كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الفساد والمفسدين بكل الأجهزة والإدارات الحكومية، ولا تخلو أحاديث المدينة من قصص وحكاوى خطيرة ومثيرة رغم تهديدات الحكومة وتجاربها المكرورة لتأمين الحق العام، كل تلك التهديدات إلا أن نسبة معالجة القضية ضعيفة تطلق العنان لتمادي ضعاف النفوس في استشراء الفساد الذي أصبحت ملامحه ظاهرة للعيان. وظلت تصريحات المسؤولين وزعماء الأحزاب تنادي بمكافحة الفساد وملاحقة المفسدين كان آخرها تصريح حزب الإصلاح الآن الذي طالب بإصدار قرارات لمكافحة الفساد ومعالجة ظاهرة التجنيب داخل مؤسسات الدولة، وكانت دعوة أهل الإصلاح الآن هي ضرورة تحقيق السلام العادل عبر مبدأ المحاسبة في ميدان عام لسارقي قوت الشعب، بينما يرى بعض الخبراء الاقتصاديون أن الفساد المالي هو أحد مهددات التنمية في السودان، وهو من أهم الأسباب الأساسية لزيادة رقعة الفقر بالبلاد خاصة أن تقرير المراجع العام الأخير كان خير برهان على وجود هذا الفساد المستشري وإحجام بعض المؤسسات وإفلاتها من قبضة المراجع العام، إضافة إلى الأموال الكبيرة المجنبة. وأجمع الخبراء الذين تحدثوا ل «الإنتباهة» على ضرورة محاربة الفساد بوجوهه وأشكاله المتعددة والمختلفة ووضع مزيد من الآليات التي تضبط ظاهرة الفساد بعد تحليل أسبابه علاوة على أن الفساد يؤثر على التنمية مباشرة، إضافة إلى أنه أصبح ظاهرة عالمية وإقليمية لذا على السودان محاولة الاستفادة من بعض التجارب الإقليمية والدولية في محاربة الفساد داخل البلاد بضرورة توفير المعلومات اللازمة والشفافية الكاملة وتفعيل آليات القانون لكبح سلوك وتصرفات صغار النفوس سواءً مؤسسات أو أفراداً. وفي السياق شدد خبير القانون الدولي شيخ الدين شدو في حديثه ل «الإنتباهة» على أن المساءلة والمحاسبة يجب أن تكون عادلة، مشيراً إلى المناداة بالمحاسبة في ميدان عام هي نوع من الغلو والتطرف وتخالف حقوق الإنسان والقانون الدولي وتخالف أيضاً الدساتير والشرائع الإسلامية ومن أهم ركائز المرافعة يجب أن يكون اتهاماً ودفاعاً. واستنكر شدو بأن تكون الدعوة للمحاسبة في ميدان عام في وقت أصبحت فيه كل الوسائل متاحة من أجهزة إعلام ومنظمات مجتمع مدني ودولي تقف شاهدًاعلى كل المحاكمات، لهذا يجب أن تكون سيادة القانون هي المبدأ الذي تنتهجه الدولة باعتبار أن العنف يولد المزيد من العنف، واستطرد قائلا ً إن آلية مكافحة الفساد يجب أن تكون مسيطرة على زمام الأمور ويجب كذلك إعلاء قيمة المحاسبة عبر مبدأ «من أين لك هذا؟» ولا تستثني أحداً كائناً من كان وأن الاستبداد والعدالة خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً. كما أكد مراقبون أن الحكومة يجب أن تصدر قوانين تتيح مقاضاة من يحملون حصانات تعيق طريق لجوء البعض لرفع دعاوى ضدهم باعتبار أن هذا هو منهج الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم لمحاسبة الفاسدين. وقال عضو برلماني رفض ذكر اسمه إن البرلمان سار على خطى الإصلاح ومكافحة الفساد بإحالة بعض القضايا التي أوردها المراجع العام في تقريره الأخير إلى المحاكم دون الرجوع للجهاز التنفيذي وتوقع أن تكون ساحات المحاكم هي من تبريء زيداً أو عبيداً من منتهكي المال العام. وحسم اللواء عباس شاشوق الباحث الإستراتيجي بأن الدعوة إلى محاسبة المفسدين في ميدان عام تعتبر سلاحاً ذا حدين، معتبراً أن الجانب الإيجابي بعد المحاسبة في ميدان عام يحجم هؤلاء المفسدين التشدق والتخفي وراء الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها ضعاف النفوس وآكلو أموال الناس بالباطل، بينما الجانب السلبي الذي يمنع هذه المناداة والمحاسبة في الميدان العام، ولكنه أشار إلى أن الجانب الآخر في هذا النهج هو استغلال الإعلام الخارجي والمجتمع الدولي لهذا النهج العقابي لتأجيج وتأليب العالم ضد السودان الذي يعاني هو أصلاًِ من تراكمات خارجية عملت على تضييق الخناق عليه خاصة فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان في السودان. وأبان الخبير شاشوق أن الفساد هو الذي قصم ظهر الاقتصاد السوداني وأدخله في حالة الموت السريري الذي طالما أفقر البلاد التي تتمتع بصفات قلما توجد بالبلدان الأخرى، ويرى بعض المراقبين على أن وسائل محاربة الفساد تتطلب الشفافية والمحاسبة على المستوى القومي وتطبيق معايير الكفاءة في الإدارة العامة وكفالة الحقوق العامة في القطاعين العام والخاص حتى لا تصبح المناداة بمحاربة الفساد هي مجرد «بندق في بحر».