كان العديد من المراقبين يضربون الأمثال برؤساء الاتحاد السوفيتي السابق باعتبارهم أنهم الأكبر سناً والذين عادة ما يغادرون سدة الحكم إلى القبر مباشرة، لكن حتى في عالمنا العربي والإفريقي هناك العديد من الشواهد على تشبث الحكام بالحكم وإن طال بهم العمر أو حاصرتهم الأمراض، وغالباً ما يخفي هؤلاء الزعماء حقيقة مرضهم ويعتبرون الحديث عنه في وسائل الإعلام من المحرمات، وذلك حتى لا يقدح أحد في مدى لياقتهم الصحية للحكم، وأمس قرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة البالغ من العمر «77» عاماً الترشح لفترة رابعة رغم أن مرضه أقعده من الحضور في المشهد السياسي منذ «22» شهراً، وعندما جاء للترشح لم يدل بحديث واكتفى بإعلان ترشيحه في جملة قصيرة قدرت بأربع عشرة ثانية فقط، وكان بوتفليقة قد تعرض لوعكة في العام «2005» نقل على إثرها بطائرة إلى فرنسا للعلاج، بيد أنها وصفت أنها غير خطيرة، ومنذ العام «2012» باتت فترة حكم بوتفليقة هي الأطول بين الرؤساء الجزائريين، ومن المنتظر في حالة فوزه المؤكد في الانتخابات القادمة شأن معظم رؤساء العالم الثالث، أن يترشح لفترة خامسة سيما وأنه قد اكتسح انتخابات «2009» للمرة الثالثة على التوالي بأغلبية ساحقة قدرت بنسبة تجاوزت «90%» بعد أن عدّل الدستور حتى يتمكن من الترشح مرة أخرى، وعندما ترشح بوتفليقة أمس قال الوزير الأول عبد المالك سلال في معرض إجابته عن سؤال حول الوضع الصحي للرئيس، وعما إذا كان سيسمح له بتحمّل تلك المسؤولية الكبيرة؟ قال إن القدرات الفكرية للرئيس جيّدة، وحالته الصحية في تحسن مستمر، مؤكداً أنه في اتصال دائم به، واستشهد برسالة بوتفليقة، الأخيرة إلى الجزائريين بمناسبة يوم الشهيد، وقال إنها بخط يد الرئيس نفسه، وهو ما يبرز حسب قوله مدى التحسن الذي وصلت إليه صحة بوتفليقة. وكان سلفه الرئيس هواري بومدين الرئيس الجزائري بحسب الوسائط الإعلامية، قد أصيب بنوع نادر من سرطان الدم، وتم علاجه في أحد المستشفيات السوفيتية، وكان يغيب عن الوعي في الشهور الأخير من حياته، ولكن الجزائريين لم يعلموا شيئاً في ظل تكتم السلطات على مرضه. أما الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد فقيل إنه عانى كشكولاً من الأمراض ابتداء من مرض السكر والقلب وأمراض الدم والسرطان، وكذلك الزعيم الفلسطيني الراحل كان هناك تكتم على مرضه، وقبله الرئيس جمال عبد الناصر حتى توفي فجأة بنوبة قلبية، وبعيداً عن العالم العربي فالرئيس السابق كاسترو قد عتم على مرضه حتى أقعده، وغيرهم من الرؤساء في القارة السمراء والعالم العربي خاصة، وفي السودان لم يعلن الرئيس الراحل جعفر نميري عن حقيقة مرضه الأخير الذي دفعه لزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث أطيح به عبر الانتفاضة الشعبية في السادس من أبريل عام «1985»، لكن يحمد للرئيس نميري أنه كان رياضياً ويتمتع بلياقة عالية قبل أن يداهمه المرض، ففي بداية الثمانينات كان يجمع عدداً من الضباط الكبار في الصباح الباكر ويعدو أمامهم، وكان يقفز من السيارة في الاحتفالات الشعبية للقاء الجماهير، بل أنه صعد يوماً على ظهر القطار لتحية مؤيديه وهي أمور كانت تعجب العامة خاصة وإن لم يحفل بها النخبة. ومن الطرائف أنه نقل عن الفراعنة أنهم كانوا يختبرون لياقة حكامهم عبر ما يعرف بعيد الملك حيث يقوم الملك بعملية عدو «جكة» بالطبع إذا كان مستعداً لها، ولعل هذا الاختبار لو طُبق اليوم على رؤساء المنطقة لسقط جلهم بالسكتة القلبية.