دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة السودانية: نحن في الشدة بأس يتجلى!    السودان: بريطانيا شريكةٌ في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    البطولة المختلطة للفئات السنية إعادة الحياة للملاعب الخضراء..الاتحاد أقدم على خطوة جريئة لإعادة النشاط للمواهب الواعدة    شاهد بالفيديو.. "معتوه" سوداني يتسبب في انقلاب ركشة (توك توك) في الشارع العام بطريقة غريبة    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تقدم فواصل من الرقص المثير مع الفنان عثمان بشة خلال حفل بالقاهرة    شاهد بالفيديو.. وسط رقصات الحاضرين وسخرية وغضب المتابعين.. نجم السوشيال ميديا رشدي الجلابي يغني داخل "كافيه" بالقاهرة وفتيات سودانيات يشعلن السجائر أثناء الحفل    شاهد بالصورة.. الفنانة مروة الدولية تعود لخطف الأضواء على السوشيال ميديا بلقطة رومانسية جديدة مع عريسها الضابط الشاب    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    موظفة في "أمازون" تعثر على قطة في أحد الطرود    "غريم حميدتي".. هل يؤثر انحياز زعيم المحاميد للجيش على مسار حرب السودان؟    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    معمل (استاك) يبدأ عمله بولاية الخرطوم بمستشفيات ام درمان    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    انتدابات الهلال لون رمادي    المريخ يواصل تدريباته وتجدد إصابة كردمان    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحلام مدينة الصحفيين
نشر في الانتباهة يوم 15 - 03 - 2014

أبحرنا عبر المواقع نبحث عن مدن للصحفيين نموذجية، فوجدنا أنها تكاد تكون معدومة، ويسرى انطباع بأن السودان رائد في هذا المجال. وعشنا في البحرين مع مشروع يحلم بمثل هذا. ووجدنا بمصر إسكاناً للصحفيين تعد له العدة. وزرنا مدننا السباقة فوجدناها يعوزها الكثير وبحثنا عن من هو الصحفي ليفصّل لنا مدينة تناسبه، فوافتنا عبقرية «العقاد» بالكثير المثير.. وطفنا عبر فضاءات العالم العربي، فأذهلتنا «وثبته» الإعلامية ومدنه التي تفوق الخيال، وتصفحنا «أحلام المهندسين» فأكد لنا كاتبها المؤرخ بأنه ليس هنالك مستحيل.. فحلمنا وحلمنا بمدينة تشبه الصحفيين، وهم من لخصهم العقاد بقوله: «إن عمل الصحفي الحق رسالة، هي شيء فوق الحرفة وغير الصناعة، وهي وسط بين الفن ودعوة التبشير، والصحفي الحق موظف غير رسمي، وظيفته أن يخدم مصالح الجماعة الإنسانية فهو بهذه المثابة يولد ولا يصنع».
ثم خلصنا من بعد ذلك بعد جولة موثقة إلى ما ينبغي أن تكون عليه مدينة الصحفيين... ترضي تطلعاتهم وتعينهم على أداء رسالتهم الإنسانية وعبر هذا العرض سنجد الكثير.
يعتبر السودان رائداً في هذا المجال، ولكن «.....» بين القوسين قد تجد الإجابة متى تكون مدن الصحفيين جاذبة؟!، وهل يتحقق الحلم بتجربة البحرين؟ ينفرد قلم الصحفي «الموسوعة» عباس محمود العقاد بإبداع ملهم في مقاله عن «الصحافة والصحفيين» وكأنه يخطط لمدينة متميزة للصحفيين منذ ذلك الزمن البعيد. وحالياً وفي عصرنا هذا ينشأ ويخطط في كل من السودان ومصر والبحرين لمدن حديثة «لإسكان» الصحفيين، ويعتبر السودان رائداً وسباقاً في هذا المجال، فلقد أنشأت مدينتان قبل ست سنوات بالعاصمة القومية. إحداهما بمحلية كرري الحارة «100»، والثانية بمحلية شرق النيل الوادي الأخضر، وتبع المشروع إسكانات أخرى. والعقاد قبل أكثر من سبعين سنة رسم بقلمه في مجلة الرسالة «1938» مواصفات دقيقة رائعة للصحفي، وفي مقالته حدد احتياجات الصحفي الأساسية التي تعينه على أداء رسالته على الوجه الأكمل، بالتالي فإن ذلك ينعكس إيجاباً على الصحافة، إذا صممنا له بمدينته المعينات التي سنفصّلها لاحقاً.. وليس العقاد وحده الذي يكمل الخارطة هذه، فالزمن المتسارع والتقنية المذهلة تطور رؤية العقاد.
