رغم المرض والألم كانت معراج تحمل قلباً صبوراً وعقلاً راجحا ًيفوق سنين عمرها الغض، تتحدث عن الصبر على الابتلاء بثبات عميق، تزرع الابتسامة بروحها الطيبة في من حولها فتخفف حزنهم على مرضها، كانت كزهرة غضة صامدة رغم موج الألم العاتي، وكنا مجموعة من الشباب اختلفنا في المجالات، وفي الطباع وقوة التحمل والأمزجة، لكننا إجتمعنا في حب معراج، تناوب الجميع في زيارتها بمستشفى حاج الصافي، فنتزود منها بدروس الصبر الفريد، وكنت الوحيدة المضنة بزياراتي لمعراج، فقط لأنها تذكرني بحامد خضر عليه الرحمة.. كان مثلها في الخصال وسنوات العمر ونوع المرض، ومن المفارقات تزامُن خبر وفاتها مع ساعة انعقاد الجمعية العمومية لمنظمة الحامدون التي تخلد اسم المرحوم حامد وتستهدف علاج الشريحة المصابة بفشل النخاع. غطى حزن رحيلها العميق على شعلة الفرحة بميلاد المنظمة، إلا أن دافعاً قوياً في المضي بخطى أسرع في تنفيذ أجندتها قد تولد في نفوس جميع الأعضاء. ورحلت معراج مخلفة جرحاً عميقاً في نفوسنا، فقد كان الأمل يحدونا بقرب علاجها، خصوصاً بعد أن رنا إلى مسامعنا علناً أن مسؤولاً رفيع المستوى قد تكفل بعلاجها، احتسيتُ لوعة لويحظات الرحيل المؤلمة، صرختُ علناً، وانتحبتُ سراً، بكيتُ حد الإعياء، فلم يجديني البكاء، ذهبت معراج لدار الخلود فلها الرحمة، مضت وتركت استفهاماً يكبر في دواخلي كل صباح. تفاصيل الرواية أنه وضمن اجتهادات مجموعة من الشباب في توفير مبلغ 33 ألف دولار من أجل زراعة نخاع لمعراج ذات العشرين ربيعاً والتي تعاني من مرض فشل النخاع العظمي بعد أن قرر القمسيون سفرها للقاهرة لزراعته من شقيقتها ساجدة التي تطابقت الأنسجة معها بنسبة 100%,كان من ضمن مساعيهم عرض حالتها بتلفزيون ولاية الخرطوم، اجتهد الجميع خصوصاً الزميل أحمد كنوز، ويجب أن نشكر القائمين على أمر برنامج «في ميزان حسناتكم» إبتداءً من المعد والمخرج والمصور مروراً بالذين أذاعوا حالتها عرضاً على الشاشة، فرغم عشرات الحالات المسجلة لديهم إلا أنهم عرضوا حالة معراج واضعين في الاعتبار أن صحتها لا تتحمل التأخير. شاهدنا الحلقة الأولى، بفرحة عارمة وتفاءلنا خيراً بتفاعل المشاهدين بلغت فرحتنا أوج قمتها في الحلقة الثانية حيث ذكرت المذيعة أن والي الخرطوم د. الخضر تكفل بعلاج معراج وتمنت لها العودة من رحلة العلاج وهي موفورة الصحة والعافية، ثم شكرت الوالي على جميل صنعه. قابلنا الخبر بفرحة عارمة وتصافحنا وتبادلنا التهانئ عشنا هذة السعادة أياماً، أما أسرة معراج فقد ارتفعت روحها المعنوية وانهالت على الوالي بالدعوات. وذهبت شقيقتها ساجدة للقناة لمعرفة الإجراءات اللازمة من أجل السفر فكانت الصدمة المذهلة أخبرها مدير البرامج ان التبرع جاء باسم البرنامج وليس لمعراج، طالبت ساجدة أن يتم معالجة الخطأ في حلقة قادمة حتى يتبرع الخيرون الذين أوصدهم الخبر عن التبرع، فكان رده أنه لا يستطيع . من يدري فلعل رحيل معراج جاء نتيجة حزن اعتراها بعد فرحة عارمة، رحلت معراج إلى رحمة من بعنان السماء، وتركت في نفسي زوابع حزن كعنقود انفرط من شدة الألم بسوادل الليل.