يحمد لرئاسة الجمهورية أن فطنت إلى أهمية إنشاء صندوق لدعم جهود السلام بولاية جنوب كردفان بناءً على مذكرات ومطالبات ظلت حاضرة في أذهان ومواقف بعض المخلصين من أبناء الولاية، حتى كللت بالنجاح واستجابت رئاسة الجمهورية في شخص السيد رئيس الجمهورية المشير البشير الذي أصدر المرسوم الجمهوري رقم «4» لعام 2014م بإنشاء صندوق دعم السلام بولاية جنوب كردفان عملاً بأحكام المادة 58«1» «م» من الدستور الانتقالي لعام 2005م، دفعاً لجهود السلام والإعمار، وصدر القرار بتاريخ 22 ربيع الأول 1435ه الموافق 23 يناير 2014م، وجاء في نص المرسوم أن للصندوق شخصية اعتبارية وخاتماً وصفة تعاقدية، ويكون تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية، ومقر الصندوق بالعاصمة الخرطوم وله مكاتب أيضاً بالولاية. ويتكون مجلس إدارة الصندوق من السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيساً، ووزير مجلس الوزراء رئيساً مناوباً، وعضوية السادة وزير المالية والاقتصاد الوطني، وزير الرعاية والضمان الاجتماعي، وزير الحكم اللامركزي، وإلى ولاية جنوب كردفان، رئيس المجلس التشريعي بولاية جنوب كردفان، ووزير الشؤون الاجتماعية بالولاية، وله أمانة عامة باختصاصات ومهام موضحة ومقرر، إضافة إلى عضوية ما يقارب المائة عضو. من أهداف الصندوق واختصاصاته دون المساس ببرامج التنمية القائمة بالولاية ما يلي: 1/ معالجة آثار الحرب وتأهيل البنيات الأساسية. 2/ التعبئة والترويج لثقافة السلام ونبذ الاحتراب. 3/ إعادة دمج النازحين والتركيز على التنمية الاجتماعية وخاصة المرأة. 4/ قيادة عمليات التصالح وبناء الثقة، ورتق النسيج الاجتماعي. 5/ تعزيز شراكة الموارد والمنافع والتعايش السلمي بين المجتمعات. 6/ استقطاب الدعم الداخلي والخارجي لدعم مشروعات الولاية. نص المرسوم الجمهوري أيضاً على مصادر موارد الصندوق وهي «أ» مساهمة الحكومة القومية، «ب» مساهمة الحكومة الولائية «ج» المنح والقروض والهبات، وأن تودع أموال هذه الموارد في مصارف بحسابات جارية، وأن تخضع للمراجعة العامة. وبالنظر لأثر القرار نعتقد أنه جاء ملبياً لأشواق كثير من أبناء الولاية، ويمكن أن يحدث أثراً ايجابياً إذا سار على منهاج الشفافية والنزاهة، ونجا من عمليات النهب والفساد والترصد التي بدأت الاستعدادات للانقضاض عليه حتى قبل تمام ميلاده!! ويلاحظ ذلك من خلال معارك الاصطراع التي بدأت تدور حوله.. وفكرة إنشاء الصندوق نحسب أننا في الهيئة الشعبية لتطوير المنطقة الشرقية من جنوب كردفان ذات المحليات الثمانية أول من تطرق إليها وكتبنا عنها، وأعددنا لها تصوراً خاطبنا به بعض الجهات الرسمية، ثم شاعت الفكرة على نطاق مفاهيم أبناء الولاية بصورة عامة، حتى جاء هذا القرار بإنشاء صندوق لدعم جهود السلام بالولاية عامة، وهذا قرار حسن هُدف منه معالجة أوضاع الولاية السيئة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية بعد آثار الحرب المدمرة التي شلت الحياة ومزقت مكونات الولاية، وجمدت مشروعات التنمية، وخربت البنيات الأساسية القائمة. إن فكرة إنشاء الصندوق ليست بدعاً في جنوب كردفان، وإنما سبقها صندوق سلام دارفور الذي مولته قطر، وصندوق الشرق الذي مولته ودعمته الكويت، وتجربتهما الآن رغم بعض المعضلات تسير نحو أفق مبشر لحد ما. وإذا عدتُ إلى فكرة صندوق السلام في جنوب كردفان نجد أننا تعترض حلوقنا غصة مرة من تجربة المجلس الانتقالي للسلام بولاية جنوب كردفان وما شهدته ساحته من تجاوزات واستقطابات حادة ومحسوبية مضرة فاحت رائحتها الكريهة التي أزكمت الأنوف، واليوم غالب الحرس القديم الذي فسد في المجلس الانتقالي قد عاد في ساحة هذا الصندوق الجديد يا أسفي ما أشبه الليلة بالبارحة! سوف نفتح ملف مساوئ المجلس الانتقالي للسلام ونكشف رموز الفساد فيه وتجار بيع المنح الدراسية والمحسوبية التي تمت فيه، وهذه أحد الأسباب التي جعلت اليوم الصراع يحتدم بشراسة حول الصندوق الجديد. إن أسوأ ما تعيشه ولاية جنوب كردفان ضعف التنظيم داخل أجهزة الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» بالولاية، وهذه أزمة ولّدت حالة «سيولة» أبطالها قيادات هشة متصارعة دوماً على الوظائف، وتزايد أعداد العاطلين عن العمل الذين ينتظرون الصناديق والأجسام التي تُخلق لتوظيفهم ولا علاقة لها بدعم مشروعات التنمية بالولاية وخدمة إنسان الولاية.. هذه القيادات التي بعضها يمتهن السياسة فقط ولا مهنة لها سوى السياسة، وهل السياسة مهنة؟ لذلك كثرت عمليات التكالب والفساد والصراع و «الحفِر» والضرب تحت الحزام لتصفية الحسابات وتكوين الشلليات الفاسدة المتواطئة على الباطل، التي تخدم مصالح بعضها البعض ورعاية مصالح ذاتها بعيداً عن أزمات أهل الولاية، وتستعدي كل من تظن أنه لا يمكن أن يرتع في «جيف» الفساد والمحسوبية، وهناك مجموعات تسمي نفسها قيادات بالولاية تدوِّر على مكاتب المؤسسات الحزبية والعامة بصفة شبه متسولة ومتهافتة على كل صيحة. إن السؤال الأبرز الذي يمكن أن يطرح لماذا يعاد في كل تكوين جديد الأشخاص والأجيال ذاتها التي أخذت أكثر من فرصة دون أن تتاح الفرص لتجديد الدماء وبناء خبرات جديدة؟ وهذا السلوك هو أحد أسباب الصراع. إذا كانت أهداف الصندوق تتحدث عن معالجة آثار الحرب والترويج لثقافة السلام ونبذ الحرب، وإعادة الدمج، وقيادة التصالح وبناء الثقة ورتق النسيج الاجتماعي، لماذا جاء اختيار غالب أعضاء الصندوق من المؤتمر الوطني وهناك أحزاب وشخصيات أخرى خارج إطار التنظيم الضيق؟ ولا يمكن لحزب واحد أو مكون واحد أن ينجز هذا التحدي، إن التفسير الأقرب للأذهان حول فكرة الصندوق هذه على أهميتها هو مجرد خلق ماعون جديد للوظائف لمنسوبي المؤتمر الوطني!! وحتى داخل المؤتمر الوطني «خيار وفقوس» وهنالك ضبابية في معايير اختيار أعضاء الصندوق، ونحن نعلم أن هناك كثيراً منهم من يقف في منطقة رمادية من قضية التصالح وإنهاء الحرب، وبعضهم رجل داخل المؤتمر الوطني والرجل الأخرى داخل الحركة الشعبية، بعضهم نصفه في المسجد ونصفه الآخر في الكنيسة!! وجاءت فرص الاختيار نفسها لتحمل روح المحسوبية والمعارف أكثر من بُعد الصدق والكفاءة والتمثيل الجغرافي والتوزيع المناسب بين المكونات، الأمر الذي يُظهر بوضوح تام سوء التكوين لهذا الصندوق الذي سوف يقود لصناعة أزمة جديدة رغم حسن قرار فكرة نشأة الصندوق ما لم يتدارك الأمر. والسؤال الآخر لماذا يظل المركز يعتمد على توصيات شخصيات محددة هي التي تقرر في أمر الولاية وتفتي في شؤون أبناء الولاية هذا يُقرب وهذا يُبعد، وتصنع الوشايات وتحيك المؤامرات ضد من تظن أنهم يهددون وجودها؟ قد يُحار العقل في تفسير ظاهرة جمع مجموعة من الوظائف عند شخص واحد كأنه وحيد زمانه الملهم الذي لم تلد نساء الولاية مثله، والمركز يعلم بذلك، وأضرب مثالاً لهذه الظاهرة لأحد هذه القيادات والأمثلة كثيرة وهذا مجرد مثال رجل عضو المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني، وعضو المجلس الوطني، ورئيس مجلس إدارة شركة شهيرة، وعضو الوفد المفاوض مع قطاع الشمال، ورئيس اللجنة السداسية لأبناء النوبة، ورئيس اللجنة السياسية لأبناء النوبة بالمؤتمر الوطني، والآن يختار أيضاً عضواً بصندوق دعم السلام؟! كم وظيفة هذه؟ ثم يُمارس الإقصاء على آخرين!! ويطلب المركز بعد ذلك إنهاء الغبن وإدراك التصالح والأحاديث الاستهلاكية عن توزان التمثيل خاصة بعد خطاب رئيس الجمهورية الداعي إلى الحوار الوطني الشامل والاستعداد للانتخابات والوفاق الوطني ذر رماد على العيون. إن الملاحظات المهمة التي ينبغي أن تتجه إليها المراجعة والإصلاح أولاً: إعادة النظر في تكوين هذا الصندوق، ثانياً: مناقشة موضوع مساهمة الولاية في الصندوق لأنه أصلاً أنشئ لدعم الولاية ولا ينبغي أن يكون خصماً على ميزانيتها المقررة، ثالثاً: اختيار أمين عام ذي خبرة وتجربة ودراية تامة بطريقة التخطيط الاقتصادي وادارة المشروعات التنموية من أبناء الولاية المشهود لهم بالكفاءة والحنكة والتجربة الطويلة، حتى يحقق الصندوق غرضه السامي، وهنا تحضرنا شخصية دكتور الفاتح التيجاني وهو شخصية اقتصادية مرموقة عمل طويلاً بوزارة المالية وشغل منصب وزير مالية لإقليم كردفان الكبرى، وهو وزير زراعة اتحادي أسبق له خبرات مع الصندوق الدولي، وقد حاز على شهادة من الصندوق الدولي لتخطيطه وكونه مدير مشروع اعادة تعمير القطاع الزراعي المروي الذي جاء ثاني احسن مشروع في العالم.. وتخرج في جامعة الخرطوم كلية الزراعة، وحصل على دبلوم عالٍ من ايطاليا في التنمية الريفية المتكاملة، ودبلوم عالٍ في التخطيط الاقليمي، وماجستير في اقتصاد زراعي، ودكتوراة في التنمية الاقتصادية، وهو رجل يتمتع باحترام كثير من أبناء الولاية، وهو أول من قال بفكرة الصندوق هذه، فمثل هذه الكفاءات يمكن أن تحقق المطلوب من التنمية وإعادة البناء والإعمار والدمج.