استشرت ظاهرة الفساد المالي بصورة مخيفة في كثير من بلدان العالم وعلى المستوى المحلي خلفت الظاهرة هواجس أرَّقت الحكومة وأبعدت النوم عن عيونها مما دفعها دفعًا لشحذ همتها من أجل محاربة الفساد المالي والإداري في مؤسساتها وهيئاتها العاملة فأصدر مجلس الوزراء مؤخرًا توجيهات صارمة لمحاربة الفساد والمفسدين في المؤسسات الحكومية داعيًا في ذات الوقت الوزراء التزام القوانين المالية لتلافي شبهات الفساد في إدارات الحكم المختلفة وشدَّد على ضرورة تفعيل دور المحاسبة والشفافية في ضبط المال العام بجانب تفعيل دور المراجع والمؤسسات المختصة وتشير التوجيهات التي تتضمن محتوى الميزانية الذي ركز على الانضباط المالي واتباع السياسات الجارية في استقطاب الميزانية والشفافية في الأداء والالتزام بالقوانين واللاوئح المالية ولكن لدى الخبراء في الشأن الاقتصادي رؤية عبَّر عنها في حديث ل (الإنتباهة) الخبير الاقتصادي د. محمد الجاك قائلاً: إن قضية الفساد أصبحت من القضايا المتكرِّرة دون وجود حل من الجهات المعنية بالرغم من إعلانها المعالجة بأشكال متعددة، موضحًا أن مشكلة تجنيب الأموال وفتح حسابات بأسماء الوزراء خارج وزارة المالية لا يمكن حلها لتمتُّع معظم الشخصيات والمسؤولين الذين «تحوم» حولهم شبهات بالفساد بالحصانة الدبلوماسية، وفيما يتعلق بتوجيهات مجلس الوزراء الخاصة بإيجاد سبل كفيلة لدرء الفساد والحد منه وصفها بأنها المخرج من دائرة الفساد أو التقليل منه، وقطع بأن التوجيهات وحدها غير كافية، مبينًا أن المطلوب مراقبة الأداء الوزاري فيما يخص التصرف في المال العام لافتًا إلى صدور مثل تلك التوجيهات في عدة مرات سابقة ولم يكن الالتزام بالقدر المطلوب.. وأضاف: أن الدليل على ذلك أن درجات الفساد ظلت متصاعدة وبرزت في التقرير الذي صدر عن منظمة الشفافية الذي صنف السودان ضمن أكثر الدول في العالم فسادًا، وتلك التوجيهات غير كافية لمراقبة الوزراء أنفسهم لمعرفة تصرفهم في المال العام، داعيًا الدولة لتبني آليات جديدة، وقال: إن وزارة المالية بحكم ولايتها على المال العام كان لا بد لها من ضبط سلوك الوزراء في إدارة المال العام، وأبان أن هذه الرقابة ستكون أكثر فعالية من التوجيه مبينًا أن عدم الرقابة يدفع الكثير من المسؤولين للتهرب ماليًا، وطالب بأن تكون القوانين ومحاسبة الوزراء خارج دائرة الحصانة التي تمنع من المساءلة، وأضاف: يجب محاسبة أي شخص بغض النظر عن مكانته، مؤكدًا مرور كثير من قضايا الفساد دون محاسبة أو الإبلاغ عنها للجهات ذات الصلة البلاغ نتيجة لعدم وجود قوانين صارمة مبينًا أنها مجرد قوانين بحجة الحصانات، وقال الجاك: إن المجلس الوطني كثيرًا ما أشار إلى بعض الظواهر ولكن تقف عند حد المساءلة ولا تمتد إلى العقوبة وغالبًا ما يمتنع عن المحاسبة بحجة الحصانة من يثار عنهم ضلوعهم في قضايا فساد، وطالب الجاك الدولة بأن تفعِّل تلك القوانين لتصبح ذات معنى وفعالية.. ومن جانبه يرى الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز أن التوجيه الصادر عن مجلس الوزراء يهدف إلى مراعاة الإجراءات المالية التي تخص العقودات الحكومية ووصفه بأنه توجيه طبيعي ينبغي العمل به في جميع الأحوال وينظمه قانون الإجراءت المالية والمحاسبية الذي ينظم التعاقدات الحكومية والعطاءات والمشتريات وطرق التصريف المالي ومهام المراجعين والمحاسبين في كل مؤسسة حكومية، وأضاف أن الالتزام بهذا القانون يغلق الباب بنسبة كبيرة أمام شبهات الفساد داخل المؤسسات، فضلاً عن كشف الفساد خارج المؤسسات وذلك بالطرق الروتينية للعمل بأن يتَّفق مسؤول حكومي مع شركة خاصة على الدخول في شراكة ومنها يتم تسجيل الشركة وتأتي هذه الشركة وفق الأسس المعمول بها وهو فساد يتجاوز كل الطرق القانونية.