ولا تزالُ قواتُنا المسلحة ودبّابونا يواصلون مسيرة تحرير السودان الشمالي من عدوان نيفاشا ولا يزالون يكنسون آثارها المدمِّرة عن أرضنا الطاهرة.. وهكذا تتحرَّر الكرمك.. عروسنا الجميلة التي اختطفها واغتصبها ذلك العُتل اللئيم على حين غفلة من أهلها.. تتحرَّر من أسْر المغول الجُدُد وتؤوب إلى حِضْن الوطن العزيز بل إلى حضن دار الإسلام بعد أن خرجت منه مُكرَهة في لحظة ضعف وقُعُود وتثاقُل إلى الأرض وبعد أن أُسلمت في ليل بهيم بدون قتال إلى أعداء الإسلام الذين إذاقوها من رِجسهم وعِهرهم وانحطاطهم في سعيهم إلى إحالتها إلى مسخٍ مشوّه غريب الوجه واليد واللسان. لقد تفطّرت قلوبُنا أو كادت ونحن نجلس بين يدي ذلك القائد إبّان زيارتنا إلى الدمازين بعد تحريرها من الأوباش وهو يحدِّثنا عن قبائل «ذكرها بالاسم» تنصّرت بكاملها وخرجت من الإسلام إبّان فترة ذلك العميل الحقود الذي أعلن على رؤوس الأشهاد أن ربه هو ذلك الجبل وأشار إليه بإصبعه خسئتَ أيها الحقير وخسئ باقانك وعرمانك في الدنيا والآخرة. التهنئة نزفُّها إلى أولئك المجاهدين من قواتنا المسلحة ودبّابينا حَمَلَة تاج الفخار ممّن حرّروا الكرمك وإلى اللواء الهادي بشرى الذي نصحه رويبضة صغير بأن يخلع بِزَّته العسكرية وأقول لأخي الهادي لا تخلعْها قبل أن تطمئن أن ولاية النيل الأزرق لم يبقَ منها شبرٌ واحد تحت قبضة أولئك الأنجاس. المجد والخلود في جنات النعيم لشهدائنا والشفاء لجرحانا ويسرُّني بهذه المناسبة أن أنشر قصيدة للشاعر الفحل عبد الله الشيخ البشير رحمه الله وقد كتب قصيدته عن تحرير الكرمك عام 7891م وهناك قصيدة أخرى تجدونها داخل هذا العدد كتبها الشاعر الكبير صديق مجتبى في نفس العام عن تحرير نفس المدينة العزيزة وما أشبه الليلة بالبارحة!! نرجو أن ينشط صديق والشعراء الرساليون في تخليد هذه الانتصارات الكبرى بدلاً من ترك الساحة لأصحاب الخربشات البكماء التي لا يحفل بها أحد.. تلك الخربشات التي تمتلئ بها بعض صحف الغفلة التي بلغ من استخفافها بنا إيرادها بعض الهذيان المحموم للرويبضة عرمان وصفوه بأنه شعر وهل ينظم الشعر من لا يفرِّق بين الفاعل والمفعول وهل يُكتب الشعر بعربي جوبا؟! أعجب والله أن ينشط بنو علمان ويطلقوا الألقاب على بعض المتشاعرين من أعداء الأمة مثل ذلك الذي سمّوه بشاعر الشعب ولستُ أدري والله أي شعب ذلك الذي يكتب باسمه أولئك المتمردون على دين وقِيم وأخلاق أمتهم.. أي شعب يتحدث باسمه أولئك الهائمون على وجوههم بين أودية العدم ممّن يقولون ما لا يفعلون ويهرفون بما لا يعلمون؟! فيحي فياحِ «كتبها الشاعِرُ عند غزو المتمردين ومن وقفوا خلفهم من الخونة، مدينة الكُرمُك، يحُضُّ بها جنودَنا البُسَلاءَ على استردادها من الغزاة المارقين وإعادتها إلى الأُمَّة»: البابُ دُوني، أعطِني المِفتاحا والزيتُ عِندي، أعطِني المصباحا أرِني الحُشودَ الزاحِفاتِ عَشِيَّةً المُطبِقاتِ على العَدُوِّ صَباحا زَحَمَتْ مناكِبُها الجبالَ، وأثقَلتْ أرضاً ومدَّت في الفضاءِ جناحا صاحت قُراها، فاقشَعَرَّتْ، وانبرى عِرقٌ إذا دَعَتِ الكَرامةُ صاحا أحفادُ أجدادٍ إذا سَقِمَ الحِمَى سَلُّوا سيوفاً في العجاجِ صِحاحا خَرَجُوا إليها مُحرَجينَ بِذِمَّةٍ حثَّتْهُمُ أنْ يبذُلوا الأرواحا أنْكَرْتُهُم، بالأمسِ كانُوا أوجُهاً حُسنَى، فراعَتْني الوجُوهُ قِباحا يا حَسْرَتاهُ، فلا جوادي بينَهُمْ يعدُو، ولا كانَ الخُروجُ مُتاحا الكُرْمُكُ العَصماءُ، وهيَ سَبِيَّةٌ صاحَتْ بِنا، لو