غير السفيانية والمشي على جثامين من قام بقتلهم حقيقة أم مجازًا، إذا ما أمعنا في كراهيته للدكتور لام أكول الذي ينحدر من قبيلة الشلك التي ينتمى إليها باقان!. من يقرأ لقائه الأخير بعد الاستقالة في الصحف وأحلامه عن مستقبله وتجاوزه لذكر قرنق أو مجرد التعريض باسمه يدرك أن الرجل بلا أخلاق ولا وفاء إلا بقدر ما يحقق رغباته وأمانيه!. كيفما كانت الأسباب وراء إزاحته وما ستكشف عنه الأيام فإن اليقين أن الطريق بات ممهدًا لأي عاقل بالحركة يمكن أن يخلف هذا النازي الشرير باقان، بإمكانه أن ينهض بمسؤوليات الأمانة العامة بسلوك راشد ونفس مستقرة وأفكار تقود لإخراج الحركة من قبضة اليسار والرفاق ووهدة التمرد ولغة الغابة التي لم تفارق باقان ولم يتبين خلال مسيرته الشوهاء أن العمل السياسي مخالف لما تحمله البندقية!. بل السبيل ستكون سالكة إلى معالجات القضايا العالقة بين الخرطوم وجوبا طالما أنزوى باقان من الأمانة العامة للحركة والوزارة بحكومة الجنوب وقيادة التفاوض مع المؤتمر الوطني، وحق لأمثالنا من دعاة السلام ومحبي التعايش بين الدولتين أن يفرحوا بموته السياسي إلى الأبد كما ظللنا نبشر به، ونسر بالإعلان عن قبر تاريخ أسود قاتم كقلبه الذي أنجب الإثنين الأسود، ولا نملك إلا أن ندعو الله أن لا يعيدنا لذكرى باقان وعرمان ومن لفّ لفهم إلا اضطرارًا!!..