السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات: مقومات الوحدة الإسلامية ومهدداتها

بقلم: د/ جمال الدين محمد علي تبيدي رئيس قسم العقيدة بجامعة أم درمان الإسلامية
أهل الملة الواحدة بمنزلة النفس الواحدة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله).
والمسلمون متساوون عند الله تعالى فهو لا ينظر إلى ألوانهم ولا إلى أنسابهم ولا إلى أختلاف ألسنتهم وإنما ينظر إلى قلوبهم وأعمالهم قال صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم [1]
وخطب النبي صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس إن ربكم واحد وأباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ابلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال أي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فإن الله عز وجل قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب [2]
فالناس عند الله تعالى لا يتفاضلون بألوانهم ولا بألسنتهم إلا بالعلم والتقوى لقوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )(الزمر: من الآية9) وقوله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: من الآية13)
فالعربي والزنجي والفارسي والرومي في الإسلام سواء لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالعلم والتقوى
فعلى المسلمين أن يعرفوا ذلك وأن يتركوا كل دعاوى الجاهلية المخالفة لتلك المعايير الربانية
التحذير من الافتراق
قال تعالى ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )[أل عمران 103]
هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج فساءه ما هم عليه من الأتفاق والألفة فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض وتثاوروا ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم وتلا عليهم هذه الآية فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم [3]
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ويسخط لكم ثلاثا قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال [4]
وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من دعا بدعوى الجاهلية فانه من جثاء جهنم قال رجل يا رسول الله وان صام وصلى قال نعم فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين والمؤمنين عباد الله [5]
وقد حذر الله تعالى من الافتراق في كثير من الآيات فقال :
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [أل عمران 105]
وقال (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [الانعام 159] وقال (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال 46]
وقال (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم 32-33]
دعائم الأخوة في الله
وقد أمر الله بإفشاء السلام كثيرا في القرآن الكريم
فقال تعالى (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً [النساء 86]
وقال (وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الانعام 54]
وقال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً [الفرقان 63]
وإفشاء السلام ليس المراد به التحية باللسان فقط وإنما المراد به المحبة القلبية وترويض النفس على ذلك حتى يتحقق قوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم [6]
فإذا كان دخول الجنة مرهونا بتحاب المسلمين لبعضهم فكليهم الالتزام بذلك إذا كانوا حريصين على دخول الجنة ففي الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه قال قالوا يا رسول الله أي الإسلام أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده [7]
3. إحسان الظن بالمسلمين
قال تعالى (ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات 12]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله فلا تخفروا الله في ذمته [8]
فالمسلم من أهل القبلة يجب موالاته وعدم التعرض له بسوء لأن له عهدا عند الله وحرمة لا تنتهك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه [9]
ولذلك قال الله تعالى
4. تولي المؤمنين بعضهم وتعاونهم وتناصرهم
أمر الله المؤمنين بالتعاون على البر والتقوى وفعل الخير فقال (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة 2]
ومدح المتعاونين والمتناصرين فقال ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال 74]
وأوضح أن من التعاون على البر والتقوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك من موجبات الرحمة فقال (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة 71]
اللين والعفو
أمر الله بالعفو والصفح واللين ومدح نبيه بذلك قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [أل عمران 159]
وحث المؤمنين على العفو فقال (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً [النساء 149]
وقال (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ [الجاثية 14]
وذكر العفو والمغفرة في صفات الصالحين فقال (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى 37]
وتكفل الله بأجر هم فقال (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى 40]
وقال (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى 43]
ومن الرفق واللين عدم التنطع والغلو مع المخالفين لك في الرأي والمذهب إذا كانوا من أهل القبلة ممن يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وتفسيقهم وتكفيرهم وإخراجهم من المله ففي صحيح البخاري
عن عمر بن الخطاب أن رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب فأتى به يوما فأمر به فجلد فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله
وفيه عن أبي هريرة قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم بسكران فأمر بضربه فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه فلما انصرف قال رجل ما له أخزاه الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم [10]
عدم تكفير ومهاجرة المخالفين من أهل القبلة حق وصواب ، وذلك لكثرة الآيات والأحاديث الدالة على أخوة المسلم للمسلم ووجوب المحبة له وترك التنقيب عن البواطن مثل قوله تعالى :
(إنما المؤمنون إخوة )[11]
والأحاديث الكثيرة في ذلك منها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ..إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ [12]
ومنها :عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ )[13]
ومنها عن عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ )[14]
عَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ )[15]
أهل الفرق والمذاهب الإسلامية مجتهدون
كما أن اسم الاجتهاد يتناول في عرفهم فروع الفقه ، فكذلك مسائل الكلام ، لعموم مفهومه لغة واصطلاحا ووجودا ، فإن الفرق التي تنوع اجتهادها في مسائل الكلام ربما تربو على مجتهدي الفروع ، وكيف لا تكون من المجتهدين وهي تستدل وتحكم وتبرهن وتقضي وتجادل خصومها بمآخذها وترى أن ما تستدل عليه هو الحق الذي لا يعقد على سواه ولا يدان الحق تعالى بغيره .
