كشفت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا عن صعود القوى الإسلامية بأحزابها وحركاتها وجماعاتها والتقدم نحو الأخذ بزمام المبادرة في حكم تلك البلدان بعد أن كانت ترزح تحت الاضطهاد والسجن والإبعاد من قِبل الأنظمة الحاكمة حيث أسفرت أولى نتائج تلك الثورات عن فوز حزب النهضة الإسلامي في الانتخابات التونسية وأصبح الإخوان المسلمون القوة التي كانت مهددًا لنظام مبارك وحزبه تتحرك حرة ودون قيود، وتشير كل الدلائل إلى احتمال فوزها في الانتخابات القادمة إذا ما أحسن الإخوان التعامل مع المرحلة، وفي ليبيا كشف الثوار ومجلسهم الانتقالي منذ أول يوم للثورة عن وجههم الإسلامي، وعقب مقتل القذافي تم إعلان الشريعة الإسلامية رسميًا مصدرًا للتشريع والحكم. ولكن مع تصاعد المد الإسلامي في تلك البقاع وزحفه نحو السلطة والحكم يرى البعض أن الحركة الإسلامية السودانية التي كانت هي السباقة إلى السلطة في المنطقة لما يقارب ربع قرن بالمقابل هي في تراجع وعلى وشك الخروج من المضمار، ويرى البعض أنها لا يمكن أن تكون نموذجًا يُحتذى به لتلك الثورات، حيث يقول الكاتب والمحلل د. خالد التجاني في مقال منشور: «في الوقت الذي تتعزز فيه مكانة حركات الإسلام السياسي في المنطقة وباتت مرشحة لأن تحظى بقبول شعبي مقدر ومحل اعتراف بدورها في عواصم القرار الدولي فإن الحركة الإسلامية السودانية تعيش في أسوأ أوقاتها على الإطلاق وقد اضمحلّت إن لم تكن قد فقدت فرصتها في الحياة.. فيما يرى الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا عمر مهاجر أن هناك عوامل كثيرة قادت الحركة الإسلامية السودانية إلى التراجع نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد وفي مقدمتها التعدد الاثني والعرقي في السودان الأمر الذي قاد إلى خلق صراعات حول الهُوية والاختلاف حولها هل هي عربية إسلامية أم غير ذلك؟ وقال مهاجر: هذا الواقع الحركة الإسلامية ورثته وبدلاً من أن تقدِّم له معالجات انغمست فيه على العكس من دول كثيرة من بينها تونس التي تكاد تخلو من تفاوتات عرقية، بجانب ذلك فقد مارس العامل الخارجي ضغطًا كبيرًا على السودان بسبب التوجه الإسلامي وبسبب الموارد وهو ما قد يكون سببًا لفشل الحركات الجديدة في هذه الدول، وتنبأ مهاجر بأن تتعرض التجارب في تونس ومصر وليبيا لما تعرضت له التجربة السودانية، وتساءل: هل التيار هذا يمكن أن يسمح له في الاستمرار؟ وضرب مثلاً بليبيا وقال إن مبادرة النيتو سعت لها دول لها أجندتها وهي الدول التي تشكل الحلف وتتمثل أجندتها في السيطرة على البترول الليبي. ويرى محللون أن ليبيا بالذات ستواجه عقبات وتحديات كبيرة أمام التجربة لبُعد الإسلاميين فيها لفترات طويلة عن إدارة البلاد ولحداثة التجربة على عكس التونسيين والمصريين، ولما آلت إليه ليبيا من دمار وخراب يحتاج إلى إعادة البناء وهو ما يمكن أن يشكل عبئًا على الإسلاميين فيما إذا سيطروا على الحكم، وبسبب ذلك ربما كانت الضغوط عليها كثيفة. وحول استفادة الحركة الإسلامية السودانية من التغيرات في أنظمة الحكم في هذه الدول باعتبار أن الأنظمة السابقة كانت تكيد للحكومة في السودان وكانت لها إسهاماتها في فشل التجربة السودانية نسبةً للخوف منها في تصديرالتجربة ومساعدة الحركات هناك وتشجيعها وأن تساعد هذه التغييرات في صرف نظر الدول الغربية المعادية للتوجه الإسلامي في السودان والانشغال بالبعث الإسلامي الجديد الأمر الذي يمكن أن تستفيد من أجوائه التجربة السودانية فيما إذا تمكنت من الوصول إلى حل جذري لمشكلاتها الداخلية خاصة تلك المتعلقة بخلافاتها الداخلية وتجاوز مرحلة الشقاق يرى مهاجر أنه بعيد التحقُّق. ولكن كثيرين يرون أن الفرصة مواتية للحركات الإسلامية هنا وهناك في العودة إلى الحكم وقيادة المجتمعات العربية والإسلامية من جديد إذا تعاملت مع الواقع بشكل أكثر إيجابية وانفتاح وابتعدت عن الانشغال بردود الفعل الوقتية والمعارك الجانبية التي تستهدف كل جهودها ومواردها وتصرفها عن غاياتها الكبرى وأهدافها البعيدة، كما يرون أن المحك الحقيقي لاختبار الإسلاميين هو فخ السلطة ولا شيء يمكن أن يُظهرهم بصورة أسوأ من تجربة فاشلة في الحكم.