داخل موسوعة الشخصيات الصحفية في تاريخ الصحافة السودانية أسماء كثيرة. قدمت كل المتاح من تنوير وإدراك لجموع الشعب السوداني. من ضمن هذه الشخصيات الأسماء الأولى في مسيرة العمل الصحفي خلال فترة الاستعمار البريطاني للبلاد. وداخل هذه الفترة يبرز الاثنان أحمد يوسف هاشم وبشير محمد سعيد كاثنين من الأسماء التي صنعت حالة من الحراك والدفع لقضية الاستقلال ونشر الاستنارة تبشيراً بمقدم فجر الحرية والانعتاق رغماً عن الأحد عشر عاماً التي كانت فارقاً بينهما عمراً إلا أنهما ظهرا في نهايات الأربعينيات وكأنهما أبناء عمر واحد. فأحمد يوسف هاشم من مواليد العام «1907م» بينما بشير محمد سعيد من مواليد العام «1918م». الاثنان عملا بوظائف حكومية قبل ولوجهما الصحافة كمتفرغين لها. فبينما عمل أحمد يوسف هاشم ككاتب قضائي منذ العام «1928م» وحتى العام «1931م» ليتفرغ للكتابة بمجلتي النهضة والفجر ومن ثم يؤسس مجلة السودان الجديد في العام «1944م» لتصبح صحيفة في العام «1948م». نجد أن الأستاذ/ بشير محمد سعيد عمل أولاً معلماً بالمدارس الوسطى ومن ثم أصبح معلماً للمعلمين بكلية المعلمين الوسطى ببخت الرضا. ومن ثم كانت دار النشر التربوي برئاسة المعارف «التربية والتعليم» دافعاً له لإمتهان العمل الصحفي باعتباره أحد المؤسسين لقسم ثقافة الطفل، وفي هذا فقد كان أحد الأربعة الذين أوكل لهم تأسيس مجلة الصبيان في العام «1948م». زاوج اللثنان بين نشاطات متعددة داخل حياتهما في فترتي الأربعينات والخمسينات. فبجانب العمل الصحفي في حياة أحمد يوسف هاشم فقد كان قريب الصلة من سياسي ذلك العصر وتحديداً زعماء الطائفتين الكبيرتين الأنصار والختمية. ورغماً عن قربه من قيادة الختمية إلا أنه كان يحتفظ بعلاقات يشوبها الاحترام مع الأنصار وحزب الأمة، زائداً اهتمامه المتزايد بتطوير الصحافة السودانية. يتأتى كذلك اهتمامه بالأدب العربي وتحديداً الشعر وخير دليل على ذلك استشهاده به في كثير من مقالاته الصحفية. سار بشير محمد سعيد كذلك في جانب المزاوجة الواضحة بين العمل الصحفي، والاهتمام بالثقافة وإنشاء العلاقات الاجتماعية زائداً اهتمامه الواضح بالسياسة العالمية. في جانب اهتمامه بالسياسة فقد كان بشير محمد سعيد ذا علاقات مع جميع ألوان الطيف السياسي. فمن حزب الأمة كان المحجوب من أصدقائه. أما من الحزب الوطني الاتحادي فالعملاقان الأزهري ومبارك زروق من أقرب الاتحاديين له. كذلك وحين نشوء حركة اليسار السياسي ارتبط بعلاقات مع قيادتها ومنهم عوض عبد الرازق وحسن الطاهر زروق. الاثنان لم يكونا من ذوي التوجهات الصارخة سياسياً. بل كانا من الشخصيات المتزنة في جانب العلاقات والرأي. وبل الكتابات كذلك. للاثنان أدوار وطنية خالدة، فأحمد يوسف هاشم كان الصحافي الذي تلقف فكرة إنشاء مؤتمر الخريجين من داخل الندوة الأدبية بود مدني. وكان أن بشر بقيام المؤتمر بمجلة الفجر. كاتباً بعدد أكتوبر «1937م» بأن هذا العدد سيكون العدد الأخير من المجلة للتفرغ لإنشاء المؤتمر. يعتبر المرحوم أحمد يوسف هاشم هو صاحب أشهر مقال صحفي في تاريخ الصحافة السياسية. وهو مقال بعنوان: «حكومة المفتشين» قام بكتابته بعد تكاثر الشكاوى من ممارسات مفتش مركز كتم بغرب السودان وهو الطاغية البريطاني «مور». في جانب الأُستاذ/ بشير محمد سعيد فقد ظلت كتاباته الدالة على عمق معرفته بالسياسة واحدة من ضمن متلازمات شخصيته. ومن ذلك سبقه الصحافي الأهم في تاريخ الصحافة السودانية حين علم من مصادره الصحفية يوم «18 ديسمبر 1955م» بأن الاستقلال الكامل للدولة سيتم إعلانه في اليوم الذي يليه، فما كان منه إلا أن كتب على صدر صحيفة الأيام في يوم إعلان الاستقلال من داخل البرلمان «الأزهري يفجر اليوم قنبلة بالبرلمان». رحل الاثنان وبقي منهما بريق الكلمة ورصانتها ومهنية الأداء الصحفي.