العالم اليوم في الألفية الثالثة شهد ميلاد الربيع العربي، ومعلوم دور الصحافة في صناعة الرأي العام، وقبل إسكان الصحفيين نلقى الضوء على الطفرة الإعلامية الشاملة. حيث يشهد العصر الحديث بالعالم العربي ميلاد مدن إعلامية ضخمة ميزانياتها تفوق ميزانيات عدة دول في العالم الثالث، وهي تزيد عن «13» مدينة إعلامية منها ثمان مدن إعلامية تخدم قطاع الإعلام. وهناك مدن إعلامية رئيسة على سبيل المثال: المدينة الإعلامية في دبي، ومدينة الإنتاج الإعلامي الحرة في الأردن، ومدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة ومثلها في لبنان والمملكة المغربية وقطر والبحرين وسوريا. ومعظم تلك المدن أصبحت مقصداً للشركات الإعلامية العالمية الكبرى، بل إن عدد الشركات المسجلة في دبي يزيد عن «96» شركة ضخمة و بها أكثر من «24» برجاً قام القطاع الخاص بإنشائها، هذا فضلاً عن الاستديوهات الضخمة لصناعة السينما والأفلام الوثائقية، وتتمتع كل مدينة بعشرات القنوات الفضائية.
يمكننا القول إنه بفضل ذلك التطور المذهل، و الربط بين الاتصالات وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات فإن الدول العربية أخذت تتجه إلى إعادة هيكلة الوزارات والجهات المشرفة على تنظيم هذا القطاع الحيوي والمؤثر لأجل شموله وتنظيمه، فأنشأت وزارات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وعلى ضوء ذلك سنت القوانين والتشريعات.
أما الصحف فإن العدد والتنوع لا يحصى، والأهم من كل ذلك هو أنها جزء أصيل من تلك الوثبة الإعلامية والتقنية، فتوسعت صناعة الصحافة الورقية والإلكترونية وتطورت تكنولوجيا هذه الصناعة، بل إنها تتسارع بمعدلات يومية في الجديد المدهش الذي يحتاج لمواكبة. وهذا ما حتم ضرورة التوسع في مجالات التدريب والمعاهد والجامعات في الداخل والخارج بل وأيضاً في مجالات تبادل الخبرات.
ولكن: بالرغم من كل ذلك التطور المذهل في مجال الصحافة وما يليها، منذ قبل وبعد عصر «العقاد» وحتى اليوم، لم تتبلور فكرة متكاملة لمدينة صحفية نموذجية تلبي احتياجات الصحفي الأساسي حتى يتسنى له الارتقاء ومواكبة ذلك التطور. والسؤال الكبير الذي تنبثق عنه عدة أسئلة، هو:
ما هو مفهوم تلك المدينة؟ وما هي خصائصها؟ .. وهل هنالك تجربة من هذا القبيل؟
ويبرز مفهوم المدينة من خلال التحدي الكبير الذي فرضته معطيات تلك الطفرة الحديثة.. ما يحتم علينا ضرورة الابتكار دون التقليد. ونحن نعلم أن الهندسة هي المكون الفني العبقري لكل شيء، فالله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان في أحسن تقويم. والله علّم الإنسان ما لم يكن يعلم، وأمر الله نوح عليه السلام أن يصنع الفلك ثم صنع الإنسان من بعد ضرورات وكل معينات سكنه وحله وترحاله عبر القرون وفقاً لمواصفات احتياجاته.
