يقول الذين اجتهدوا في تعريف الآيدلوجيا إنها هي الفكرة الهادية ومن صفات هذه الفكرة أنها: تبريرية يستطيع معتنقوها أن يجدوا من خلالها التبرير لأفعالهم وأقوالهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية والثقافية، وكل آيدلوجيا لها موقف من الأيدولوجيات الأخرى والأيدولوجيات المعلومة في العالم حتى الآن هي الليبرالية ويطلق عليها خصومها الإمبريالية العالمية والآيدولوجية الثانية هي الاشتراكية، وأيضاً يطلق عليها خصومها الماركسية اللينية نسبة إلى لينين المنفذ الأول للفكر الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وقائد انقلاب 1927م على النظام القيصري في روسيا البيضاء. وعلى خلاف الكثيرين يعتبر البعض الإسلام أيدولوجيا بينما ينفي اتباع الإسلام هذه الصفة عنه ويرون أن الإسلام دين وليس آيدلوجية وقد اختصر أمر الآيدلوجية في الإسلام على ما يعرف بالإسلام السياسي الذي يمثله فكر الإخوان المسلمين الداعي إلى تطبيق تعاليم الإسلام في الحياة السياسية، وربما أعفيت بعض المذاهب الإسلامية كالصوفية من هذه الصفة. والذين يتحدثون عن التصوف واعتداله بعكس الإسلام السياسي هم الليبراليون الغربيون والمستشرقون. والخوف كل الخوف أن يصطدم الحوار المطروح اليوم في الساحة السياسية السودانية بالتناقضات الآيدلوجية الموجودة في الساحة السودانية ولم تعد هذه مسألة جديدة ولا وليدة اللحظة حيث جرى في الستينيات حل الحزب الشيوعي السوداني، ويرى الإسلاميون أن قيام الحزب الشيوعي السوداني بانقلاب 25 مايو 1969م كان استباقاً لإجازة الدستور الإسلامي في البرلمان الذي لولا وقوع انقلاب مايو لكان السودان دولة إسلامية منذ ذلك الزمان، ولما اضطر لإعلان قوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983م على يد جعفر نميري. والموقف الأخير «للحزب الشيوعي وحزب البعث وبعض الناصريين أو ما يعرف بقوى اليسار» من الحوار الذي يدور الآن تتحرك فيه الآيدلوجية بدافع ذاتي محض يرى في الدخول في الحوار إعطاء ميزة سياسية لخصم تقليدي وهو ما يعرف باليمين بكل فئاته التي تشمل الأحزاب التقليدية الأمة والاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية ممثلة في حزبي المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، كما أن النظرة الآيدلوجية تمنع صاحبها من التعاون مع من يريد أن يكون هو البديل له آيدلوجيا بل أن وجوده المادي يقوم أصلاً على الصراع معه وهذه الرؤية لدى الشيوعيين والماركسيين أوضح من غيرهم من اليساريين العروبيين حيث حدث تقارب كبير بين الحركة الإسلامية في السودان وحزب البعث العربي في العراق على أيام الرئيس العراقي صدام حسين. وقد ينشأ سؤال هل تخلى الإسلاميون بدورهم عن أيدولوجيتهم وموقفهم الفكري من اليسار والشيوعيين عندما دعوهم للحوار على النحو المطروح الآن، أم أن الإسلاميين يريدون باسم الحوار أن يجعلوا الفكرة الشيوعية بلا هدف عندما تتحاور مع خصمها التقليدي وهو اليمين المتمثل في الإسلاميين كما يسمونهم؟وهنا علينا أن نلجأ إلى الصفة الأساسية للآيدلوجية التي أشرت لها في بداية حديثي هي التبريرية، فهناك مبرر للحوار يتحدث عنه الداعون له وهو مصلحة الوطن من خلال وقف الحرب وتحقيق السلام وإصلاح الأوضاع الاقتصادية وتحقيق الحريات السياسية، ولا تنفي قوى اليسار بدورها هذا المبرر للحوار، ولكن لها حجج أخرى ومآخذ على نظام الحكم تقول إنها من تمنعها عن الدخول في الحوار. والمسألة الأخرى والمهمة التي أشار إليها الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي في كلمته وهي أن أغلب الشعب السوداني غير منتمي لأحزاب سواء في اليمين أو اليسار، وهناك مستقلون تماما عن الانتماء الحزبي وهذا واضح في الجامعات السودانية حيث نجد الناشطين السياسيين من الطلاب في كل التنظيمات السياسية لا يتجاوزون 1% من الطلاب، وهذا يعني أن كثيرا من المواطنين لا شأن لهم بالأحزاب السياسية ولا بأيدولوجياتها وأفكارها، وفي هذه الحالة ما ذنب المواطن العادي الذي يعيش في السودان في أن يكون ضحية لصراع بين الأيدولوجيات الموجودة في الساحة ومن المعلوم أن الحوار هو مطلب شعبي، والشعب السوداني يتطلع للحوار منذ إعلانه، ويمارس الضغوط على الحكومة والمعارضة بالدخول في الحوار والوصول به إلى النتائج المرجوة لتحقيق الاستقرار السياسي وكتابة الدستور الدائم للبلاد وحسب الإرادة الشعبية وهي إرادة غالبية جموع الشعب لا يوجد حزب أو صاحب أيدولوجية هو الآن حر في أن يختار بين الجلوس للحوار الوطني من عدم الجلوس، إلا إذا أراد أن يعزل نفسه وينتهي إلى لا شيء وهذا ينطبق على المعارضة المدنية والمعارضة المسلحة على حد سواء.