«والنبي يا بي ضربو بالشومة على نافخو وحرق القيط»، هذا جانب من حوار يتكرر كثيراً في الدراما المصرية، وهي تصور استخدام شهود الزور الذين عادة ما يستخدمهم العمدة أو الباشا أو صاحب النفوذ. وفي المحاكم المصرية والعربية هناك شهود زور تحت الطلب ينتقلون من محكمة إلى أخرى حتى لا يتم كشفهم، بل حتى في السودان بدأت هذه الظاهرة القميئة تطل بقوة، وهو ما أشار إليه اللواء عابدين الطاهر المدير العام للمباحث الجنائية السابق قبل سنوات في ندوة مهددات التنمية الاجتماعية، حيث قال إن شهادة الزور باتت مهنة ولها سوق وعملاء يتجولون في ساحات المحاكم يعرضون شهادتهم لمن يدفع الثمن ويحلفون على القسم كذباً وزوراً. وكشف عن ضحايا كثيرين يقبعون الآن في السجون بديون تبلغ المليارات بسبب شهادة زور وبهتان لا يمكن إبطالها وفق إجراءات ونصوص التقاضي السائدة، ودعا إلى ضرورة التثبت من عدالة الشاهد حتى لا يتضاعف ضحايا شهادة الزور التي تشمل قضايا الميراث وسجلات الأراضي، ونأمل أن يكون هؤلاء الضحايا قد فك أسرهم وفرجت كربتهم بعد ذلك الظلم المبين. لكن على الصعيد الاجتماعي والديني فإن القضية تستحق وقفة للمراجعة، فالظروف الاقتصادية الضاغطة أفرزت تداعيات حادة في البنية الاجتماعية فبرزت العديد من الظواهر السالبة كالغش والاحتيال والتزوير والاختلاس ثم مؤخراً تفاقمت ظاهرة شهادة الزور التي من المتوقع أن يصبح لها سماسرة يتقاضون مبالغ معلومة نظير إرشادهم أو جلبهم لحالفي الزور، فكلما كانت القضية معقدة وترتبط بمبالغ كبيرة سيرتفع بالمقابل عائد السمسار وحالف الزور. فالذي يريد أن يلهف عمارة ليس كمثل الذي يريد أن يثبت ملكية سيارة بيجو زوراً، ومن يدري ربما أصبحت لهم مكاتب يعملون فيها تحت واجهات سمسرة عقارية أو مكاتب استخدام أو سياحة، وكلما كان حالف الزور لا يطرف له جفن وهو يكذب بل ربما كانت له القدرة على إهدار الدموع وإصدار الآهات كان مرغوباً لدى مكاتب السماسرة. «عليَّ الطلاق أخلي ليك القاضي يحكم ليك في جلسة واحدة لمن يحتار خصمك أنت بس بز والباقي علينا». كشكول من المفردات المتوقعة التي ستحتل مكانها في أدبيات سوق سماسرة الزور، لكن ربما كان السؤال هو كيف ينوم حالفو الزور ملء جفونهم وهم إما تسببوا في إهدار حق أو سجن بريء يحرمونه من حريته أو يعرضون أسرته للضياع ويتسببون في سلب عافيته وربما موته؟ عليه لا بد أن تجد هذه الظاهرة السالبة وقفة من أئمة المساجد والأجهزة الإعلامية لتبيان حكم الدين فيها. فالمعروف أن شهادة الزور من الكبائر وقرنت بالشرك «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أنبئكم بأكبر الكبائر «ثلاثاً»؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور. قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت». رواه البخاري ومسلم، قال ابن حجر في قوله: «وجلس وكان متكئاً» يشعر بأنه اهتم بذلك. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع «السائل المستطعم أو الخادم» لأهل البيت، وأجازها لغيرهم. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلد شاهد الزور أربعين جلدة، ويسخم وجه، ويحلق رأسه، ويطوف به في السوق. وقال أكثر أهل العلم: ولا تقبل له شهادة أبداً وإن تاب وحسنت حاله. ومن قصص ضحايا شهادة الزور وعاقبة فعلهم الإجرامي أن كتب أحدهم في صحيفة الرياض السعودية أن طالباً مهملاً وضع حشيشاً في شنطة طالب متفوق واتهمه بتعاطي المخدرات فحطم حياته، وامرأة هدمت أسرة هانئة بعد أن كادت للزوجة واتهمتها بالخيانة بمساعدة قريب لها، وثالث اقترض مبلغاً من زميل له ثم أنكره، ورابع سلب أرضاً ليست له بشهادة زور. وكانت عاقبة هذا الظلم كما أوردت الصحيفة أن الطالب الظالم أصيب بحادثين أحدهما قطع يده والآخر جعله حبيس الكرسي المتحرك! أما المرأة فأصيبت بالسرطان ومات قريبها حرقاً! كذلك خسر الذي أنكر الدين أضعاف مبلغه وتوفي له ثلاثة أولاد في حادث! والأخير تلفت أرضه وأصيب بحوادث أخرى. «أخيراً يا ناس شهادة الزور بعد ما تموتوا يمكن ما تلقوا زول يصلي عليكم غير المزوراتية في سوق الله أكبر وفي رواية أخرى بتاعين التلات ورقات»، أها رأيكم شنو؟!