فى الآونة الاخيرة احتدم الصراع بين المؤتمر الوطني فى الشمال والحركة الشعبية فى الجنوب حول منطقة أبيي والى اى الدولتين تتبع ابيي، إلى أن وصل أضابير هيئة التحكيم الدولية بلاهاي، وهناك اسئلة مُلحة يجب الاجابة عنها، ما هي الجذور التاريخية لمشكلة أبيي؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى تفاقمها إلى هذا الحد؟ وما هو العلاج الصحيح؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤلات نعطي نبذة مختصرة عن هذه المنطقة، وذلك مما يكشف الأسباب التي تجعل لبعض المناطق أهمية.. فمنطقة أبيي تقع بين كردفان ومنطقة بحر الغزال بدولة الجنوب ضمن حزام السافنا الغنية بالنباتات والأراضي الخصبة والمياه الغزيرة.. ووضعية أبيي جعلت الناس يقصدونها من كل صوب بغض النظر عن ذلك، فالمنطقة شهدت تعايشاً منقطع النظير بين القبائل المختلفة خاصة بين القبيلتين الكبيرتين في المنطقة «المسيرية ودينكا انقوك» إثر ميثاق التعايش الذي وُقّع بينهما، ووفقاً لمراقبين يمكننا القول إن جذور المشكلة ترجع إلى عهد الاستعمار الإنجليزي للسودان، فقد قامت الإدارة البريطانية في أواخر الثلاثينيات بإجراء استفتاء لدينكا نقوك بزعامة «كوال أروب» وأعطته الخيار إذا كان يريد الانضمام إلى الجنوب أو الاستمرار في الشمال، وأن يبقى تابعاً لمجلس ريفي المسيرية والتخلي عن الشمال، والاستفتاء انذاك كان على نسق الاستفتاء الاحادى الذى اقامه دينكا نقوك من طرف واحد فى اكتوبر 2013م، ، مما أثار الكثير من الشجب والادانة من المسيرية والحكومة والمجتمع الدولى ايضا بعدم الاعتراف بنتيجة الاستفتاء. وفى الآونة الاخيرة ومع انشغال دولة الجنوب بالحرب الاهلية الدائرة فيها بات هناك انشغال واضح وانصراف تام عن قضية ابيي، لكن يبدو أنه الهدوء الذى يسبق العاصفة، وبالفعل هبت رحى العاصفة وباغتت مليشيات جنوبية المسيرية امس الاول شمال أبيي بمنطقة «لكي الأبيض»، ودارت معركة استشهد فيها «13» من المسيرية وجرح «30» آخرون تم إسعافهم لمستشفيات «دفرة، المجلد وهجليج» بينما لقي أكثر من «350» من المليشيات الجنوبية مصرعهم، وفيما تمكنت المسيرية من ضبط كميات كبيرة من الأسلحة بينها راجمات ومدافع هاون و «آر. بي. جي» أعلنت تمسكها بمنطقة أبيي وسودانيتها، متهمين جهات جنوبية بقيادة حملة منظمة للقضاء عليهم، وطالبوا الرئيس والحكومة بالتدخل لحمايتهم في مقابل الحملة الممنهجة ضدهم، وأبلغ القيادي بالمسيرية عبد الرحمن أبو سفة «الإنتباهة» أن المليشيات الجنوبية هاجمتهم في السادسة صباحاً أمس بمنطقة «لكي الأبيض»، وأشار إلى استشهاد عدد من المسيرية وجرح آخرين، وكشف عن ضبطهم أسلحة ثقيلة «350» قطعة سلاح مختلفة بينها راجمتان و «20» قرنوفاً و «8» دوشكات و «6» مدافع هاون، و «16» «آر. بي. جي» إضافة لأسلحة خفيفة أخرى، وأكد أن المسيرية استبسلوا في المعركة، وأعلن أنهم لن يتنازلوا عن منطقة أبيي، وأضاف قائلاً: «ما بنتنازل عنها إلا تقوم القيامة»، واتهم القوات الأممية بالتواطؤ لصالح