وجلي أن ما يبعث على بذل الجهد في الفروع ، هو نظير ما يبعث عليه في الأصول، أو أعظم منه ، فإن مسألة الرؤية وخلق الأعمال وخلق القرآن لما تشابهت الآيات والأخبار فيها ، ذهب كل فريق إلى ما رآه أوفق لكلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام ، وأليق بعظمة الله سبحانه ، وثبات دينه . فكانوا لذلك مجتهدين ، وفي اجتهادهم مأجورين ، وإن كانوا في القرب من الحق متفاوتين ..[16]
وحكي القاسمي في محاسن التأويل قول العنبري :
( كل مجتهد مصيب حتى في الأصول ) [17]
أهل الفرق الإسلامية لا يهجرون ولا يعادون
ويقول جمال الدين القاسمي :
( إن التنابز بالألقاب والتباغض لأجلها الذي أحدثه المتأخرون وفرقوا به بين الأمة ، عقوا به أئمتهم وسلفهم أمثال البخاري ومسلم والإمام أحمد بن حنبل ومن ماثلهم من الرواة الأبرار ، وقطعوا به رحم الأخوة الإيمانية الذي عقده تعالى بينهم في كتابه العزيز وجمع تحت لوائه كل من آمن بالله ورسله ولم يفرق بين أحد من رسله .
فإذن كل من ذهب إلى رأي محتجا عليه ومبرهنا بما غلب على ظنه ، وبعد بذل قصارى جهده ، وصلاح نيته في توخي الحق ، لا ملام عليه ولا تثريب ، لأنه مأجور على أي حال ، ولمن قام عنده دليل على خلافه ، واتضحت له المحجة في غيره ، أن يجادله بالتي هي أحسن ، ويهديه إلى سبيل الرشاد.. )[18]
وقال القاسمي :
لو كانت الفرق التي رميت بالابتداع تهجر لمذاهبها ، وتعادى لأجلها ، لما أخرج البخاري ومسلم أمثالها لأمثالهم . نعم إن هؤلاء المبدعين وأمثالهم لم يكونوا معصومين عن الخطأ حتى يعدوهم الانتقاد . ولكن لا يستطيع أحد أن يقول إنهم تعمدوا الانحراف عن الحق ، ومكافحة الصواب عن سوء نية وفساد طوية وغاية ما يقال في الانتقاد في بعض آرائهم : إنهم اجتهدوا فيه فأخطأوا .
وبهذا كان ينتقد على كثير من الأعلام سلفا وخلفا لأن الخطأ من شأن غير المعصوم .
وقد قالوا : المجتهد يخطئ ويصيب ، فلا غضاضة ولا عار على المجتهد إن أخطأ في قول أو رأي ، وإنما الملام على أن ينحرف عن الجادة عامدا متعمدا ولا يتصور ذلك في مجتهد ظهر فضله وزخر علمه[19]
ثالثا تبرئة المخالفين لمذهب السلف من الكفر
لا يرضى القاسمي أن يوصف المخالفون من أهل الفرق بالكفر أو الضلال ، وأنكر على الإمام مالك تكفير الروافض من الشيعة ، وذلك في تفسير قوله تعالى
( يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار )
حيث أورد في ( محاسن التأويل ) أن الحافظ ابن كثير نقل عن الإمام مالك تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة ثم علق عليه القاسمي بقوله :
( ولا يخفاك أن هذا خلاف ما اتفق عليه المحققون من أهل السنة والجماعة ، أن المجتهد كيفما كان مأجور غير مأزور ، ناهيك بمسألة عدالتهم المتعددة أقوالها )
من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة قوي شأنها وكثر سوادها لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل والمعتدل والمتطرف والغالي والمتسامح وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة ، لأن التوسط منزلة الاعتدال ، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر ئ. وأما الغلو فمشرب الأكثر ، ورغيبة السواد الأعظم ، وعليه درجت طوائف الفرق والنحل ن فحاولت الاستئثار بالذكرى ، والتفرد بالدعوى ، ولم تجد سبيلا لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها ، وذلك بالحط من غيرها والإيقاع بسواها حسبما تسنح لها الفرص ، وتساعدها الأقدار ،إن كان بالسنان ، أو اللسان [20]
وأول من فتح هذا الباب _ باب الغلو في إطالة اللسان بالمخالفين _ الخوارج . فأتى قادتهم عامتهم من باب التكفير لتستحكم النفرة من غيرهم ، وتقوى رابطة عامتهم بهم ثم سرى هذا الداء إلى غيرهم ، وأصبحت غلاة كل فرقة تكفر غيرها وتفسقه أو تبدعه وتضلله لذاك المعنى نفسه ، حتى قيض الله تعالى من الأئمة من قام في وجه أولئك الغلاة ن وزيف رأيهم ، وعرف لخيار كل فرقة رأيهم وأقام لكل منهم ميزان أمثالهم[21]
قال القاسمي
( وقد ذهب الغزالي إلى أن الإثم غير محطوط عن المخالفين في مسائل الأصول . وحجته اتفاق سلف الأمة على ذم المبتدعة ومهاجرتهم ، وقطع الصحبة معهم وتشديد الإنكار عليهم ، مع ترك التشديد على المختلفين في مسائل الفرائض وفروع الفقه .