ومع تطور الاحتياجات عبر القرون وصلنا إلى هذا العصر الذي توسعت فيه الهندسة وتطورت بشكل مذهل حتى دخلت في مجالات التخطيط الإستراتيجي والسياسات والبرامج والعلاج والإدارة والتكنولوجيا والاتصالات.. الخ وجبلت الكائنات كلها على تكييف احتياجاتها في هندسة بديعة، فأنت ترى النحل والعنكبوت والطيور والكائنات البحرية وحتى الكائنات المجهرية تحكي عن عظمة وإبداع الذي خلقها سبحانه وتعالى وهي تصنع خلاياها وأعشاشها وبيوتها ومستعمراتها في إعجاز بديع.
هنالك مهندس وكاتب أمريكي مؤرخ أصدر كتاباً شهيراً ترجم لعدة لغات اسمه «أحلام المهندسين» تناول فيه بأسلوب قصصي رائع كيف أصبحت معظم الأحلام الإنسانية الضخمة مشاريع رائعة ساهمت في تقدم البشرية. ذلكم هو المؤرخ المهندس «المستر ولي لي»
يقص الكاتب كيف أن «نفق القنال الانجليزي» أصبح واقعاً بعد صراعات و«معاكسات» دامت لأكثر من سبعين سنة من البريطانيين ، كما تناول فيه بأسلوب شائق مشاريع «الجزر العائمة» في وسط المحيطات وكذلك «استثمار البراكين» في خدمة الإنسان في جزيرة. وأيضاً مشروع «بحيرة افريقيا الوسطى» ومشروع «ترويض الرياح» و«الطاقة الشمسية» ومشاريع أخرى كانت حلماً تحققت وأخرى بقيت حبراً على ورق تنتظر فرصتها لتولد.
يقول «المستر ولي لي» في مقدمة كتابه: «أحلام المهندسين» :«إن أحلام المهندسين هي اعمال يمكن تنفيذها من الوجهة الهندسية، وهي أيضاً متعذرة التنفيذ لأسباب لا تمت إلى الهندسة بصلة».
ثم يضيف قائلاً: «على أن كثيراً في هذه الأحلام ما زال مجرد أحلام لا أكثر ولا أقل - وقد تبقى أحلاماً حقبة من الزمان طالما ان هنالك عقبات سياسية لا يمكن تخطيها» إلا ان المؤلف يذكر فقرة في المقدمة ذات اهمية قصوى وهي التي تعنينا في هذا المقال اذ يقول:
- «هنالك أيضاً احلام لما تتم نضجاً، احلام لها خطوط مرسومة، واهداف واضحة، ولكن ينقصها شيء ما، وقد تكون أعمالاً مساحية، او ادخال مزيد من التعديلات والتحسينات في تصميماتها او ان تكون الفكرة ذاتها لم تكتمل نضجاً» (ا.ه)
يبدو أن «المستر لي» قد أوصلنا إلى النقطة التي نريد في «أحلام مدينة صحفيين نموذجية»، فإننا الآن في السودان قد حققنا مشروعاً «رائداً» لاسكان الصحفيين وللسودان السبق فيه.. لكن قبل ان نستعرض مجالات تطويره، نستعرض مشروعاً آخر لمدينة صحفيين لعالمنا العربي بمملكة البحرين تجري بدايات تنفيذه في شهر فبراير من هذا العام ووضعت المواصفات والترتيبات اللازمة لانشائه على ارض الواقع. نقرأ ذلك في تفاصيل الخبر الذي ورد بصحيفة «أخبار الخليج» الصادرة بتاريخ 9/2/2014م ومن بعد ذلك نحاول ان نتلمس من خلاله تقييم المدينة الأنموذج.
