تصور لو جاءت قوة من الشرطة أو أي جهاز أمني لأخذ طفلك الرضيع بتهمة التآمر على الدولة والتدخل في شؤونها ومقاومة السلطات، قطعاً ستُصاب بالذهول والحيرة وربما لن تجد ما تقوله غير كلمة «ما معقول يا جماعة ده طفل لسع برضع». لكن هذا ما حدث لكن بعيداً عن أسوار السودان، في دولة باكستان بولاية البنجاب، وذلك حينما مثل رضيع، يبلغ من العمر «9» أشهر، أمام محكمة باكستانية لمواجهة عدة تهم من بينها التآمر على القتل، بحسب وسائل إعلام محلية. وأثار ظهور الطفل في قاعة المحاكمة الكثير من الانتقاد للسلطات في ولاية البنجاب، ما دفعها إلى فتح تحقيق في هذ القضية. وواجه الرضيع محمد موسى خان مع «30» متهماً آخرين، تهم مواجهة السلطات والتدخل في شؤون الدولة، وكانت محطة وورلد نيوز قد عرضت فيديو يظهر لحظات أخذ بصمات الرضيع أثناء حمله لإحدى زجاجات الحليب الخاصة بالأطفال الرضَّع، بعدما قام جده باصطحابه للمحكمة. وبحسب مصادر صحفية أخرى، فإن الطفل يواجه أيضا تهمة مقاومة السلطات، بعد اتهامه بإلقاء الحجارة على أفراد الحملة الأمنية التي قامت بها الشرطة. وعمدت السلطات إلى معاقبة الضابط المسؤول عن إدراج اسم الطفل في قائمة المتهمين بعقوبة تأديبية، وعلقت مهامه في الشرطة، لكن مع ذلك فإن المحاكمة لم تلغ التهم إذ أن الطفل خرج بكفالة على أن يتم استئناف المحاكمة يوم 12 أبريل، وسط عدم رضا الدفاع الذي أكد أن سن الطفل لا تسمح بمحاكمته. وكانت باكستان قد رفعت العام الماضي السن الأدنى لمحاكمة أي شخص مسؤول عن ارتكاب جريمة من 7 إلى 12 سنة، عدا حالات الإرهاب. وهناك احتمالان لهذا الحدث الغريب، فربما كان الضابط الذي أدرج اسم الطفل في قائمة الاتهام غبياً أو ذكياً جداً أراد أن يورط الحكومة الباكستانية التي اندفعت في خضم حمى ما يسمى بمكافحة الإرهاب أن تشرع قانوناً معيباً، جوَّز ضمنياً محاكمة الطفل حتى في يوم مولده، ذلك لأن القانون حدد سن المحاكمة من سن 7 إلى 12 عاماً، لكنه استثنى حالات الإرهاب، أي، أنه يجوز محاكمة أي طفل دون السابعة دون تحديد عمر معين في حالة تهم الإرهاب. إن الحكومة الباكستانية بهذه القوانين الحمورابية تجاوزت التشريعات في بعض البلدان الإفريقية التي تتسم بالعسف والقهر حتى أنه من عدة عقود سن رئيس إفريقي قانوناً باسم معارض سياسي حتى يتسنى له محاكمته عندما لم يجد مادة تمكنه من ذلك، إلا أن باكستان تفوقت على تلك التشريعات والسياسات القمعية بشكل جنوني وشطط لا يمكن أن يخطر حتى على بال هتلر في قمة نزوته التحكمية والدموية. فكيف يمكن محاكمة من كان في المهد صبياً؟ سؤال لم تجد له أسرة الصبي جواباً ولا حتى كل القانونيين وأهل الشرطة وكل الأجهزة العدلية، ولأن القاضي مقيد بقانون فهو لم يتمكن من شطب الدعوى دون أن يستمر في الوقوف على حيثياتها، وطوال تلك الجلسات سيحضر جد الصبي يحمل حفيده الرضيع ومعه «بزازته» يمص منها الحليب وهو لا يدري كل هذا الجنون من حوله. نخشى أن تصيب هذه اللوثة القانونية الحمقاء القارة السمراء بالسهر والحمى، فهي لم تعودنا سوى الاستلاف السريع لقوانين الكبت، في حين أنها درجت دوماً على سد أذنيها من كل التشريعات التي تفتح نوافذ الحريات وشعاع النور والحقيقة، ونخشى إن فعلت ذلك يوماً ما أن يهجم جحافل عسكرها على مستشفيات الولادة فينتزعون الأطفال من أحضان أمهاتهم أو الحضانات الطبية أو رياض الأطفال في أحسن الأحوال، ثم يأخذون البصمات ويصورون الأطفال ثم يعرضونهم على التلفاز باعتبارهم قادة انقلاب وتآمر، وأن ذويهم هم أيضاً يقفون على حقيقة مؤامراتهم التي تستهدف نظام الحكم، فإذا كانت باكستان التي وصلت بعلمها وتقانتها حد صناعة القنبلة النووية، فما بالك بتلك الدول التي تعاني من الجهل والأمية والمرض أو الفقر. حاج عثمان عندما قرأ هذا الخبر قال لصديقه حاج حمد «عليَّ الطلاق الناس المجانين ديل بعد ده حيطلعوا الطفل من بطن أمه ويودوه المعتقل»، لكن رد عليه صديقه قائلاً: «يا خوي ديل يمكن يودوا أمه ذاتها ويخلوها تضع في المحكمة».