المليشيات الجنوبية، وقال إن الرئيس مسؤول أمام الله لحمايتهم، وعبر عن استغرابه لغياب لجنة الإشراف والمراقبة عن المنطقة. والملاحظ فى علاج قضية أبيي أنه لا يكون إلا بالفكر والارادة السياسية الواعية والتعمق الى جذور القضية التى افرزها المستعمر، ولا نحتاج إلى كبير عناء لإثبات الواقع الذي كان عليه المسيرية في ابيي، وكيف اندمج الدينكا مع المسيرية، وكيف أنهم رفضوا الانضمام إلى بحر الغزال وآثروا البقاء في الشمال، بالرغم من المحاولات المتكررة التي قام بها الإنجليز. وتجدر الاشارة إلى اسباب النزاع ومن ثم الاقتتال بين القبائل في أبيي وما حولها، وهو الصراع حول المراعي والمياه التي تجف وتقل في فترة الصيف شمالاً، فيتجه الرعاة جنوباً إلى بحر العرب، فيحدث الاصطدام وفق اتفاقية نيفاشا لأهل المنطقة التي يظهر فيها البترول الأثر في إذكاء نار الصراع والاقتتال بين القبائل في أبيي وغيرها، وبالتالى يمكننا القول ومن خلال الاحداث آنفة الذكر أن تلك هي جذور مشكلة أبيي وتطوراتها فى كافة مراحلها المختلفة مرورا بما آل اليه الوضع الآن، واشار رئيس اتحاد المسيرية محمد خاطر جمعة قائلاً ل «الانتباهة»: يظهر من خلال التطورات المتسارعة لهذه القضية مدى تهاون الحكومة والوسط السياسي في السودان وعجزهم عن قول كلمة الحق فى قضية ابيي نسبة لحسابات المصالح واللهث وراء كرسي الحكم، حيث لم يعترض أحد بشكل جريء على هذه المهازل بصورة مباشرة سواء اصحاب الشأن الحقيقيين أو الحادبين من ابناء ابيي، وأشار خاطر جمعة إلى أن الهجوم الذى تعرض له المسيرية امس الاول يعتبر الاكبر من نوعه، ولم يحدث مثله من قبل، وسبقت الهجوم سرقة «900» بقرة من المسيرية، ومن ثم تلى ذلك الهجوم. واكد جمعة ان قوات «اليونسفا» على علم بما تخطط له هذه المليشيات بما يوضح جلياً التواطؤ الواضح معهم، وقال جمعة باقتضاب واضح: طالبنا الحكومة مرات عديدة بإقامة فاصل بين جنوب بحر العرب لحماية العرب الرحل، لكن الحكومة لم تستجب للمطالبة المتكررة نسبة لانشغال الحكومة بمجريات احداث الساحة السياسية الآن وبان واضحاً ان الجنوبيين الفارين من الحرب ضربهم الجوع وبلغ حد السرقة، وهو ليس امراً جديداً فهو ديدنهم. وفى ذات الاثناء حذر جمعة من مغبة تجاهل الحكومة لمطالب المسيرية وليس من مصلحتها تجاهلها، لأن قضية ابيي تعتبر قضية عامة لكل السودان وليست خاصة بالمسيرية فقط، واعتبرها جمعة مصلحة عامة، واصفاً حالة المسيرية ب «الحُلم» قائلاً: احذروا «غضب الحليم» ولا «يلومنا احد فى حالة الغضب والتصرف بطريقتنا والرد المناسب على الدينكا، على حد قوله. والمعالجة الحقيقية لمشكلة أبيي وقبلها مشكلة جنوب السودان أو دارفور أو غيرها لا يكون عبر اتفاق نيفاشا أو مقررات «دانفورث» أو هيئة التحكيم الدولية بلاهاي، وذلك لسبب واحد هو أن الذين يطرحون هذه الحلول هم الذين أوجدوا هذه المشكلات في السودان كما بيّنا من خلال ما ورد فى جذور مشكلة أبيي وتطوراتها.. فهل يمكن أن يكون الداء دواءً؟ إذن فما هو العلاج الصحيح؟