يقول الخبر والذي ورد تحت عنوان: «وزيرة الإعلام تناقش مع وزيرالإسكان مشروع إسكان الصحفيين»
- «استقبلت السيدة: سميرة إبراهيم بن رجب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، المتحدث الرسمي باسم الحكومة بمكتبها أمس، المهندس باسم بن يعقوب الحمُر وزير الاسكان، وتم خلال اللقاء متابعة آخر التطورات المتعلقة بتنفيذ المشروع الإسكاني الخاص بالصحفيين في ضوء التوجيهات السامية لصاحب الجلال الملك المفدى، وقرار مجلس الوزراء بشأن تكاليف وزارة الاسكان بالتنسيق مع الجهات الاعلامية لوضع تصور لهذا المشروع. واوضحت الوزيرة بان على رأس أولويات وزارة الدولة لشؤون الاعلام ضمن اهتماماتها بتحسين الاوضاع الوظيفية والمهنية للصحفيين والاعلاميين وتعزيز قدراتهم على اداء مهمتهم، باعتبارهم شركاء اساسيين في مسيرة الاصلاح والتحديث والتنمية الشاملة.
وناقشت الوزيرة في اجتماعها مع وزير الاسكان المعايير والمواصفات الفنية وافضل الخيارات المتاحة لتنفيذ هذا المشروع من حيث الموقع والارض المناسبة وعدد الوحدات السكنية ومساحتها وطبيعة الخدمات المساندة وغيرها من الاعتبارات الضرورية لانجاز المشروع وذكرت وزيرة الدولة لشؤون الاعلام ان التصور النهائي لهذا المشروع بمجرد التوافق بشأنه مع وزارة الاسكان، وبالشراكة مع جمعية الصحفيين البحرينية سيتم رفعه الى صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء لمتابعة الاجراءات التنفيذية بما يضمن خروجه بالشكل الذي يليق واهمية الصحافة ومكانة الصحفيين والاعلاميين في إطار المشروع الإصلاحي لجلالة الملك» - انتهى الخبر.
واضح من سياق الخبر انه لخص مواصفات مدينة نموذجية للصحفيين. ولا بد من الاشارة والتركيز على الفقرة التي تعني باهتمامات الدولة بالاوضاع «الوظيفية» و«المهنية» للصحفيين والإعلاميين، وتعزيز «قدراتهم» على أداء مهامهم باعتبارهم شركاء اساسيين في مسيرة الاصلاح والتحديث والتنمية الشاملة.
يضاف الى ذلك كله ان الوزيرة بحثت مع وزير الاسكان «المعايير» و«المواصفات» الفنية وافضل الخيارات المتاحة.
فما هي يا ترى المعايير والمواصفات والخيارات المتاحة التي يحتاجها الصحفي بشكل خاص في المدينة التي لها علاقة بعمله وادائه؟ هذا ما سنتناوله للاستفادة من ذلك في «تحقيق الحلم المنشود».
ولم تنس الوزيرة وهي توصي وزير الاسكان ان يأخذ في الاعتبار لمدينة الصحفيين الموقع المناسب. هذا بالتأكيد سيوجهنا لنتساءل هل تحتاج مدن الصحفيين مواقع مناسبة قرب العمل؟
ثم تضيف الوزيرة خواص ومزايا اخرى لو تحققت لحققت بذلك طفرة في عالم المدن المتخصصة وهي طبيعة الخدمات.
هذا بالطبع يلفت ا لنظر الى انه على قدر وضعية تخطيط اي مدينة ينبغي ان يبرز سؤال: من هم ساكنوها وما طبيعة الخدمات التي يحتاجونها. فاذا كانوا قضاة او معلمين او محامين او مهندسين مثلاً، فإن لكل فئة احتياجات خاصة بالمهنة لان الوزيرة هنا قدمت لذلك في صدر المواصفات قائلة بعبارات واضحة: «تعزيز القدرات لاداء مهامهم بأفضل وجه». يقول العقاد في مقاله الذي قدمنا له وهو بعنوان: «إصلاح الصحافة والصحفيين»:
- إنه من حق الصحافة على الحكومة ان تُعني برفع مستواها وما يحفظ كرامتها، بما يكفل لها في حدود القانون حريتها وينظم ما لها ولرجالها من حقوق وامتيازات.