تسمَعُونَ صياحا رِيعَتْ بليلٍ حيثُ أصلاها العِدا ناراً، وطافُوا حولَها أشباحا ماتتْ قياثِرُها على أوتارِها وتَحوَّلَ اللَّحْنُ الرَّخيمُ بُحاحا فارتاعَ شاديها الموَشَّحُ بالمُنى وارتَدَّ ناديها العزيزُ مُباحا وتثاقَلَتْ فيها الحُقُولُ فلمْ تَعُد ترْفَضُّ في ألَقِ الصَّباحِ نُفاحا باتتْ أخيذةَ غادِرٍ لا ينتشي إلاّ إذا اجتَرَعَ الخِيانةَ راحا بالأمسِ كانتْ ها هُنا محميَّةً في الدارِ تخطُرُ عِزَّةً ومراحا أضحَتْ بعيداً، نستَقي أخبارَها مِمَّنْ يرى مأساتَها إنجاحا في ليلةٍ كَفَرَ الظلامُ نُجومَها إلاّ شُواظاً فوقَها مُنْداحا حاقَتْ بها الأعداءُ، ملءُ صُدُورِهِم حِقدُ الورى فتفجَّرُوا أتراحا سَلَبُوا المباهِجَ والملاعِبَ وانتَحَوا فِعْلَ الأخَسِّ فأحرقوا الألواحا أنْحَوا على أبنائها فتشَتَّتُوا حِزَقاً تُعاني وحشةً ورياحا وهْماً تلُوحُ لهُم مساكِنُهُم، وهُم يتَخَرَّقُونَ تَنُوفةً قِرواحا لا ظِلَّ فيها، لا جِدارَ ولا صُوىً تهدي، وليسَ معينُها نضَّاحا لا أين! لاذُوا بالهلاكِ وطِفْلُهُم يجري، ويكبو باكياً مُلتاحا ظَنَّ الدُّخانَ سحائباً مركومةً والقصفَ رعداً بارِقاً لمَّاحا ثُمَّ ارعَوى، فرأى النُّجُومَ أسِنَّةً ورأى بكُلِّ ثَنِيَّةٍ رَمَّاحا يرجُو صلاحَ الحالِ مِن أُمٍّ غَدَتْ لا تستَطيعُ لحالِها إصلاحا فَقَدَت مواقِدَ نارِها وطَحينَها مِن أينَ تُعطي جائعاً مِلحاحا يا قومُ قد جَدَّتْ بنا أعداؤنا فاستبسِلُوا، فالأمرُ ليسَ مِزاحا قدْ كانَ بالأمسِ البعيدِ مُقَنَّعاً فبدا وقد حَسَرَ القِناعَ وقاحا فَلَقدْ طُلِبنا، قالتِ الآناءُ لي لا فوتَ حتّى تستَميتَ كِفاحا منْ كُلِّ ناحيةٍ نُعاني طعنةً نجلاءَ، تَنْزِفُ هِجرةً ونُواحا لحْنَ التَّغَنِّي بالسلامِ مُحَبَّبٌ لكنَّهُ لا يُطرِبُ السَّفَّاحا إنَّا لفي عصرٍ قَضَتْ أحكامُهُ ألاّ يبيتَ المُتَّقي مُرتاحا فَدَعُوا التطاحُنَ بالكلامِ وطاعِنُوا عنها، وضُمُّوا صفَّنا المُنصاحا فيحي فياحِ، فليسَ مورِدُنا غداً سهلاً، وليسَ الماءُ فيهِ قراحا فلنا بعونِ الله، عزَّ بقاؤهُ جيشٌ يصِلُّ عقيدةً وسلاحا حُمسٌ، إذا الداعي أهابَ تَناهَضُوا كالموجِ قصفاً والرياحِ جِماحا جُندٌ تَحَدَّرَ من معارِكَ رَوَّجَتْ بينَ الشعوبِ الكَرَّ والإفصاحا أبناءُ ثوراتٍ غَدَتْ أُسطُورةً عُظْمَى فأعيا فَسْرُها الشُّرَّاحا وهُمُ السَّلامُ لمَن أرادَ سلامةً وهُمُ الصُّخُورُ لمنْ أرادَ نِطاحا وهُمُ الرِّجالُ إذا البِلادُ تَوَشَّحَتْ بسوادِها لبِسوا الحديدَ وِشاحا ولنا الحكاياتُ التي قالتْ لنا السيفُ أردَى المِدْفَعَ المُجتاحا إنْ كانَ قدْ نَسِيَ العدُوُّ نِزالَنا أيَّامَ جَلَّلْنا قَفاهُ جِراحا فَلَكَمْ رَدَدْنا غازياً من بعدِهِ ولَكَمْ أزَحنا طاغياً فانزاحا وتَحُثُّنا أخلاقُنا ويحُضُّنا دينٌ يرى خوض الجهادِ صلاحا لا عَيبَ إلاَّ أنَّنا من أُمَّةٍ تُذْكي الشهادةُ بينها الأفراحا فيحي فياحِ،فما نُبالي بالرَّدى عِندَ الكرامةِ، إنْ غَدا أو راحا قُلْ للفتاةِ الكُرمُكِيَّةِ في غَدٍ قَسَماً تَهِشُّ لكِ الدِّيارُ فِساحا ولَقَدْ تَحُجُّ لكِ المدائنُ والقُرى زَفَّاً، وتَنْثُرُ عِطْرَها الفوَّاحا ومُوكَّلاتٍ بالجمالِ يجئنَ في مثلِ الطُّيورِ فيصطخِبْنَ صداحا ولقدْ تَحُوكُ لكِ السَّحائبُ حُلَّةً من نسجِهِنَّ الزَّنْبَقَ النَّفَّاحا وغداً تَبُثُّ لكِ المزاميرُ الألهيَّاتُ مِن صوتِ الأذانِ فلاحا وغداً يرى السودانُ في آفاقِه فجراً من الشَّفَقِ المُضَرَّجِ لاحا