تلميذات المدارس كن يرددن منولوجاً لم يقض كثرة تريده على حلاوته وطلاوته وهو منولوج حواري تخاطب بنت الحضر من خلاله ابنة القرية أو البادية عندما تعبر القروية عن شوقها لزيارة الخرطوم لما سمعت عن الخرطوم من أشياء وأفعال لا وجود لها في البوادي والقري والنجوع: وقالوا في الخرطوم حديقة البلدية... وقالوا في الخرطوم البت تسوق عربية حيه.... بتنين نزور الخرطوم؟ وتجيب بنت الخرطوم على القروية بما يشبه المواساة: ما إنت يا قروية والله ما منسية وما إنت يا بدوية والله ما منسية. ولم تكن جبرة الشيخ منسية وهي تشهد أحداثاً كبيرة ومهمة في تاريخ شمال كردفان عامة ومحلية جبرة الشيخ خاصة، فقد كان الحدث الأول هو أن طوت جبرة الشيخ الخلاف الذي كان يخيم على المنطقة ويعكر صفو التعايش السلمي المعروف والمشهود بين الناس منذ مئات السنين وقد تمثل ذلك في الصلح بين قبيلتي الكبابيش والجبال البحرية. وهذا الصلح كان نتيجة لجهود أبناء المنطقة الذين عز عليهم أن يكونوا على قيد الحياة وأهليهم يتقاتلون ويتخاصمون وعلى رأس هؤلاء الأبناء البروفيسور محمد أحمد علي الشيخ النطاسي الكبير والمدير الأسبق لجامعة الخرطوم «ابن السودان وجبرة الشيخ البار» وقد جمع أبناء المنطقة بالخرطوم لأكثر من مرة وواصل الليل بالنهار مع حكومة شمال كردفان لوضع حد للنزاع وإنهاء المشكلات، ومن بذل الجهد قادة الإدارة الأهلية بشمال كرفان بقيادة ناظر قبيلة البديرية الزين ميرغني حسين زاكي الدين وقادة الطرق الصوفية على رأسهم مولانا الخليفة عبد الوهاب خليفة الكباشي واستطاع هؤلاء جميعاً أن يضعوا القواعد اللازمة للتعايش السلمي بين الهواوير والكبابيش، والكبابيش والجبال البحرية. وكان للقرار الذي اتخذته حكومة الولاية بأن تتولى الحكومة مهمة حفر الدوانكي والآبار الأثر الأكبر في نزع فتيل الأزمة التي كانت بسبب المياه والتي أشرت لها من قبل في مقالات سابقة. وبعد أن تولت الحكومة هذه المهمة جاء التأكيد على التعايش السلمي والاهتمام بتنمية المنطقة وتطويرها. والحدث الثاني المرتبط بالحدث الأول ارتباطاً كلياً هو انعقاد مجلس وزراء حكومة شمال كردفان برئاسة والي الولاية مولانا أحمد محمد هارون وقد توالت اجتماعات مجلس الوزراء في حمرة الوز وجبرة الشيخ وسط أجواء التصالح القبلي والوئام الأهلي الذي وفره اجتماع جبرة الشيخ الذي حضره الوالي ورعاه رعاية تامة ووضع الخطط اللازمة لنجاحه... وكانت الحكومة الرشيقة لشمال كردفان تدشن نفير نهضة شمال كرد فان بوجود كل الوزراء والمعتمدين وتبدأ البداية الحقيقية في رأيي حيث لبى والي شمال كردفان مطالب المواطنين في التعليم والصحة ومياه الشرب، وسار على نهج النفير القائم على مبادرة المجتمع ودعم حكومة الولاية بأن يدفع المواطنون ثلث تكلفة المشروع وتتكفل حكومة الولاية بدفع ثلثي قيمة المشروع. وعندما تبدأ انطلاقة النفير«من حمرة الوز» فهي البداية الصحيحة لكون حمرة الوز دون سائر مناطق شمال كردفان مهددة بالزحف الصحراوي، وهذا الزحف يمثل خطراً على السودان كافة وولايتي جنوب وشمال كردفان خاصة مما يتطلب تكثيف الجهود بزراعة حزام شجري في منطقة حمرة الوز وإنشاء وزارة لمكافحة الزحف الصحراوي في شمال كردفان، وتفعيل دور المنظمات الطوعية العاملة في مجال مكافحة الزحف الصحراوي ومن بينها المشروع القومي لدرء آثار الجفاف والتصحر وتنمية جنوب الصحراء وغيرها من المنظمات والهيئات العاملة في هذا المجال. ومما يثلج الصدر حقاً خلال هذه الزيارة هو إعلان الوالي أحمد هارون عن الشروع في طريق أم درمان جبرة الشيخ بارا وستكون البداية في يوليو القادم أي بعد شهرين من الآن انطلاقاً من جبرة الشيخ، وهذه كانت من البشارات والنوافل الجميلة التي تسبق فجر التنمية في شمال كردفان وقد كانت البداية بجبرة الشيخ مهمة لكل الاعتبارات التي ذكرتها ولما لاحظه والي شمال كردفان أحمد هارون أن الولاية فيها ميلة وهي في حاجة لتوازن في التنمية بعد الاتجاه غرباً نحو حمرة الشيخ وسودري... عاوزين يا أحمد هارون الأبيض تكون صينية من كل اتجاهات الولاية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، كما نريد مد خط السكة الحديد شمالاً ومن على القطار نفتح نوافذه لنرى الأنعام والصيد والزروع والوديان والتلال الرملية والغزلان وأسراب القطا، ويا سرب القطا هل من يعيرني جناحك لعلي إلى من قد هويت أسير ثم أطير، ولا ننسى المطارات التي تربط بين غرب السودان وشرقه وبين عاصمة الولاية والمناطق البعيدة... ما إنت يا بدوية والله ما منسية!!