ثم تساءل العقاد كيف يكون ذلك؟
ويتساءل ايضا من هو الصحفي؟.. هل هو مالك الصحيفة ام المحرر والكاتب والمراسل ام هو مدير الاعمال والمحصل لماليتها ام الوكيل والمتعهد للبيع والتوزيع والترويج والاعلان.. الخ؟
ويحدد ان تلك هي القبيلة الصحفية ولكل اهميته ودوره. لكنه يتطرق الى لب مضامين ذات اهمية خاصة حينما يتناول الصحافي المحرر والكاتب متدرجاً ليصل للمفهوم بقوله:
- «قد تكون الصحفية طبية فهي في حاجة الى كفاءة طبيب، او قانونية فهي في حاجة الى كفاءة محام، او مدرسية فهي في حاجة الى كفاءة معلم، وقس على ذلك».. لكن العقاد : يقودنا للنقطة الاصل في الموضوع، ويقول:
- «ربما كفاءة الطبيب حين يكتب في صحيفة طبية ألزم من كفاءة الطبيب حين يعالج المرضى في مستشفاه، لأن الكفاءة في الرجل الذي ينشر علمه على الألوف، ألزم منها في الرجل الذي يقصده أفراد مسؤولون عن الثقة فيه والذهاب إليه»..
ثم يضع العقاد تلك الأمثلة مقياساً لباقي المهن إذا تخصص المنسوبون إليها في عمل الصحافة. لكن العقاد يضع لذلك أيضاً مقاييس ومعايير في من هو الصحفي، ويحدد نقطة ذات اهمية قصوى يبرز بمقتضاها دور متعاظم للصحافة يستوجب البناء عليه لتوظيف اسس خاصة تعين موهبة ذلك المتخصص والذي يتعاظم دوره ايضا - فيقول:
- «ننظر للكفاءة التي لا غنى عنها لمن يمارس الصناعة الصحفية، فليس كل قانوني ضليع. بقادر على ترويج صحيفة قانونية ولو كان اقدر الباحثين في مذاهب التشريع، لان صناعة الصحافة غير صناعة الفقه القانوني ووضع الشرائع وتطبيق الاحكام، و كذلك الحال لباقي المهن، فقد تقضي على الصحيفة وانت تريد لها الكرامة والارتقاء».
اذن ما هي المواصفات التي يريد ان يجددها ويبرزها العقاد والتي على ضوئها تتكون مواصفات الصحيفة وبالتالي مطلوبات ذلك الصحفي في مجالات تنمية قدراته وتوفير معيناته؟ - هنا يقول العقاد: بعد ان يضرب مثالاً ويستشهد بالصحافة الانجليزية المتقدمة في ذلك العصر كصحافة رائدة، فيقول:
يقول الصحفي الانجليزي الكبير «ويكهام ستيد»: - «لن تخرج صحيفة من الصحف بغير مجهود مكتب التحرير، اي بمجهود الصحفيين الخبيرين». ثم يختم العقاد مقاله المطول باختصار جامع لافادته عن الصحافة والصحفي قائلاً: - «إن عمل الصحافة الحق ان هو الا رسالة وانها شيء فوق الحرف وغير الصناعة، هي وسط بين الفن وبين دعوة التبشير، وان الصحفي الحق موظف غير رسمي، وظيفته ان يخدم مصالح الجماعة الانسانية، فهو بهذه المثابة يُولد ولا يصنع، قد يفتقر الى التدريب والاختيار، و لكنه لا يوجد في الدنيا تدريب او اختيار يجعل صحافياً صالحاً ما لم يكن في نفسه تلك الشرارة الحية التي تميز بين الصحفي الحق والآلة الصحفية». (ا/ه)
هذه المرتكزات التي تنطلق في توصيف الصحفي واحتياجات مثل من يطلق عليهم العقاد بأن لهم رسالة الموظف غير الرسمي والذي وظيفته خدمة مصالح الجماعة الإنسانية، هذه تتطلب بيئة ترعى الصحفي في زمن أصبحت الصحافة بالإضافة لتوصيف العقاد مجمع فنون لتقديم عمل صحفي متكامل وخلية دخلت فيها التقنية التي تمثل هي الأخرى كفاءات تحتاج للرعاية ومواهب جديرة بالصقل والتدريب لأن الكاتب وحده لا تصل رسالته بدون هؤلاء.. بل أن الوصف يطول من ضخامة الانفجار المذهل لتعدد وتشعب المجالات الصحفية فيجعل لكل ذلك مؤشرات. ونقول إن مدينة الصحفيين لها خصوصية لا نبالغ إن قلنا أن خصوصيتها تختلف عن باقي المهن.
