الغلام يسأل الشيخ، «يا مولانا لو حجيت ولم أذهب إلى المدينةالمنورة، هل يعتبر حجي هذا باطلاً؟»، ويرد الشيخ، «حجك في هذه الحالة صحيح «علا إنت الباطل»، لأنك لم تمتلك من الهمة ما يؤهلك لزيارة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم»! تهمة قريبة من تهمة ذلك الشيخ ظلت في أزمنة مضت تلاحق الذين يختارون العمل والسكن في الخرطوم ولا يمتلكون بيتاً، واحتدمت هذه التهمة بعد قيام الحكومة بتبسيط «وتقسيط» كلفة امتلاك المنازل عبر آلية صندوق الإسكان الشعبي بولاية الخرطوم. كانت مسألة امتلاك قطعة أرض لوقت قريب وغريب في أرض المليون ميل مربع في ثمانينيات القرن المنصرم وقبل الانفصال تعتبر واحدة من «الأمنيات المستحيلة»، وأذكر لمّا جاء الدكتور شرف الدين بانقا لوزارة الإسكان وجد آخر «خطة سكنية» وزعها الراحل جعفر نميري في سبعينيات القرن الفائت، ومن هنا نستطيع أن نؤرخ «لثورة الإسكان» الإنقاذية، لكن لقد ترحلت آمال المواطنين إلى «المربع الآخر»، تحويل الأرض إلى منزل، ومن هنا بدأ التفكير في تحقيق تلك الأحلام «بالأقساط الممكنة المريحة»، الحلم الذي أصبح ممكناً في عام 2001م بعد قيام صندوق إسكان ولاية الخرطوم. تداعت إلى مخيلتي تلك الأحلام وأنا أشاهد منذ يومين على شاشة قناة الشروق الفضائية فيلماً توثيقياً متقناً اجتهد في أن يتطوف بنا على تلك المدن التي صنعها صندوق ولاية الخرطوم الإسكان، والذي جعلني أتوقف عند هذه المحطة ملياً هو أن هذا الفيلم من إخراج «نبتة للإنتاج الفني»، وهو يحمل بصمات سيف الدين حسن، «صائد التماسيح» والميداليات الذهبية القطرية، كما شارك في الإنتاج والفكرة وفن التسويق الأخ الأستاذ معاذ الصغير، ولا ينبئك مثل خبير بالثقافة الإسكانية، فقد خفف علينا هذا الضرب الفني الممتع «هزيمة المريخ» وهو يُبث مباشرة عقب هريمة مريخ السودان بتنزانيا، فلئن هُزم السودان على يد المريخ، فعلى الأقل فقد سجل صندوق الإسكان بعض الأهداف في شباك الفشل والمسكنة والمسغبة والأرض العراء، واستوقفت كثيراً في حجم إنجازات الصندوق التي بلغت خمسين ألف وحدة سكنية في المدن الكبرى الثلاث، «الخرطوم، أم درمان وبحري»، وأصبح «ملاذاً آمناً» للفقراء والشرائح الضعيفة «وجمهورية الأفندية»، فبعد أن خاطب الصندوق السواد الأعظم من الجماهير، فقد ذهب لمخاطبة وتسكين الشرائح الفئوية، من محامين ورجال أمن وجمركيين وصحفيين وغيرهم، فعلى الأقل أن صاحب هذه الملاذات قد امتلك «بيتاً» في مدينة «الوادي الأخضر» بشرق النيل ضمن «حزمة الصحفيين» وبهذا أكون شاهد عيان في «مسرحية القبض على الوهن والعدم وقلة الحيلة» التي كنا نرزح تحت وطأتها طويلاً، وبالمناسبة أنا أنفق هذه العبارات ليس لأني امتلكت «بيت الصندوق» منذ سنتين، ولكن أكتب هذا المقال على إثر شهادة الكثيرين الذين أدلوا بها في فيلم الصندوق، الذين انتقلوا من خانة «رهق الإيجار» إلى «قلعة الملاك» وأطربني أكثر أينما حلت «مساكن الصندوق» حلت الخدمات من طرق معبدة وكهرباء ومياه ومدارس ومشافٍ، بل إن صندوق الولاية ذهب مؤخراً في طريق «ثقافة الشقق والفلل» والمنازل الاستثمارية للمقتدرين، ومن ريع هذه المساكن «خمسة نجوم» يموّل «أشواق الفقراء» ويفرش أحلامهم. وعلمت أيضاً أن الدكتور عبدالرحمن الخضر شخصياً، وبتوجيه ورعاية من شيخ علي، يتابع ويحرض لمزيد من الجهد في هذا المضمار. مخرج.. قدم الفيلم المهندس خالد عبدالماجد، المدير الحالي المكلف، كواحد من المهندسين الشهود الذين قام على عاتقهم هذا المشروع منذ انطلاقته، فكان خير شاهد وخير دليل على هذه المسيرة الزاخرة بالإنجازات.