مواصلة لما تطرقنا له أمس بشأن ما دار في الجلسة الختامية للندوة الدولية حول (علم المقاصد الشرعية بين الجهد النظري والتحقق العملي)، والتساؤلات المثيرة التي أوردها وزير الدولة بوزارة الإرشاد والأوقاف محمد مصطفى الياقوتي في الدعوة لإجراء دراسة أصولية لإثبات أفضلية الفوائد البنكية من الناحية الشرعية، وذلك لدى المقارنة بينها وبين المرابحة المعمول بها في صيغتها المعتمدة في المصارف الإسلامية الراهنة. تجدر الإشارة إلى أن رئيس الجلسة المشار إليها والتي انعقدت أمس الأول الإثنين كان هو الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي البروفيسور عبد الله الزبير. وخلال تقديمه لورقة «أثر المقاصد في الموازنة بين الأحكام.. ودراسة علمية عن الفوائد البنكية والمرابحة»، وصف الوزير الياقوتي بروفيسور عبد الله الزبير بأنه أستاذ الأصول، لكنه أضاف قائلاً: «كنت أدرك المخاطر في الذي ذهبت إليه ، ولكن رغم الإرهاب الفكري فإن الواجب يملي الولوج لذلك الذي أشير إليه. وإذا كان غلاء المشروع خير من رخص الممنوع فإن هذا لا ينفي أن هناك مناقشات كثيرة حول الصيغة الراهنة للمرابحة المعتمدة والمعمول بها في المصارف الإسلامية، ولكني بالطبع لم اتفوه بعبارة أن تجربة البنوك الإسلامية القائمة ينبغي أن تلغى. وتحت عنوان علة تحريم الربا، ذكر الوزير الياقوتي في ورقته العلمية المشار إليها والمثيرة للمجادلة مع أستاذه البروفيسور عبد الله الزبير ومشاركين آخرين في المناقشة لدى تقديمها في الجلسة الختامية للندوة.. ذكر أن «العلماء اختلفوا على مذاهب في تعريف الربا ومجالاته، فهناك من حصره في الزيادة على المبلغ المفترض عند العجز آن حلول زمن الوفاء وطلب التأجيل وهذا هو ربا الجاهلية الذي قال عنه ابن عبد البر «وأما الربا الذي ورد به القرآن فهو زيادة في الأجل تكون بإزائه الزيادة في الثمن، وذلك أنهم كانوا يتبايعون بالدين إلى أجل، فإذا حل الأجل قال صاحب المال: «إمّا أن تقضي وإمّا ان تُربي، فحرم الله ذلك في كتابه وعلى لسان رسوله». وتضيف الدراسة أن هناك صوراً أخرى هي السلف بزيادة على ما يعطيه المُسلِف.. وكذلك هناك صورة ثالثة متولدة عن صورة إمّا أن تقضي وإمّا أن تُربي بحيث أنه إذا حصل التعثر مرة ثانية حصلت الزيادة أيضاً.. وخلاصة القول من كلام العلماء سواء من ذكرنا منهم أو من لم نذكر هي أن الربا إما زيادة في البداية أو بعد حلول الوفاء مقابل إمهال في الزمن، ولكن بقي أن نقول في خلاصته: هل ما يُستفاد من القرآن في نهيه عن الربا هو النهي عن مطلق الزيادة؟ أم النهي عن طريقة كانت متعارفة أيام التحريم؟ وتشير الدراسة إلى أن الإجابة عن هذا السؤال ترتكز على تحديد هل «اللام» في قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا» هي لاستغراق الجنس أم هي عهدية.. وقد اختلف الناس في تحديدها، حيث قال القرطبي في تفسير قوله تعالى «وحرَّم الربا» إن الألف واللام هنا للعهد وهو ما كانت العرب تفعله»، بينما قال ابن عطية في تفسيره إنها للاستغراق، ووافقه على ذلك جماعة.. وثمرة هذا الخلاف من وجهة نظري هي أن فهم هذا الموضوع نسبي وقابل لتوارد الآراء عليه.. ويمكننا أن نفهم من قول من قال للعموم منع كل زيادة، ومن قول من قال للعهد حصره في صورة معهودة. ويضيف الوزير الياقوتي في دراسته المثيرة للجدل إنها بالإضافة لما سبق عن موضوع العهدية أو الاستغراق فإن هناك مبحثاً قوياً قاله فخر الدين الرازي يبين فيه أن كلمة «ربا» مجملة وتحتاج إلى بيان، حيث قال: مذهب الشافعي رضى الله عنه هو أن قوله تعالى «وأحل الله البيع وحرَّم الربا» من المجملات التي لا يجوز التمسك بها، وهذا هو المختار عندي، ويدل عليه أن الاسم المفرد الُمحلى بال التعريف لا يفيد البتة في أصول الفقه، بل ليس فيه إلا تعريف الماهية، ومتى كان ذلك ثبت العمل به في ثبوت حكمه في صورة واحدة وذلك لأنه إن أفاد العموم أفاده بصورة ضعيفة وتخصيصاتها خارجة عن الحصر والضبط على نحو لا تليق درجته بكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.