ولكن ماذا نستفيد بعد كل تلك الرحلة عبر آراء علماء ومهندسين وأطروحات لمقترحات مدن صحفية بمواصفات كما استعرضناها ما الفائدة ونحن ننظر لمشروع إسكان الصحفيين بالسودان الذي يعد رائداً في ضربة البداية. إن هذه المدن الصحفية تبدو في تجربتها الأولى أنها حارات لإسكان الصحفيين ضمن مشروعات الإسكان الفئوي العام الذي نفذه صندوق الإسكان بالتعاون مع اتحاد الصحفيين الذي له أيضاً طموحات ومبادرات بأن تكتمل الخدمات وتحقق للصحفيين مشروعات طموح تحسن من مستواهم المعيشي وتقدم لهم أفضل الخدمات. ولقد بادر الاتحاد بمشروعات مثل تلك في مجالات العلاج والخدمات المعيشية ورفع المعاناة ومن خلال التدريب وما إلى ذلك.
نقول إن المدن الصحفية هي الوعاء الأفضل والمجال الأشمل للتوسع في إصلاح حال الصحفيين لعدة أسباب قبل أن نفصلها نرصد هذه التجربة العملية: تميزت المجموعة الأولى من الصحفيين الذين بادروا وسكنوا بالمدينتين الحارة «100» والوادي الأخضر، تميزت بالتعاون الوثيق والترابط فيما بينهم، بالرغم من أن عددهم بسيط جداً، ولقد عايشت تلك التجربة في الحارة «100» محلية كرري. كان العدد ولا يزال لا يزيد عن «5%» لأن بعض تلك المساكن لم تسلم مكتملة في خدماتها الصحية، والبعض ربما تخوفوا من بعد المسافة بين مواقع العمل والمواصلات ونقص الخدمات العلاجية والمدارس وباقي الخدمات الأساسية الضرورية وحتى في مجال التسوق ناهيك عن الترفيه وما إلى ذلك.
المهم أن هنالك مزايا ايجابية رصدتها من خلال معايشتي وتجربتي لكوني من الأوائل المبادرين الذين سكنوا.. كان ولا زال يجمع معظمهم افطار كل جمعة ولقد تميزت هذه الكوكبة الصحفية بالتنوع فشملت صحفيين من مختلف الصحف ومن وكالة السودان للأنباء سونا ومن التلفزيون والإذاعة وحتى الإعلام الولائي وإعلام الشرطة والمنظمات والصحافة والمطبوعات واتحاد الصحفيين.
إذاً فالزمالة قد كسبت لها بفضل السكن في مدينة واحدة، كسبت اختاً عزيزة مقدرة وهي «الجوار» بحكم السكن في مجمعات متقاربة.. فنقول إن هذا «زميلي وجاري»، وإن كانت زمالتك في مكان العمل في صحفية واحدة، فإنك في المدينة تجاور أيضاً معظم الصحف الأخرى، فالصحفية أيضاً تطلق على أختها في المهنة لفظ «الزميلة»، وتتنوع زمالتك وجوارك فتشمل كل أنواع الطيف الصحفي، فقد لا تجمعك صحيفتك بجوار وزمالة لصحفيين من الوكالات أو منظمات الأمم المتحدة أو التلفزيون بمعظم تخصصاته أو الإعلام الولائي، أو قد تكون صحفياً سياسياً تجاور زميلاً لك رياضي أو مجلة طبية متخصصة وهكذا.
