{ من نقاط النزاع التي قامت بين رئاسة الجمهورية «العسكرية» حينها والبرلمان «المعين» آنذاك المجلس الوطني كما يسمى.. وعلى خلفيتها صدرت قرارات الرابع من رمضان وقضت بحل الأخير.. مسألة «تعيين وانتخاب الولاة». كان ذلك النزاع في اواخر عام 1999م عام التسعات الطويلة وكان الترابي يحاول ان يوحي بأنه يخدم الخط الديمقراطيي رغم ترأسه لبرلمان «معيّن» أول رئيس له كان أحد الانقلابيين الذين انقضوا على الديمقراطية الثالثة.. يا الصادق المهدي «أريتك كنت جيت ساكت وشلت قليبي بالفيه».. إنه العقيد الدكتور محمد الامين خليفة. وكانت هناك أقلام تدافع عن موقف البشير خاصة في ما يلي شؤون الحكم الإقليمي في دارفور أو الحكم «الفيدرالي». لكن في كل مرة كان الترابي يضغط من داخل البرلمان على رئاسة الجمهورية في اتجاه تقليص صلاحياتها السيادية لصالح انتخاب الولاة .. نعم في ذاك الوقت لم يندلع التمرد هناك ولم يكن جون قرنق منشغلاً بشدة بعملية نقل الحرب من الجنوب إلى الغرب. وإذا كان المثل يقول «تحت كل ضغط انفجار».. فقد قاد ضغط برلمان الترابي إلى انفجار رئاسة الجمهورية وكان دويّه قرارات الرابع من رمضان.. لقد نازع الترابي الحاكم في رداء الحكم. وكانت النتيجة طبيعية كما يحدثنا التاريخ من «كربلاء» إلى مارس 1985م، حيث اودع نميري الترابي السجن.. حتى انتفاضة ابريل، فدفع الصادق والترابي والميرغني ثمناً لها اقصاءهم من الساحة السياسية تماماً بذاك البريق وتلك الهالة. لقد كانت انتفاضة ابريل بيئة ملائمة لهذا الاقصاء نهائياً، وقد كان بعد حين. عنوان الخبر في هذه الصحيفة ليوم امس يقول «الشعبي يطالب بعسكرة الولاة في دارفور». إذن قد يبرر المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي هذه الرؤية اذا ما وضعنا امامه رؤية عام 1999م التي تتضمن ضرورة انتخاب الولاية، بأن في ذاك الوقت لم يكن في الإقليم غير النهب السلب المسلح، وان ذاك لم يكن يحتاج إلى عسكرة. لكن إذا كانت أنشطة النهب المسلح حينذاك تُزعج بعض سكان الاقليم، فلماذا لم تتجه الدولة إلى «شرطنة» الولاة هناك؟!. لماذا لم يكن الولاة من كبار ضباط الشرطة؟! ثم كيف وصلت الأوضاع الامنية في دارفور إلى هذا المستوى: أليس بتمرد ساعد في تكوينه وساهم بعض الأحزاب السياسية؟! «طيّب شنو؟». المهم في الأمر هو أن ما كان يرفضه الترابي عام 1999م نجد الآن حزبه يوافق عليه. ولا يمكن أن يقول تجرى انتخابات للوالي العسكري. فهو إذا كان في الخدمة العسكرية لا يحق له أن يترشح.. أو يرشحه حزب.. وإذا كان متقاعداً فهو اذن لم يعد عسكرياً فاعلاً. لأن القوات العسكرية التي في ولايته يتلقى قائدها التوجيهات من هيئة أركان القوات المسلحة. ثم لماذا إعلان طوارئ وعسكرة ولاة بعد كل هذه الإنجازات التي قامت بها الحكومة مع كثير من الحركات المتمردة عبر ابوجا والدوحة؟! هل يريد حزب الترابي أن يثبت سمعة انهيار الأمن في دارفور بحكم انه خارج السلطة، واذا عاد إليها زعيمه يقول لا داعي للطوارئ فقد عدنا وحسمنا الأمر؟! هذا لا ينطلي على سياسي من الشباب صغار السن أو المتخرجين الجدد من أقسام العلوم السياسية. كل المطلوب من حزب المؤتمر الشعبي الآن أن يعترف أولاً بأن خصومته السياسية مع منبعه المؤتمر الوطني طيلة هذه السنين لم تثمر شيئاً. وان تقديرات زعيمه كانت خاطئة بعد أن شبت عن الطوق السياسي شخصيات سياسية اسلاميية ذكية مثل نافع وغازي ومصطفى وعلي عثمان وغندور واحمد ابراهيم الطاهر وأمين حسن عمر وسيد والخطيب وغيرهم. وهؤلاء في ثمانينيات القرن الماضي كانوا في حاجة إلى قيادة الترابي ربما، لكنهم شبوا عن الطوق واصبح الترابي في حاجة إليهم لإعادته إلى مجده القديم. نعم هذه هي الحقيقة.. وربما المطالبة بأمر غريب مثل عسكرة الولاة.. بمعنى إقصاء المنتخبين مثل كبر.. هو حلقة في سلسلة سيناريو العودة إلى المجد.. هذا ربما.