وأنت تتجول بالريمود عبر الفضائيات آسيا واوروبا وافريقيا والاميركتين واستراليا وتصل حتى مشارف «آي سلاند» القطب المتجمد إذن فأنت لا تحتاج لعناء السفر ولا إجراءاته المعقدة.. تشوف وتسمع وتتنور.. وتهبط في اليابان عبر «الريمود» فتجد اسرة يابانية تزرع الخضروات في اسطح احدى العمارات وتستغرب، ثم تتحول من آسيا لاوروبا فتجد اسرة اوربية في فرنسا تزرع الخضروات على سطح إحدى العمارات حيث يسكنون فيزيد استغرابك.. ثم تضع الريمود جانباً وتتصفح إحدى المجلات فتقرأ عن أنه في جزيرة «ايسلاند» مع القطب المتجمد حيث كل شيء متجمد ماعدا ارادة الانسان.. تجدهم يزرعون الخضروات هناك؟.. وهذه المرة تندهش ولا تستغرب فقط وحينما تستمر في القراءة تجد أنهم يستخرجون من باطن الأرض المياه الساخنة التي تتصاعد من البراكين.. فيوصلونها «بمواسير يستثمرونها في اغراض التدفئة في المرافق العامة والخدمية والمنازل ثم ترتفع درجة الاستغراب والدهشة عندك حينما تقرأ ايضاً انهم يصممون مزارع موصولة بتلك المواسير ذات المياه الدافئة لتكييف بيئة أشبه ببئتك انت في السودان.. وتسأل ماذا؟ يجيبون: نعم نحن نريد أن ننتج منتجاتك الزراعية ونستمتع بما لذ وطاب من الفواكه وأهمها الموز.. وتكاد تطير من الدهشة وانت تقرأ انهم فعلاً انتجوا الموز!! وكمان وزعوا الانتاج الأول على الاطفال..!! ذلك عندهم بمثابة كأس الدوري الممتاز. ولا تكاد تفيق من كثرة الدهشة والاستغرابات والاندهاشات حتى تتناول صحيفة سودانية فتقرأ فيها هذا الخبر بعنوان الزراعة الأسرية: يقول: «السودان يقدم ورقة عن الزراعة الأسرية في مؤتمر اقليمي بتونس» ثم تنتفض جالساً على سريرك، وقد احاطت بك الاندهاشات من كل جانب وتسأل نفسك: «الزراعة الأسرية ؟؟!!» فتأتيك الاجابة من واقع الاندهاشات السابقة.. حتى اليابانوفرنسا وآيسلاند وتعود لتقرأ الخبر: «شارك السودان في الحوار الاقليمي بشأن الزراعة الأسرية لدول الشرق الأدني وشمال افريقيا في تونس الذي نظمته الأممالمتحدة ممثلة في منظمة الأغذية والزراعة العالمية «الفاو» بالتعاون مع وزارة الزراعة التونسية والمكتب الاقليمي «للفاو» وفي تونس ضمن 15 دولة وعدد كبير من المنظمات الاقليمية والدول العاملة في مجال الزراعة اضافة إلى منظمات المجتمع المدني. وقدم السودان ورقة قطرية عن تجربته في الزراعة الاسرية واهميتها لقطاعات المزارعين والمنتجين الصغار، واكد وزير الزراعة التونسي في الجلسة الافتتاحية اهمية الزراعة الاسرية في العالم العربي وما توفره لصغار المزارعين والمنتجين. وقبل ان تفيق من اندهاشاتك العالمية تأتيك دهشة محلية أسرية زوجية جانبية صغيرة.. فتسمع زوجتك تصيح بجانبك قائلة: «عليك الله يا ابو حمدنا الله، سيب التلفزيون والقراية الفارغة دي.. وقوم امشي السوق جيب لينا الخضار.. الليلة الثلاجة فااااضية .. عليك الله ما تنسى جيب لينا معاك بامية طبيخ اشتهينا البامية.. روحنا دي مرقت فيها.. كمان كان قلت كدي اتباركت وجبت ليها لحمة ضان، أطبخ ليك جنس بامية تقطع وراها اصابعك.. بس ما تنسى يا ابو حمدنا الله تشتري معاك الكسرة، الليلة ما بقدر أعوس.. وما تنسى السلطة.. أهم حاجة الطماطم والعجور والجرجير والبصل الأخضر والفلفلة الخضراء والجزر وما تنسى الليمون». وتلبس الجلابية بسرعة خيالية قبل أن تستأنف أم حمدنا الله باقي الطلبات و«تقلوظ» الطاقية وتخرج متجها نحو باب الشارع فتحصلك أم العيال وانت متسارع وتناديك: ابو حمدنا الله ما تنسى الموز عليك الله الدنيا أول شهر.. وكمان كان جبت معاك بطيخة، يكون ما خليت حاجة انت «يدك مبروكة، ما حصل عزلَتَ ليك بطيخة إلا طلعت «حلوة وحمرا». وعند الباب تتذكر أن زوجتك هي الأخرى محتاجة لصدمة اندهاشية فتجيبها على الفور: حااااضر.. عشان «حمدنا الله» بجيب الموز حاجيب ليهو موز إنما إيه «موز أبو آيسلاند» مش أبو نقطة!! فتندهش الزوجة وتعود مدده «ابو ايسلاند»؟ وفعلاً تنجح الفكرة وتغادر انت للسوق.. وهناك حيث تزول دهشتك الاجنبية فستبدلها بأخرى سودانية.. هناك حيث تجد الدرداقات بين كل درداقة ودرداقة درداقة، لا يفصل الدرداقات إلا سرب من الركشات!! أما الدرداقات فأنه خلف كل درداقة صبي أو شاب مفتول العضلات، وعليها تحمل المعروضات للبيع.. نبق سوداني وآخر فارسي!! وأخرى لالوب فقط!! وأخرى جراد محمر!! ودرداقة عيش ريف بجانبه منقد وجمر لزوم التحمير وعطرابة الدخاخين تصعد للسماء!! ودرداقة قصب سكر وسكين وصبي الدرداقة بارع في صنعته!! ودرداقة بها فرقوش واخرى بها ليمون!! ثم لا تكاد تزوغ من الدرداقات حتى تصل لسوق الخضار فتجد أن ما انتجته ارض السودان «الحنينة السكرة» مفروش على الأرض!! لكنها غااااالية.. وتتذكر الزراعة الأسرية وتتذكر كثيراً من المزارع الجدباء وان المفروش على الأرض هو بعض ما جاد به النشطاء من المزارعين فوصل إلى يد السماسرة وتجار الجملة والكثير الكثير الكثير من تجار القطاعي والمتجولين..!! ثم ترجع بذاكرتك إلى مؤتمر تونس والزراعة الأسرية وتعرف اخيراً أنها لازالت حبراً على «ورق»، وليتها كانت على «ورق» اللوبيا.. إذن لاخترنا لها لحمة عجالي بالدوش والعضام المقرشة، وما احلاه حينها مع «ملاح الورق.. وبالمناسبة المفروكات دخلت عليها تقنية «الخلاطات» واستغنت الستات عن «المفراكات».. نوصي كل أسرة في كل بيت.. أن اهتموا بالزراعة الاسرية.. ما احوجنا لها في البيوت السودانية.