هذا التنوع لا بد أن يكون له ثراء جماعي وبيئة لا بد وأن تنتج في المستقبل إن قدر للمدينة أن تتطور وفقاً لمعطياتها تلك فتوفر مطلوبات هؤلاء في مجالات احتياجاتهم المهنية والفنية يضاف إليها أنهم يجمعهم هم معيشي واحد تتاح له كل فرص الخدمات الضرورية في مجالات الصحة والتعليم والترفيه والرياضة والمجمعات الاستهلاكية والخدمية الخاصة كل هذه وتلك مما يشابهها ويعرف بالبديهة جعلنا نحدد الاحتياجات الضرورية التالية لمدينة الصحفيين حتى تكون مدينة صحفيين اسماً على مسمى ونبدأ أولاً بتوفير ما ينبغي أن يوفر لمدن الإسكان الأخرى التي تتمثل في:
1/ تكملة الخدمات الضرورية والحيوية في مجالات الصرف الصحفي للمدينة باعتبارها الأساس لإصحاح البيئة وترقية الخدمات الأخرى.
2/ تكملة المرافق العامة للمدينة الحيوية والضرورية أيضاً للمدينة، وفي هذه اللحظة لا يوجد مركز صحي على الأقل بالحارة «100» كما لم يخصص موقع داخل الحارة لمدرسة أساس لبنين وبنات وإنما المخصص هو مدرستا ثانوي عالي بنين وأخرى بنات.
3/ مركز تجاري خدمي حتى لو كان صغيراً يخصص له أرض بالحارة ومن خلاله يمكن بالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص والاتحاد أن يوفر احتياجات الصحفيين الضرورية من مواد غذائية واستهلاكية أساسية ومعلوم أن اتحاد الصحفيين له مساهمات ومجهودات في هذا المجال ولكنها تتركز بدار الاتحاد. وبانتقالها لمدن الصحفيين تكون فائدتها أشمل وقريبة من أُسر الصحفيين.
4/ وفي مجال العمل الاجتماعي والتعافي والشبابي كان لا بد أيضاً أن «تخصص» قطعة أرض داخل المدينة لهذا الغرض الحيوي الهام لأُسر الصحفيين، وبالتأكيد إن ذلك ما يحفز الصحفيين على الاستعانة بكل الجهات ذات الصلة لتأسيسه على أفضل النظم الخدمية ونقول إنه بالضرورة أن يسجل بسجلات الأراضي لهذا الهدف ويبقى فقط البحث عن تمويل إنشائها فالصحفيون قد قدموا الكثير، ونثق أن الكثير من الشركات والمؤسسات ستكون سباقة للمساهمة في هذا المركز.
5/ ولا يخفى على المخطط أيضاً ضرورة ساحات رياضية، فأُسر الصحفيين بالتأكيد وشبابهم وأطفالهم في المقدمة لا بد أن يتمتعوا بساحات رياضية حديثة، ونحن نعرف أن كثيراً من المخططات السكنية «الاتجارية» تتضمن كل المرافق الجاذبة للترويج لبيع الشقق بتلك المجمعات وأن ما يجذب الزبون لها هو توفر كل الخدمات بما فيها الترفيهية، إذن فمن باب أولى أن الصحفيين لهم الحق بالتمتع بها، ولا ينبغي أن تقف ظروفهم المادية حجر عثرة دون أن تنال أُسرهم وشبابهم هذا الحق وهم يقومون بتضحيات يعلمها الجميع من أجل الوطن كل فئاته غنية وفقيرة وكافة فصائله العاملة من القيادية وحتى العامة.
