بعد زيارتهم إلى الفاشر وقضاء ساعات في ضيافة الوالي عثمان كبر، نقول إن نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الله ومدير جهاز الأمن محمد عطا اللذين رافقهما وزير الدفاع وبعض كبار ضباط الشرطة والجيش، هل سنسمع منهم بياناً أو نقرأه يقول إن التمرد انتهى في اقليم دارفور «كتمرد ضد الحكومة»، ولكن جاء انتهائه كتطوير لآليات أنشطة النهب المسلح، فما حدث في اللعيت جار النبي وحسكنيتة والطويشة أخيراً لم يسعني أن أصنفه نشاطاً من أنشطة التمرد إذا قسناه مثلاً بتمرد الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق طيلة قرابة ربع القرن. ومثل الجيش الشعبي ما كان ليصل إلى مستوى قدراته حتى عام 2002م، إذا كان يُغير على القرى والمناطق البعيدة من الحماية العسكرية والشرطية لقتل أصحابها ونهب ممتلكاتهم. نعم كانت قد وقعت أحداث نهب للأبقار هناك لكن دون أن يكون ذلك بطريقة النهب والسلب التي تحدث من الحركات المتمردة في دارفور. ولا أرى أنها تستحق صفة «متمردة» الآن. فهي الآن حالة تطور لقدرات النهب المسلح، إذا كان في السابق الاعتماد فيه على بندقية «الكلاشنكوف» والآن بالمدافع الفتاكة المحمولة على ظهور سيارات اللاندكروزر. إن التمرد هو محاولة لتغيير الحكم من أجل المواطنين من وجهة نظر المتمردين سواء أكانوا مواطنين دولة أو إقليم معين بداخلها. لكن أن تقتل المواطنين وتنهب ممتلكاتهم وتحرق أسواقهم وتدمّر مرافقهم كما يرشح في أخبار الصحف والمواقع، فهل هذا تمرد بدافع قيم نضالية؟! إنه مثل نضال ياسر عرمان الذي ذهب الى التمرد في لحظة غريبة ومريبة، فقد تمرّد هذا «الجلابي» المحتال في سبتمبر 1986م. وفي ذاك الوقت لم تمض على رئاسة الصادق المهدي للحكومة المنتخبة سوى ثلاثة أشهر. ورغم ذلك يقول عرمان إنه كان مناضلاً وخرج للنضال. إذن كان يناضل ضد الديمقراطية وهي طفلة في المهد صبية لم تحبُ بعد وعمرها ثلاثة أشهر، ولكنه عاد من النضال عام2003م ضمن وفد المقدمة في عهد البشير.. خرج في عهد الصادق وعاد في عهد البشير «دي يفلسفوها كيف يا السيد الصادق يا رئيس يا منتخب». وبالعودة إلى زيارة حسبو وعطا الى كبر والثلاثة أعضاء في الحركة الإسلامية، هل استحضروا رؤية الحركة الإسلامية لحسم مشكلة النهب المسلح في إقليم دارفور في ثمانينيات القرن الماضي؟! وكان الحل طبعاً لهذه المشكلة بتضامن إقليمي بين السودان وتشاد تمثل في إتفاقية مايو 1968م بين الدولتين. وتشاد الآن أيضاً تتفق مع الخرطوم في أن يكون محيط الحدود بينهما هادئاً، فلا ينزعج السودان ولا الحكومة التشادية ولا القوات الفرنسية هناك، فتشاد نالت استقلالها دون جلاء للقوات الفرنسية، لذلك فهي تنزعج من استمرار حالة الحرب على الحدود، حتى ولو كانت تقوم بخطف الأطفال اللاجئين السودانيين إلى فرنسا كما حدث أن فعلت. ورؤية الحركة الإسلامية لحسم النهب المسلح في دارفور هي أن تقام صداقة وأخوة عميقتان وقويتان بين البلدين، وهذا ما عملت له الحكومة السودانية حينما أيدت التغيير الدستوري هناك بعد تسلم ادريس دبي السلطة، رغم أن سلفه يقال إنه من الإسلاميين وإنه «زول جهاد» وهو ابن قبيلة القرعان حسين حبري. ترى هل كانت تسميته بالحسين مصادفة؟!. لكن بعد فترة استثنائية طويلة عادت العلاقات بين حكومة دبيوالخرطوم كما كانت أول مرة. الآن المطلوب من حسبو وكبر ومحمد عطا مراجعة اتفاقية مايو 1968م، ما دام التمرد قد تحوّل إلى نهب مسلح بصورة متطورة بفضل السلاح المتطور الذي كان أصلاً لدعم التمرد. ولتعلم الحركة الشعبية لتحرير السودان كما مازالت تسمي نفسها أنها وراء تطوير آليات النهب المسلح في اقليم دارفور حتى ولو كان تعضيد نقل التمرد من الجنوب إلى الغرب. بالفعل كانت عملية نقل للحرب من هناك الى دارفور، لكن الظروف القاسية المعروفة التي مرت بالحركات المتمردة هناك حولتها إلى نهب مسلح متطوّر جداً. نهب بنوك وأسواق وسيارات وبضائع. والمطلوب من حسبو وكبر ومحمد عطا أن يحتفلوا بإنهاء الحرب في دارفور، وفي ذات الاحتفال يحدثوننا عن كيفية إنهاء النهب المسلح، خاصة أن لحرب إفريقيا الوسط افرازات متوقعة، فالنهب المسلح أصلاً بدأ كإفرازات للحروب التشادية.