هذا ما احتج به الغزالي . وعجيب من مثله أن يعد هذا دليلا على تأثيمهم . وأي مناسبة بين الدعوى والدليل ؟ على أن دعوى الاتفاق على ذم المبتدعة ومهاجرتهم مردودة بتلقي أئمة الحديث عن كثير منهم ، وحمل السنن النبوية عنهم وجعلهم في الآثار حجة بينهم وبين ربهم )[22]
وينعى القاسمي على ابن تيمية وابن القيم وأمثالهما من السلفيين رميهم لمخالفيهم من الصوفية والأشاعرة بالكفر والفسوق فيقول :
( لا عبرة برمي شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأمثالهما رحمهم الله بالإلحاد مثل النصير الطوسي وابن عربي وبعض الأشاعرة المتأولين لآيات الصفات وآثارها فإن ذلك منه ومن أمثاله حمية مذهبية وغيرة على نصرة ما قوي لديه . وقد عهد في العالم الغيور الذي لا يتسع صدره لخلاف الخصم أن يحمل عليه أمثال هذا وأعظم . وإلا فالنصير قد علم أن له مؤلفات في فن الكلام خدمت وشرحت ، وكلها مما يبرئه عن الإلحاد والزندقة. وعقيدته ومشربه وترجمته المحفوظة تبرئه من مثل ذلك . وابن عربي حق الباحث معه المنكر عليه أن ينكر عليه موضعا لا يحتمل التأويل ، ويقول ظاهره إلحاد . إلا أن الرجل له عقيدة نشرها أولا ، ومذهب في الفقه حسن . فمثله لا يسوغ رميه بالإلحاد .. )[23]
البر والقسط إلى غير المحاربين من الكافرين
فالله تعالى قد حثنا على الإحسان إلى الكافرين غير المحاربين فقال
(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة 8]
وقال (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة 7]
فما بالك بالمسلمين من أهل القبلة إذا كانوا مخالفين في الرأي والمذهب فالله المستعان وبه التوفيق
[1] صحيح مسلم ج:4 ص:1987 برقم 2564
[2] رواه أحمد(5/411) رقم 23536 ورجاله رجال الصحيح
مجمع الزوائد (3/266) والترغيب والترهيب (3/375)
[3] تفسير ابن كثير ج:1 ص:390
[4] صحيح مسلم برقم 1715 ج:3 ص:1340
[5] وأخرجه الطيالسي وأحمد وابن حبان والبخاري في تاريخه والترمذي وصححه والنسائي والموصلي وابن خزيمة وابن حبان والباوردي وابن قانع والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الشعب . وفي الدر المنثور ج:6 ص:81
[6] صحيح مسلم ج:1 ص:74 برقم 54
[7] رواه البخاري (1/13) برقم 11
[8] صحيح البخاري ج:1 ص:153 برقم 384
[9] صحيح مسلم ج:4 ص:1986 برقم 2564
[10] صحيح البخاري ج:6 ص:2489 برقم 6398- 6399
[11]
-[12] مسلم في البر والصلة 4650 والترمذي في البر والصلة 1850 وابن ماجة في الفتن 3923 و أحمد في باقي مسند المكثرين 7402 و 8365
[13] البخاري في الصلاة 378 و379 والنسائي في تحريم الدم 3905 وفي الإيمان وشرائعه 4911
[14] البخاري في الإيمان 9 وفي الرقاق 6003 ومسلم في الإيمان 58 والترمذي في الإيمان 2551 والنسائي في الإيمان وشرائعه 4910 وأبو داوود في الجهاد 2122 وأحمد في مواضع منها مسند المكثرين 6228 و6515 والدارمي في الرقاق 2600 .
[15] البخاري في المغازي 4004 ومسلم في الزكاة 1763 وأحمد في باقي مسند المكثرين 10585
[16] تأريخ الجهمية والمعتزلة ص77-78
[17] محاسن التأويل ( 2/142)
[18] جمال الدين القاسمي وعصره ص 252
[19] جمال الدين القاسمي وعصره249
[20] الجرح والتعديل للقاسمي صفحة ( 3 ) انظر جمال الدين القاسمي وعصره صفحة ( 251 )
[21] الجرح والتعديل للقاسمي صفحة ( 7-8 ) انظر جمال الدين القاسمي وعصره ( 252)
[22]
[23] جمال الدين القاسمي وعصره ص 274


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.