وكان الصديق هذا رجلاً فقيراً رقيق الحال.. يسكن بالإيجار.. ومثقل بكثرة العيال، يمر عليه اليوم واليومين وقد لا توقد في داره نار. وكان كثيراً ما يداعبه صديقه لظروفه هذه ويؤانسه ليفرج عنه الكرب وضيق الحال.. وبعد ذلك كله يساعده بما تيسر من المواد والمال. وفي ذلك اليوم الذي زار الرجل فيه صديقه الفقير هذا وجده طريح الفراش يعاني من «نزلة»، وبما أنها يدللونها بمرض العافية.. او كما يقال، إلا أن تلك النزلة اللعينة قد اهلكت جسمه لما عرف عنه من الضعف والهزال.. وجلس الرجل الى صديقه واستعدل وقال: «الليلة انا حا أوصف ليك دواء يطير ليك النزلة دي في يومين.. وبعدها يا صاحبي تشوف شغلك وأهلك حامدين شاكرين». استعجله المنزول وكاد من الفرح ان يشفى من نزلته وقال: «احكي يا صاحبي سريع وقول.. أنا النزلة برتني بري وخلتني زي قشرة الفول» فقال الظريف: «شوف يا صديقي العزيز.. تمشي الليلة للجزار يعزل ليك اتنين كيلو من لحمة الضأن، على شرط يكون من حملاً صغير مليان.. وخلي الجزار يتوصى بيك كثير لأنك راجلاً فقير.. وتغشى كمان سيد الخضار خليهو يصلح ليك سلطة كااااملة فيها الجرجير والعجور والطماطم والبصل الاخضر والشطة الخضراء والليمون الجزر والبنجر والخس والفلفل الاخضر والبقدونس وما تنسى الخيار. والحاجات دي كلها تجيبا يا صاحبي تديها لي ام العيال تظبط ليك منها أول شيء شوربة مدنكلة ومعها حلة رز مفلفلة.. وتطلع لحمة الضأن براها تعمل ليك منها شية صاج تظبط المزاج وتمصر عليها ليمونة وتخلي عطرابتا مجنونة.. أها وانت قبال ما تجي من السوق ما تنسى كمان تغشى معاك سيد الفواكه.. اصلو التحلية اهم عناصر التغذية.. والبطيخة تكون حمرا مدورة زي القمرة. وما ضروري تكتر في الفواكه كثير.. وعشان السعر بما يكون عليك تقيل اعزل ليك كيلو واحد من الموز ودستة برتقال، وتفاح وعنب ومنقة وقريب وكفاية بس، المثل يقول ليك اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، اها يا صاحبي خلي الولية الصابرة الوفية تخلط من ده كله عصير كتير وتخت قدامك الجردل وكوزاً كبير وما تنسى بعد داك يا صاحبي الشاي الاحمر والاخضر.. علي الطلاق باكر تجري لي شغلك والنزلة تطير وترجع احلى وانضر. وكان المنزول طيلة ذلك السرد الشهي من الصديق الوفي تظهر على اساريره الابتسامات، فاحياناً يجلس واخرى يهمس وهو يقول: جداً.. حاااااضر .. احكي.. اسرع.. قول.. قول.. جوعتنا يا أخي ما معقول، ثم بعد ان فرغ صديقه من تلك الاوصاف الشهية لوجبة الطعام المندكلة وغنية، سال المريض صديقه الظريف قائلاً: نسيت يا صاحبي الخدوم تحدد لي عدد الوجبات كم في اليوم.. مرة واحدة او ثلاث مرات أم عند اللزوم؟ فاجابة صديقه الظريف: «يا صاحبي انا عارف الحال.. ممكن تكون فنة في الدهر.. او مرة في العمر.. المهم اهو ده علاجك على أي حال».. خليناك عافية.