لا نريد أن يصبح هذا النداء أو الشعار الفضفاض كغيره من الشعارات التي رفعت وذهبت أدراج الرياح من قبيل «نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع»، ذلك لأن العبرة بالنتائج المعاشة على أرض الواقع وينتفع بها الناس في المدن والريف على حد سواء. فبعد لقاء قاعة الشارقة الذي جمع بين قيادات شمال كردفان من كبار الشخصيات مع مولانا أحمد هارون وأعقب ذلك تسليم وثيقة النهضة إلى السيد رئيس الجمهورية، بدأت أعناق أهل هذه الولاية تشرئب إلى عمل دؤوب ينتظم كل المشروعات المقترحة لتحقيق هذه النهضة التي طال انتظارها في كل المجالات. وبما أن نيل المطالب ليس بالتمني، يجب أن تكون هنالك آلية محددة وذات كفاءة عالية وانضباط وخطة عمل تتوافق مع السبل الحديثة لتنفيذ المشروعات بموجب معايير علمية ونظامية مثلما هو معمول به في الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وتأتي الشفافية على رأس قائمة المتطلبات الضرورية، وذلك حتى نضمن توفر شرط الكفاءة والقدرة في من ترسو عليهم المشروعات، وهذا بدوره يتطلب وضع أسس نظامية للحصول على التمويل أولاً، تفادياً لما قد يحدث من تجاوزات أضرت بكثير من المشروعات التنموية في مناطق مختلفة من البلاد، ومن ثم تصميم المشروعات من قبل جهات مختصة ذات خبرة ومعرفة حتى تستوعب تلك الأعمال الواقع الحاضر، وما قد يطرأ مستقبلاً من احتياجات. وقد سرنا كثيراً أمر رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة عليا لإسناد نفير نهضة شمال كردفان، وحدد القرار اختصاصات وسلطات اللجنة باستنباط وابتكار الوسائل المناسبة لاستقطاب مساهمات الأفراد والمؤسسات والخيرين من داخل السودان وخارجه، لدعم جهود حكومة الولاية ومجتمعها، ولكن مع هذا نأمل ضبط كيفية جمع الدعم وصرفه وتوجيهه نحو الغايات المرجوة، بعيداً عن المجاملات وأوجه الصرف غير اللازم، علاوة على هذا يجب وضع أولويات حسب حاجة الولاية التنموية والخدمية. عموماً، هنالك مشروعات تحدث عنها كثيرون من قبل، منها مياه مدينة الأبيض، وبالتأكيد طريق أم درمان جبرة الشيخ بارا، ويضاف إليها مشروع تعمير منطقة الخيران، وكل هذه مشروعات حيوية ذات أهمية قصوى لا يمكن الحديث عن نهضة الولاية بدونها. إلا أن المشروعات قد اقتصرت حتى الآن «على تأهيل وصيانة مستشفى الأبيض التعليمي، ومشروع مسجد الأبيض العتيق وإستاد الأبيض، ومستشفى النساء والتوليد والميناء البري والطرق الداخلية بمدينة الأبيض». ومهما يكن الأمر فإنّ هذا التحرك يعد ضربة البداية، ونرجو أن يتواصل الجهد ويشمل كل أرجاء الولاية. ومن أجل ضمان حسن الأداء وجودة العمل هنالك أمور من الضروري الالتزام بها، يأتي على رأسها طرح المشروعات في عطاءات تقوم على أسس شفافة، مع إتاحة المنافسة لكل الشركات والمؤسسات المؤهلة للعمل في هذه المشروعات؛ لأن ما يهمنا هو الدقة والجودة واختصار الوقت، إذ كلما طال أمد المشروع كانت هنالك زيادة في التكلفة حتى لو كنا نمتلك كل المواد المطلوبة، مع عدم الإخلال بالتصميم أو المواد، على أن تكون التكلفة معلومة للجميع تبرئة للذمة وتحقيقاً لمبدأ المحاسبة الذي نأمل أن يكون ديدناً في مسيرة التنمية بالولاية وغيرها. وبما أن بعض هذه المشروعات قومي، فإننا نطالب المركز بأن ينجز ما وعد به السيد الرئيس لدى مخاطبته جماهير الولاية عند تسلمه وثيقة النهضة في الأبيض. ومن جانب آخر يجب أن تتولى الإشراف على التنفيذ في كل المراحل، نخبة من ذوي الاختصاص والمستشارين الفنيين من مهندسين ومقاولين، لا أن يكون العمل عشوائياً لا يستند إلى أسس، فيأتي مخالفاً للمواصفات، ونكون بذلك قد أضعنا المال والجهد والوقت وصرنا كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. ونقترح في هذا الصدد، تشكيل لجنة تضم فريق عمل من المسؤولين في وزارة للتخطيط والشؤون المالية والجهات الإدارية في الولاية، تتولى متابعة تنفيذ ما تضمنته وثيقة النهضة، وتشرف على جميع المشروعات المقترحة، ومتابعة الجداول الزمنية المحددة لتنفيذ المشروعات كلها، ووضع آليات للارتقاء بإدارة تلك المشروعات بما يضمن إنجازها وفق الميزانية المعلنة والبرامج الزمنية المحددة لذلك، بعيداً عن الدعاية السياسية والمواقف الجهوية والترضيات. ويناط باللجنة المقترحة أيضاً معرفة ما قد يواجه تنفيذ هذه المشروعات من عوائق تؤدي إلى تعثرها أو تأخر تنفيذها ووضع المقترحات المناسبة لمعالجة تلك المشكلات، لا قدر الله. وحسب علمي هنالك تجاوب غير مسبوق مع نفير نهضة شمال كردفان، وإذا أحسنت السلطات استغلال هذا الموقف لحققت أكثر من هدف، بحيث يذوق أهل الولاية طعم التعاون والتكاتف بين الجهد الشعبي والرسمي مما يحفز بالدخول في شراكات مستقبلية ذكية من شأنها أن تسير بالتنمية قُدماً في هذه الولاية التي حرمت حتى من نعمة الماء، ناهيك عن المشروعات التنموية التي يمكن أن تنهض بمستوى المعيشة وتساعد على الاستقرار وهو أحد أهم أركان عملية التنمية ومن ثم النهضة. ولذلك نقول لمولانا أحمد هارون: إن خير من استجأرت القوي الأمين، فلا تسند الأمر لغير أهله، وتوخى الدقة في اختيار معاونيك فإن أهلك في شمال كردفان يعولون عليك كثيراً.«ويا مولانا ما تبقى تور خلا» تقاتل في كل الجبهات لوحدك! وأعلم أن هذا النفير هو القشة التي يتمسك بها أهل شمال كردفان، فإذا حدث فيه أي خلل فسوف يضيع من بين أيدينا الشيء الكثير، ولهذا نأمل توخي الحيطة والحذر في تنفيذ ما هو مقترح، ونأمل أن تكون الهمة أعلى من مجرد ما جاء في الوثيقة، حتى نستشرف ليس فقط النهضة بل وضع البنيات التحتية التي يمكن أن تجذب الاستثمار المحلي والأجنبي، حتى تنهض منطقتنا وتتحول إلى أماكن إنتاج يساهم في رفاهية الإنسان بشكل عام، فإنك تعلم ما تزخر به ولايتك من مصادر طبيعية تؤهلها لأن تكون رائدة في إنتاج وفير في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والمعادن والمصادر الطبييعة الكامنة تحت ثراها.