6/ ومن الضروريات أيضاً وحتى نفخر بمدينة صحفية نشد إليها الرحال ويزورها من يقصدها خصوصاً من المدن الصحفية الأخرى التي نسمع عن مزاياها الباهرة.. لا بد أن نهتم بالمظاهر الجمالية وتحتاج المدينة بشكل أساسي وأقلها لحديقة أُسرية جامعة تتوفر فيها أسباب الراحة وتقام فيها مناسبات الأفراح والاحتفالات الاجتماعية المتعددة. وهذه أيضاً لا بد أن تضمن في خارطة المدينة حتى تتميز بالخصوصية وهي بالتأكيد ستفتح ذراعيها لما سواها.
7/ أما من ضرورات التخطيط البيئي المعافى كما يعرف السادة المهندسون ومخططو المدن الحديثة وعلماء البيئة أن تحتفظ المدينة بحقها مسجلاً في المساحات والميادين الداخلية. وأن تكون تلك حصرية ومسجلة لهذا الغرض باسم مدينة الصحفيين. ونحن نعرف ونسمع وكثير عبر صحافتنا مدافعين عن حقوق الآخرين في هذا الحق البيئي والحيوي والحضاري لا نريد أن نقع أيضاً ضحية في المستقبل للتغول على الميادين العامة «الرئة» لتستغل لأغراض خاصة وتفقد المدينة وجمهورها حق التمتع بها. وذلك يحتاج بالتأكيد لإجراءات فنية بتسجيلها في سجلات الأراضي لذلك الغرض مع العلم أنها مخصصة لذلك-.
8/ أما ما يضيف لمدينة الصحفيين بعداً إقليمياً أو قومياً خاصاً كان لا بد أن تخصص للمدينة موقعاً لإقامة دار للصحفيين خاصة بالنشاطات المختلفة ولنا تجربة ونحن في الحارة «100» فقد زارتنا فرقة للتراث الشعبي والفلكلور من دارفور الحبيبة فما وجدنا مجالاً لضيافتها وإقامة عروض لها إلا في منزل لأحد الزملاء.. وفي تقديرنا أن ذلك المنزل يصلح أيضاً للندوات السياسية وإدارة شؤون المدينة للجنة الشعبية أو لأي من الزوار الأجانب إذا رغب في التعرف على ما وصل إليه الصحفيون في السودان.
9/ أما ما يعني الصحفي في الجانب المهني والذي يطور إمكاناته وأداءه ويوفر عليه بعد المسافات والطريق الذي يبعد عن مقر عمله ونحن نعلم أن المدينتين تبعدان كثيراً من دور الصحف التي تتركز في وسط الخرطوم، فإن المدينة تحتاج لموقع للخدمات الصحفية يزود بكل الوسائل التقنية والاتصالات الحديثة وقد يكون في ذلك مكتبة وقاعات محاضرات وتدريب يزوره كبار العلماء ورموز الصحافة.
لو يلاحظ القارئ العزيز بأنني قدمت لمقالي هذا بعنوان «إعلام مدينة الصحفيين».. واستعنت بذلك ب«أحلام المهندسين» الكتاب الذي سرد لنا فيه الكاتب المهندس المؤرخ الأمريكي «المستر ولي لي» تجارب البشرية العظمى التي كانت حلماً وتحققت، ثم أوردت في سياق عرض هذا مشروعاً طموحاً لمملكة البحرين، وهي دولة نفطية قد لا يعجزها أن تنشيء مدينة نموذجية توفر كل أسباب الراحة والأمان والتطور والرفاهية والتدريب للصحفيين لتصبح مدينة نموذجية نشد إليها الرحال أو نقيم معها توأمة. ولكن نخشى وحتى ذلك الحين أن نجد أننا لم نخطط مسبقاً لهذا، ولا نصل لما قال المستر ولي في أن بعض أحلام المهندسين تحتاج لكي تنضج الفكرة وتكتمل أسبابها.
أو إن بعض الأحلام ستظل حبراً على ورق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.