إذا كنت تعتقد أن العبادات أمرها هين فأنت واهم. لعل أصعب تكليف وهو من صلب الخلافة التي استخلف الله بها الإنسان وجعله خليفة على الأرض هي أداء العبادات بحقها. فالله سبحانه وتعالى يقول: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون). وإذا أخذت الصلاة مثلاً فهي كما يقول الحق عز وجل: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) البقرة :45 ومن هم الخاشعون؟ الذين تمتلئ نفوسهم باستشعار وجود الله في كل كبيرة وصغيرة من سلوكهم ومن صفاتهم (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ دائمون) وهي مرحلة أبعد من مرحلة والذين هم على صلاتهم يحافظون) المعارج: 34 فالمحافظة على الصلاة وبحقها وفي أوقاتها أمر واجب لأنها كتاب موقوت ولكن الذين وبعد أن يفرغوا من الصلاة هم في صلة دائمة بربهم. ومن صفاتهم أيضاً (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ). وهذه منتهى الحساسية بالخوف من الله. عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ»: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ». رواه الترمذي (3175)، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي، 287/3). قال العلامة المباركفوري في «تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي»: «وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ أَيْ يُعْطُونَ مَا آتَوْا أَيْ مَا أَعْطَوْا مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَيْ خَائِفَةٌ أَنْ لا تُقْبَلَ مِنْهُمْ وَبَعْدَهُ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أَيْ لاَّنهُمْ يُوقِنُونَ أَنَّهُمْ إِلَى اللَّهِ صَائِرُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الْقُرْآنِ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ أَيْ يُبَادِرُونَ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ» أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقِيلَ أَيْ لأجْلِ الْخَيْرَاتِ سَابِقُونَ إِلَى الْجَنَّاتِ أَوْ لأجْلِهَا سَبَقُوا النَّاسَ. وَقَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ: سَبَقَتْ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ السَّعَادَةُ. نرجو الله أن نكون منهم الفيلسوف الإسلامي محيي الدين بن عربي أخذ تلاميذه لمجلس عالم كبير ومتفقه معروف حل ببلدتهم. واستقبلهم العالم وأجلسهم بجانبه إلا إنه لم يمض وقتاً طويلاً حتى أشار ابن عربي لطلابه بالقيام لكي ينصرفوا فانصرفوا بمن فيهم ابن عربي نفسه. فتعجبوا من صنيع مرشدهم وسألوه لماذا انصرفوا بتلك السرعة وهم لم يستمعوا للعالم الجليل لعلهم يلتقطون شيئاً من علمه فقال لهم ابن عربي: هذا شخص لا يحسن التأدب مع الله.. هل لاحظتم إنه قد (تمخط قصاد القبلة)؟ في مثل هذه الأمور الدقيقة هم يراقبون الله في أحوالهم. ولكن أيها القراء الكرام هل توقفتم يوماً لترون أين تتجه المراحيض عندكم. هل يستدبر أو يستقبل (مقعدكم القبلة؟ ومقاعد المراحيض يجب ألا تستدبر أو تستقبل القبلة.. والعبادات كلها ولثقلها كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه أن يقولوا عند كل صلاة قبل الدخول فيها وبعد الخروج منها (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). فحسن العبادة من الأمور التي يستعان بالله لتأديتها لأنه لولا توفيق من الله لما استطاع أحد أن يؤديها بحقها. وكان جاويش الرجل البسيط من جنوب دارفور يقول: (الصبر.. قال لي الله: يا ربي إنت كل شيء سويت ليه أخو... حتى الضر (الذر) النمل الصغيير دا سويت ليه أخو إلا أنا ما سويت لي أخو.. لي شنو؟ الله قال للصبر: (أنا سويت ليك أخو لكن إنت ما عرفتو .. أخوك الصلاة). وأنا هسع يا وليدي كان مشكلة شنو ... شنو.. بس بصبر وبصلي كل شيء بنقضي). هذا الرجل بفطرته السليمة يروي عن الآية (واستعينوا بالصبر والصلاة) البقرة 45 اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ولا تجعلنا من الغافلين. اللهم اجعلنا من الذين خافوك في الدنيا فأمنتهم في الآخرة ولا تجعلنا من الذين تجرأوا عليك لعدم خوفهم منك في الدنيا فأخفتهم في الآخرة. اللهم نسألك ألا تسلبنا نعمة الأمن فتلبسنا لباس الجوع والخوف.