هل دائماً الناس في بلادنا هذي تنفعل بالسلبيات وتكون في حالة هدوء تام إذا قام البعض بإيجابيات في غاية الأهمية؟ قوات التدخل السريع يخبرنا قائدها اللواء عباس عبد العزيز بأنها دمّرت سبعين بالمائة من قدرات حركات التمرد، وأنها سحقت متمردي العدل والمساواة والجبهة الثورية في جبال النوبة الغربية. وظننت أن يخرج المواطنون خاصة أبناء جبال النوبة وبالأخص من فقدوا أعزاءهم في هجمات المتمردين ويهتفوا بأعلى صوتهم لا للتفاوض وحده مع قادة التمرد والمتحدثين باسمه دون أن تقوم الدولة بواجبها تجاه حماية المواطن. تبقى المفاوضات من جانب الدولة تعبيراً سياسياً عن قبولها لها من جانبها، واعتمادها كسبيل للحل السلمي الذي هو أفضل من الحل العسكري، لكن إذا سار التفاوض بهذه الطريقة البطيئة وبوضع المعوقات أمامها كما رأينا أخيراً ما حدث في أديس أبابا فما ذنب الذين يتعرضون للمآسي من هجمات المتمردين؟! وهل يشجع المجتمع الدولي استمرار بلاوي التمرد في القارة الإفريقية؟! إنه لا ينظر إليها من زاوية التشجيع أو غيره، لكنه يحسب حسابات متطلبات تحقيق مصالحه، بغض النظر عما سيخلفه من آثار سلبية على صعيد «الإنسان الإفريقي» وحتى أمثال ياسر عرمان ونصر الدين الهادي لا يضعون في حساباتهم أن ما يصبون إليه يقتضي سفك دماء المواطنين في جبال النوبة. وقد حكى مولانا هارون في برنامج «بمنتهى الصراحة» الذي يقدمه الأستاذ خالد ساتي بفضائية الخرطوم، حكى كيف أنه أقنع عبد العزيز الحلو حينما كان نائبه كوالي لولاية جنوب كردفان بأن يتضامنا لتحقيق إنجازات أمنية واقتصادية في الولاية، ويقول مولانا هارون إن الحلو بعد أن راقت له الفكرة، اجتمع به نصر الدين الإمام الهادي وياسر عرمان، وتحول بعد ذلك «180 درجة» على حد قول مولانا. إذن ابن الإمام الهادي، وابن عمنا «الرويبضة» كلاهما لا يمهه أن يعيش مواطن جنوب كردفان في أمن واستقرار، ولو كان هذا التمرد يطلق صواريخ الكاتيوشا التي تغنمها إسرائيل من عمليات «المزاح» التي يقوم بها حزب الله اللبناني في مزارع شبعا وليس في عمق تل أبيب، ولو كان يطلقها في حي الملازمين بأم درمان أو بيت المال قرب مساكن آل المهدي، أو كان يطلقها في ولاية الجزيرة قرب حلة سعيد حيث عشيرة ياسر عرمان، هل كان يسرهما الحال أي نصر الدين وعرمان؟! مؤسف جداً أن يكون جزاء أبناء النوبة الذين حاربوا مع الحركة الشعبية قرابة ربع القرن ومنهم من قتل ومن جرح، هو قتل أسرهم وأهاليهم بالكاتيوشا وبالاعتداءات بأسلحة التفتيش التي يحملها المتمردون على أكتافهم. ليس هذا هو الذي خرج من أجله أبناء النوبة.. لقد ساروا وسروا وراء سراب النضال، وراء أسطورة النضال التي أغرى بها قرنق أعداداً كبيرة جداً من أبناء الجبال لإقناعهم بالانخراط في صفوف قواته، لمحاربة «قوات الشعب المسلحة»، لكن بعد انفصال الجنوب أصبح ذووهم هم المتضررون بجيش قرنق، ويضاف إليه قوات حركات دارفور التي طالما وجدت الدعم من الحركة الشعبية. قوات التدخل السريع أم المفاوضات البطيئة يا مواطني جنوب كردفان والنيل الأزرق؟! نصر الدين الهادي ليس من جبال النوبة يحرض الحلو على إشعال الحرب في جبال النوبة. عرمان ليس من جبال النوبة، ويضع العوائق أمام مسار التفاوض في أديس أبابا. إذن نتساءل: أين أبناء النوبة الذين يستوعبون أن مناطقهم داخل دائرة المطامع الغربية؟! أين خميس جلاب أين كودي أين عفاف تاور أين تابيتا بطرس؟! أين نساء النوبة المتعلمات المثقفات؟! أين مسيراتهن العفوية؟! لماذا تخلو طرقات كادوقلي وتلودي والدلنج والخرطوم من مسيرات أبناء النوبة تندد بنزيف الدم المستمر بنيران قوات الجبهة الثورية وبتعطيل المفاوضات بواسطة «الغرباء»؟! ما علاقة الحزب الشيوعي بجبال النوبة حتى يقود وفد التفاوض بشأنها من جانب المتمردين الشيوعي عرمان؟! إن الشيوعية الغبية تحمل بذور فنائها الفكري، فماذا يمكن أن يقدمه منسوبوها لبعض قضايا البلاد؟! جبال النوبة ينتمي إليها البروفيسورات والدكاترة والمهندسون والقضاء وكبار الاقتصاديين والأكاديميين مثل بروفيسور خميس كجو كندة، فهل هي في حاجة لعرمان ليجلس حول شأنها مع ممثلي الدولة؟! لكن صبراً أبناء النوبة إن موعدكم انتصارات قوات التدخل السريع التابعة للقوات المسلحة. إن التدخل السريع أفضل لأبناء النوبة من التفاوض البطيء. من أجل أطفال ونساء وشيوخ النوبة راهنوا على التدخل السريع، واحتقروا التفاوض البطيء الذي يريد عرمان أن يبني به مجده. أي مجد لمن ذهب إلى التمرد في سبتمبر 1986م؟!. ذهب بعد ثلاثة أشهر مضت على عمر الحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي، إنه كان يناضل ضد الديمقراطية.