سارعت بالأمس منزعجاً للحاق بزوجتي في مستشفى إبراهيم مالك بعد أن اتصلت بي من عيادة خاصة بمنطقة الرميلة لتخبرني أن ابنتي ذات الخمس سنوات مريضة تعاني من حمى وتشنجات، وقال لي الطبيب بالتلفون إن حالتها حرجة ولهذا فالأفضل أن تسبقك إلى مستشفى إبراهيم مالك. وبالفعل حضرت إليها هناك مسرعاً وقلقاً على حالتها، وعلمت أن الأطباء طلبوا منها فحصاً معملياً، وعلمت أن النتيجة ستسلم بعد ساعة ونصف ولم نجد بداً من الانتظار، وبعد ساعتين أو أكثر لم تظهر النتيجة وبعد مدة أخرى علمت أن المسؤولة عن الفحص ذهبت ووضعت النتائج في كرتونة صغيرة بدلاً من إذاعة الأسماء كما هو متبع في كل المستشفيات والمرافق الصحية، وأخذت أبحث عن اسم ابنتي وسط كم كبير من أوراق الفحوصات ورغم مرور أكثر من ساعتين لكنني لم أجدها، وحينها قررت أن آخذ العينة وأذهب بها إلى معمل خارجي في عيادة إحدى الطبيبات، وعندما علمت أنها طبيبة أطفال أحسست بالارتياح، فأخرجت ابنتي من المستشفى وإلى ذلك الوقت لم تعط أي علاج باعتبار أن الفحص لم يتم، وقالت لنا الطبيبة الاختصاصية إن مثل هذه الحالة لا بد أن يتم علاجها داخل المستشفى فقط، خوفاً من تكرار الحالة مرة أخرى وأنه كان ينبغي على الأطباء هناك أن يستخرجوا لها فايل إقامة قصيرة (24) ساعة والمسارعة بإعطائها حقنة ضد التشنجات ومن ثم يتم الفحص بعد ذلك، فاضطرننا للعودة مرة أخرى بعد أن كتبت لنا الاختصاصية نوعية العلاج في الروشتة لعلمها بأن الأطباء هناك أطباء امتياز، وكنا نظن أن عملية التنويم داخل المستشفى ستكون متيسرة بعد تقرير الاختصاصية، لكن الطبيبة الشابة جداً أمطرتنا بسيل من الأسئلة ولم نستنكر ذلك وأجبنا عنها، وأمسكت بملف التحويل وأخذت تكتب تارة، وتارة أخرى تعود إلى روشتة الاختصاصية ثم تتوقف وتتحدث مع زميلاتها، ويبدو أنها تستشيرهن، لكن الغريب أنها طلبت مرة أخرى فحوصات جديدة وكتبت لنا ذات الحقنة التي لم تكتبها عند قدومنا للمستشفى، والغريب أن أحد الحراس في البوابة قال لنا إن صيدلية الطوارئ قفلت فذهبنا إلى صيدلية خارجية واشترينا الأدوية بمبلغ باهظ لكن عند عودتنا وجدنا أن الصيدلية تعمل، أي أن مسؤول الحراسة في الباب أعطانا معلومة خاطئة، وحين عدنا لشراء دواء آخر منها وجدنا هذه المرة أن الشباك مفتوح لكن فني الفحص غير موجود، فذهبنا إلى صيدلية مرفقة بالمستشفى واشترينا منها الأدوية بدلاً من صيدلية الطوارئ مجاناً، وبعد إجراءات غير قصيرة تم تحويل طفلتي إلى العنبر بيد أنه لم يكن هناك سرير فاضطرت زوجتي للنوم بطفلتها مع مرافقة أخرى مع طفلتها في نفس السرير لعدم وجود أسرة كافية وهنا كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل. نخلص من كل ذلك أن وزارة الصحة قد استعجلت في تحويل عدد من الأقسام من مستشفى الخرطوم كحوادث الأطفال وجراحة المخ والأعصاب بحجة نقل الخدمة للمستشفيات الطرفية وتخفيف العبء على مستشفى الخرطوم وتحويلها إلى مستشفى مرجعي، علماً بأن مستشفى الخرطوم بموقعه الحالي يتيح للمواطنين حتى القادمين من الولايات الوصول إليه بسهولة لأن موقعه ملتقى لمعظم المواصلات القادمة من المناطق المختلفة، كما أنه يقع قريباً من كلية الطب جامعة الخرطوم التي تدرب طلابها في أقسامه المختلفة، أما إذا كانت الحجة هي أن وجود المستشفى يعرقل حركة مرور المركبات فإن وحدة المخطط الهيكلي بالولاية لم تستبعد أن يتم شق طرق داخلية تمر بمستشفى الخرطوم ومستشفيات أخرى لفك الاختناقات المرورية. أخيراً، قال والي الخرطوم في تصريح صحفي إن كل المباني الحكومية في وسط الخرطوم ستُجفف عدا القصر الجمهوري، مما يعني أن مستشفى الخرطوم بعد فترة قريبة أيضاً قد يكون عرضة للتجفيف بحجة أن المستشفيات الطرفية تم تطويرها وباتت قادرة على العطاء، وأنها بحكم إمكاناتها أصبحت هي أيضاً تمثل مرجعية ينتفي معها غرض المستشفيات المرجعية الكبرى، في حين أن المستشفيات الطرفية قد يغتالها الإهمال وترفع عنها حكومة الولاية يد الدعم، بينما تتحول المستشفيات إلى فنادق أو استثمارات كبرى وقطع استثمارية بعد بيعها. وعندئذ نخشى أن يكتب أحد المستشفيات الطرفية لمريض السرطان «شيل الورم براك وتعال لينا بعد سنة»!!