الصراعات العربية العربية في الليالي الدامية، والتي قادت إلى الدمار والقتل بين أبناء هذه القبائل، وإلى شهور ممتدة، كان العنف فيها سيِّد الموقف، والصمت على ما يجري يعم المكان، لم يكن هناك تحرك لاحتواء هذا العنف، ووقف القتال الدامي الذي صار دوامة مرغوبة يشهدها الجميع في الصباحات الحزينة، حيث هلكت التحالفات الأطراف المتقاتلة من المجموعات العربية من جانب وأهلهم من جانب آخر، وصارت العلاقات الاجتماعية مأزومة ومتلازمة موبوءة بالحقد، خاصة عندما وضعت الأعراف موضع الكرامة المنسية، والمجد الذي انهارت قواعده في الديار، حيث لم يتحرك أي طرف من الأطراف ليوقف العنف بين الأطراف المتناحرة خاصة المجموعات المحايدة في الصراع العربي العربي في دارفور، مما جعل حجم الاحتراب والعنف بين القبائل أصبح أكبر من أن يحتوي أو يوقف سواء كان ذلك لانتشار ظاهرة الاقتتال العربي العربي، في مساحات واسعة في دارفور، عطفاً على التدخلات الكبيرة واستخدام الأسلحة المختلفة، ولما كانت الحرب شملت معظم القبائل العربية التي أما مشتركة مباشرة في حرب أو هي صامتة متحالفة مع قبيلة أخرى. نتيجة لذلك وبعد العنصر غير العربي من هذا النزاع، أن غابت الجودية ومبادرات الصلح التي تقودها القبيلة الأقرب أو الجارة، وتحجم الحرب بين القبيلتين المتقاتلتين إلى حين تمكن آليات فض النزاع المعروفة، وكثيراً ما يوقف الاقتتال بهذا التدخل السلمي السريع وتستجيب له الأطراف المتقاتلة، حيث إن مشاهد العرف الاجتماعي اليوم تقضي ما ندر أن تقوم قبيلة أو مجموعة بالوساطة بين طرفين من الأطراف المتقاتلة، وحتى إذا جاءت المبادرة تأتي بعد نهاية القتال بين هذه الأطراف المتصارعة وبعد أن يفعل العنف فعله، فمات كثير من الخلق وتشرّدت الأسر ونزح منها الكثير حيث تأتي المعالجة أو الصلح مجرد تحصيل حاصل، بعد أن بلغت الخسائر الحد الأقصى في المال والأرواح والأرض والممتلكات. الصراعات العربية العربية بدارفور، كانت الأمر الأغرب الذي احتار فيه الناس. فقد كانت حقيقة أمراً محيراً وأسلوب حياة مبدع وأحياناً لا تجد لك أسباب واضحة تستحق ذلك الموت والدمار صحيح دارفور تجاور أكثر من أربع دول مقتتلة في داخلها للدرجة التي كادت أن تنهي هذه الدول، وتنهار الأنظمة الحاكمة فيها، خاصة إفريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان والجماهيرية العربية الليبية ودولة تشاد التي كانت أشد اقتتالاً وحرباً قبلية، إلا أن هذه الحروب داخل هذه الدول حروب تجد النظام الحاكم أو السلطة طرفاً مباشراً فيها، وهذا ما لم يوجد في دارفور، فالحروب بين القبائل أصبحت أقوى من حروب الحركات التي حملت السلاح مع الدولة، وهي حروب طاحنة ومدمرة أودت بحياة الكثيرين من أبناء دارفور، والمؤسف هذه الحروب التي تعددت قد وصلت بأهل دارفور إلى مرتبة اليأس. وإذا رصدنا على سبيل المثال صراع جبل عامر بين الرزيقات وبني حسين، وصراع السلامات مع المسيرية والرزيقات والتعايشة وصراع المعاليا والرزيقات ومؤخراً صراع البني هلبا وقمر، هذه الصراعات لم يكن لها مبرر أو أسباب قوية لانفجارها في وقت واحد، خاصة أن الصراعات المذكورة تمت بين قبيلتين نجد إنهما الأقرب الى بعضهما البعض سواء كانت هذه القرابة في الدم أو المصاهرة أو المكان أو المهنة، وأن القبيلة في أمس الحاجة إلى القبيلة التي تتصارع معها وتقع الحرب لأسباب واهية يعلمها كل طرف من الأطراف المتصارعة، إنها لا تقدم ولا تأخر، ولم تكن هذه القبائل المتصارعة في غفلة من أمرها، بل تدرك ما يحيط بها من مخاطر وتهديدات حقيقية أبرزها الصراعات بدارفور عموماً، والتي صارت تعمل بمفاهيم أشبه بالتحامل العنصري، حيث اشتدت ظاهرة التحالفات في منطقة دارفور الكبرى على حساب الأعراف والتقاليد. وبالتالي من خلال مخرجات النزاعات العربية العربية الأخيرة التي نشبت في دارفور، بين القبائل العربية نفسها في جنوب وشرق وشمال وغرب دارفور، وبهذه الصورة التي شهدتها الساحة في العمق الداخلي والمحيط الإقليمي والبعد الدولي، ولم تكن حروباً عابرة كما هي الحروب البدوية المعروفة، بل الحروب تجذرت وأخذت طابعاً هداماً من أبرز مميزاته، هذه الحروب يمتد عمرها بشكل ملفت للنظر، ويزداد القتال بتحالفات جديدة وتدخلات عميقة، وإعادة عرض لأسباب الصراع بصورة مدمرة نتيجة لإعادة التنظيم للمجموعات المتصارعة بصورة أكثر بغضاً وحقداً وتعبئة ماكرة من أطراف خارج إطار النزاع، وهذا يؤكد أن العنصر العربي في دارفور مستهدف، وهذه حقيقة واضحة بالضرورة أن تكون بنفس هذا الوضع من الوضوح أمام المجموعات العربية التي تتقاتل، وهذا يلزم كثير من المسؤولين خاصة الإدارات الأهلية وأمراء الحرب وأعيان القبائل في حمل هذه الحقيقة، وتحكيم صوت العقل، واستخدام الحكمة الفطرية في وقف هذا النزيف والموت الزعاف والخسائر الكبيرة، خاصة خسائر الأرض، التي أصبحت غير مستصلحة فكانت الجالب الأول للمجاعات والفجوات الغذائية والدمار البيئي. وأن تعيد القبائل العربية أسباب الصراع، وعرض أوجه هذا الصراع المدمر الذي امتد إلى أكثر من عام، بينها وبين المجتمع الدولي عبر الحركات التي حملت السلاح، وبينها وبين الأطراف غير العربية التي أخذت البعد عن النزاع فيما بينها والقبائل العربية وعملت لحالها خاصة أنه لا يوجد نقاء عرقي في دارفور، ثم بناء علاقتها وفق معطياتها القومية في الدولة، وذلك من خلال مساهمتها في بناء السودان الحديث وحمايته كقوة طليعية لأكبر في إفريقيا، وما قدمته من مجاهدات في سبيل ذلك، لأن الطرف الثالث هذا الدعي الذي كان من وراء معظم النزاعات العربية لم يكن دودة تنخر المزاج العربي الخرب، ولا هو شيطان أغويته شيطانيه أن يرتكب حماقته في عرب دارفور لوحدهم دون سائر العروبة في إفريقيا، وإلا لماذا يموت عرب دارفور بهذا الشكل البشع، في الفلاة والقراديد والصحاري والقيزان، ألم أقل لكم لقد وجدنا أحدهم ميتاً «وتكته» مربوطة بسعفة، ماذا يريد هذا من الدنيا في دارفور.