على الرغم من تثاقل خطا المعارضة السودانية وتثاقل ألسنتها فى إدانة العدون الاسرائيلي على مصنع اليرموك جنوبيّ العاصمة السودانية الخرطوم، إلاّ أن الحادثة فى الواقع من الضروري ان تكون قد أيقظت قادة القوى المعارضة من سباتهم السياسي الطويل. نحن هنا لسنا بصدد لوم الحكومة السودانية على تعاملها مع قوى المعارضة، ولا للوم قوى المعارضة على إختياراتهم غير الاستراتيجية والقائمة فقط على إقصاء السلطة الحاكمة بشتىّ السبل وكافة الوسائل. لقد وضح الآن ليس فقط وقوع السودان فى مرمى مدافع أعداء خارجيين، ولكن اختيار أولئك الأعداء السودان بالذات لكي يكون إما مرتعاً سهلاً لمصالحهم بموارده وموقعه، أو غنيمة حربية تقع فى يدهم بعد حرب لا هوادة فيها. إن أزمة قوى المعارضة السودانية لم تقف فقط فى حدود معاونة أعداء السودان على إختراقه والتغلغل الى عمقه، ولكنها تجاوزت ذلك فى أنها أعطت إنطباعاً للأعداء، أنها تقف بمعزل عن قضايا البلاد طالما أن الذين يحكمونها ما يزالوا يحكمونها! هنالك إدراك واضح من جانب اعداء السودان وفى مقدمتهم اسرائيل والولاياتالمتحدة أن قوى المعارضة السودانية لا تمانع ولا يهمّها لو تم ضرب السودان عشرات المرات، طالما أن ذلك قد يتسبّب – حسب تقديراتهم – فى ذهاب السلطة القائمة. وقد رأينا كيف تهلّلت وجوه قادة المعارضة السودانية حين تم ضرب مصنع الشفاء بضاحية الخرطوم بحري فى أغسطس 1998م ، بعضهم إبتهج لأنه من زوّد الأمريكيين بالمعلومة وأرشد عن المصنع، كما فعل مبارك الفاضل؛ وبعضهم قال قولة مشهورة مثل السيد الصادق المهدي الذى قال (ربَّ غارة نافعة)! وبعضهم أعدَّ حقائبه وحزم أمتعته فى العاصمة الجارة إستعداداً للعودة الميمونة عقب بداية سقوط النظام! هو بالطبع أمر مؤسف للغاية فيه دلالة على ضعف الوازع الوطني، ففي كل حادثة تقع فى السودان، يبحث قادة قوى المعارضة فى ثناياهاعن مصالحهم الشخصية، عن مفتاح (قصر السلطان) وعن طريق للمعقد وكرسي الحكم، تماماً مثل أولئك الذين يقع حادث مروري بالقرب منهم، ويكون كل همّهم البحث فى جيوب أطراف الحادث، وتجريدهم من المال، والبحث عن كل ما يستفيدون منه. لقد خلق هذا الوضع شيئاً نشازاً، مؤدّاه أن السودان وبخلاف القوى الحاكمة فيه، ليس فيه قوى وطنية، وهو أمر محزن، جرّبته الولاياتالمتحدة فى أفغانستان وفى العراق. ففي الاولى جلبت حاكماً من الخارج وهو حامد كرازاي، أمريكي فى كل شيء، وورّطته فى الخضم الأفغانيّ، وهو الآن يعاني الأمرَّين بعدما أيقظ مارد طالبان وأعادها من جديد للواجهة. وفى الثانية جلبت معها على ظهر دباباتها من الخارج الجلبي ومن معه، وهم الآن أصبحوا فى ذمة التاريخ بعدما تبيّن فى المحك العمليّ أنهم لا يملكون أدنى قدر من الوطنية. لقد بدا وكأنَّ قوى المعارضة السودانية تعيد إنتاج ذات المشهد، فهي غائبة عن المسرح الوطني الحقيقي وهذا فى الواقع هو ما يشجع اعداء السودان غاية التشجيع على العداء وشنّ الهجمات، إذ أنّ أخطر ما فى عناصر الحرب، عنصر الجبهة الداخلية. إن قوى المعارضة السودانية أهدرت سنوات طويلة فى شد وجذب لا طائل من ورائه مع الحكومة السودانية. رفضت عشرات الدعوات للمشاركة فى السلطة فى حكومة قاعدة عريضة، ورفضت الإسهام فى العمل الوطني والاصطفاف – ولو لمرة واحدة – فى الصف الوطني العريض. رفضت الخيارات السلمية وإمكانية معالجة الأمور عبر الحوار. باتت كل حساباتها قائمة على فرضيات غامضة وبعيدة عن الواقع. الآن اسرائيل إختارت المواجهة، وهى حين تفعل ذلك لا تفرِّق بين من ينافقها ويمالئها من قوى المعارضة الحالمة بصداقتها. هى تستهدف السودان كله، وتعرف لماذا، وهى دون شك الفرصة الأخيرة الذهبية لقوى المعارضة السودانية لتصطف فى الصف الوطني وتتجاوز خصومتها الفاجرة مع الحكومة السودانية!